في مقال نشرته صحيفة التلغراف، قدّم الكاتب روري مكارثي قراءة نقدية حول واقع الحكم في السعودية تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان، مستندًا إلى كتاب المملكة غير المقدسة للكاتب ماليز روثفين، الذي يرسم صورة قاتمة لنظام الحكم السعودي، الذي يجمع بين القمع والفساد والانفراد بالسلطة.
محمد بن سلمان.. السلطة المطلقة والجنون الاستعراضي
يصف مكارثي في مقاله ولي العهد محمد بن سلمان بأنه يحكم السعودية بأسلوب يتسم بالفوضوية والنرجسية، إذ يدير شؤون الدولة وكأنها ممتلكاته الخاصة، في الوقت الذي يقضي فيه وقتًا طويلًا في الاستجمام على متن يخته الفاخر Serene، حيث يقال إنه يحتفظ بلوحة سالفاتور موندي الشهيرة لليوناردو دافنشي، التي اشتراها بمبلغ 450 مليون دولار. ويُعرف عنه أنه لا يلتزم بمواعيد محددة، حيث أُجبر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في أكتوبر 2023 على انتظاره لساعات قبل أن يتمكن من مقابلته في اليوم التالي.
أكد مكارثي أن صعود محمد بن سلمان إلى السلطة لم يكن نتيجة ترتيب طبيعي للخلافة، بل جاء من خلال عملية استيلاء على الحكم بأسلوب يشبه ممارسات عائلة كورليوني في فيلم العرّاب، حيث أقصى منافسيه من العائلة المالكة واستحوذ على جميع مفاتيح الحكم بقبضة من حديد.
اغتيالات وقمع.. الوجه الدموي للنظام السعودي
يعود مكارثي إلى واحدة من أكثر الجرائم المروعة التي ارتبطت بمحمد بن سلمان، وهي اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، حيث تم تخديره وخنقه وتقطيع جثته بمنشار دون أن يُعثر على رفاته حتى اليوم. وأشار مكارثي إلى أن هذه الجريمة تسببت في عزلة مؤقتة للنظام السعودي وأبعدت المستثمرين لفترة، إلا أن موجة جديدة من الاندفاع نحو السعودية بدأت مؤخرًا، مع تسابق الشركات الاستشارية ولاعبي كرة القدم والمهندسين المعماريين إلى المملكة، في “سباق للثروة” كما وصفه روثفين.
في الداخل السعودي، لا يزال النظام يعتمد على القمع الوحشي، إذ ذكر مكارثي أن المئات من رجال الدين الذين تجرأوا على انتقاد سياسات ولي العهد يقبعون في السجون، رغم مزاعمه عن تبنيه لإسلام “معتدل”. وعلى الرغم من السماح للنساء بالقيادة وإقامة الحفلات الموسيقية، فإن هذه التغييرات لا تعكس أي انفتاح سياسي، حيث تستمر الاعتقالات التعسفية، ويظل تشكيل الأحزاب السياسية ممنوعًا، فيما تبقى الانتخابات التشريعية غائبة تمامًا عن المشهد.
الحداثة المغشوشة.. من نيوم إلى شراء النفوذ عبر الرياضة
أشار مكارثي إلى أن رؤية محمد بن سلمان لا تخرج عن كونها محاولة لإعادة تشكيل السعودية كـ”دولة الرجل الواحد”، حيث يروج لبرامج تحديث اقتصادي ضخمة مثل مشروع نيوم، المدينة المستقبلية التي تبتلع مليارات الدولارات، ومشروع تروجينا، المنتجع الجبلي المثير للجدل. لكن خلف هذه المشاريع البراقة، تعاني السعودية من ارتفاع معدلات البطالة والفقر، مما يدفع الشباب إلى تأييد الإصلاحات الاقتصادية على أمل تحسين أوضاعهم المعيشية.
كما تناول مكارثي توجه النظام السعودي نحو الاستثمار في الرياضة كأداة لغسل سمعته، حيث ضخّت المملكة مليارات الدولارات في كرة القدم والجولف، واستحوذت على نفوذ داخل اتحاد PGA عبر مشروع LIV Golf، بينما تستعد لاستضافة كأس العالم 2034. هذه الاستثمارات، كما يرى المقال، تهدف إلى تحسين صورة النظام دوليًا، وإسكات الانتقادات الموجهة لانتهاكاته لحقوق الإنسان.
تحالفات غير مستقرة.. السعودية بين واشنطن وتل أبيب
ورأى مكارثي أن محمد بن سلمان يسعى لإعادة تموضع السعودية في المنطقة، خاصة في ظل علاقته الوثيقة بعائلة ترامب، التي قد تمنحه المزيد من الحرية في حال عاد دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية. وتشير توقعات الكاتب ماليز روثفين إلى أن ولي العهد السعودي قد يكون مستعدًا لمزيد من التقارب مع إسرائيل، في ظل تعاون استخباراتي متزايد بين الطرفين، إلا أن هذا المسار قد يواجه عقبات، خصوصًا بعد الحرب الإسرائيلية على غزة.
على المستوى الإقليمي، يتبنى محمد بن سلمان سياسات عالية المخاطر، بدءًا من الحرب المدمرة التي شنها على اليمن، إلى محاولاته التوازن بين الصين والغرب، بالإضافة إلى استعداده السابق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل أن تعرقل الأحداث في غزة هذه الخطوات. كما يشير المقال إلى أن ولي العهد السعودي قد يكون أكثر جرأة الآن في ظل تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة بعد سقوط نظام الأسد في سوريا وتراجع قوة حزب الله في لبنان.
إلى أين تتجه السعودية
خلص مكارثي إلى أن محمد بن سلمان يحاول إعادة تشكيل السعودية وفق تصور شخصي يقوم على سلطته المطلقة، مع إضفاء مظهر حداثي زائف لإرضاء الغرب والمستثمرين الدوليين، فيما يبقى القمع والترهيب هو السمة الأساسية لحكمه. ومع احتمالية إعادة انتخاب ترامب، قد يجد ولي العهد السعودي مساحة أكبر لتنفيذ مشاريعه بدون عوائق، لكنه سيظل يواجه تحديات داخلية، سواء بسبب استبداده السياسي أو فشله في توفير حلول حقيقية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الشعب السعودي.
اضف تعليقا