بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وجدت الدول الغربية نفسها في حاجة إلى الاستغناء عن النفط ومنتجات الطاقة الروسية كنوع من أنواع الضغط على بوتين وإضعافه لإنهاء الحرب والتراجع عن تهديداته بالاستمرار إلى أبعد من ذلك.
معظم الاقتصادات الغربية تبذل الآن قصارى جهدها متأخرة لفطم نفسها عن النفط والغاز الروسي، حتى ألمانيا، أحد أكبر أسواق النفط والغاز في عهد فلاديمير بوتين، تقول إنها ستكون في وضع يمكنها من إنهاء جميع واردات النفط والغاز الروسي في غضون ستة أشهر.
مع استمرار العقوبات التجارية، يجب أن تكون مقاطعة الطاقة الروسية سهلة نسبياً، ولكن حتى بالنسبة للمملكة المتحدة، التي هي لحسن الحظ أقل اعتمادًا على روسيا من غيرها، فقد ثبت أن هذه المقاطعة معقدة ومؤلمة اقتصادياً وصعبة دبلوماسياً، لذلك فإن الحل الأمثل لتسهيل هذه المقاطعة هو الحصول على مساعدات من أوبك التابعة للمملكة العربية السعودية وذلك عبر زيادة الإنتاج.
من خلال زيادة الإنتاج، يمكن للسعودية بسهولة تخفيف حدة ارتفاع الأسعار، وبالتالي المساعدة في تخفيف أزمة تكلفة المعيشة التي ضربت الاقتصاد العالمي وتؤرق كافة شعوب العالم.
ومع ذلك، لا توجد أي إشارة في الوقت الحالي أن السعودية وأوبك قد يقدمان أي مساعدات لدول العالم، بل على العكس، أصبح بن سلمان “الكلب الوفي” لبوتين، لدرجة أنه تخلى عن الوفاء بالتزاماته تجاه شركائه الغربيين، وبطبيعة الحال رُفضت طلبات الولايات المتحدة للحصول على نفط إضافي بشكل متكرر.
تحتاج الرياض إلى التفكير مرة أخرى، لأنها لا تهتم بالإشارات الجيوسياسية المؤسفة التي ترسلها بفشلها في التصرف، فإذا استمرت مثل هذه الأسعار لفترة أطول، فإنها ستدفع العالم إلى الركود، وبالتالي، سينخفض الطلب بشدة وستنهار الأسعار، بناء عليه سينهار اقتصاد الدول المنتجة للنفط.
التجربة أثبتت أن ارتفاعات أسعار النفط لا تدوم طويلاً، بل الواقع أثبت في مرات سابقة أن أسعار النفط المرتفعة تحتوي دائمًا على بذور تدميرها.
الخوف الآن هو أن العرض العالمي مفرط بالفعل في ضوء قوى الركود المتجددة، وقد عززت عمليات الإغلاق المتكررة في الصين تلك المخاوف.
بحسب بعض المصادر المطلعة، فإنه لا توجد فرصة تقريباً لأن تفعل أوبك المزيد لمساعدة الغرب في مواجهة بوتين، بدلاً من ذلك، يجلس على الهامش يراقب النتيجة، لكن من مدرجات بوتين، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن روسيا هذه الأيام لديها أفضلية على طاولة أوبك – أوبك بلس، كما يطلق عليها، إذ يريد بوتين إبقاء الإمدادات شحيحة قدر الإمكان.
في الواقع، لا يهتم بن سلمان بمطالب الكرملين، لكن التدهور الحاد في العلاقات الأمريكية مع العائلة المالكة السعودية منذ أن تولى جو بايدن الرئاسة هي ما ساهمت في تقريب العلاقات بين الحاكم الفعلي للمملكة الخليجية وبين بوتين.
بالنسبة لبايدن، فإن ولي العهد محمد بن سلمان شخصية منبوذة، ملعونًا إلى الأبد بسبب القتل الوحشي للصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي على يد فرقة اغتيال سعودية، وبأوامر شخصية منه كما جاء في تقرير الاستخبارات الأمريكية حول الواقعة.
لم يسع بايدن أبداً من تولي منصبه إلى مقابلة ولي العهد أو الاتصال به شخصياً، على عكس سلفه دونالد ترامب، الذي استمر في التمتع بعلاقة جيدة مع بن سلمان حتى بعد جريمة القتل، بل ودافع عنه بشدة أمام الغرب.
المراقبون الغربيون في حيرة من موقف الرياض، لا يمكن أن يكون هناك شك في أين يكمن تعاطف العائلة المالكة ومصالحها في نهاية المطاف، بالرغم من أن روسيا متحالفة بشكل أساسي مع إيران، العدو الإقليمي والديني للمملكة العربية السعودية.
بصرف النظر عن إسرائيل التي تتفق مع المملكة العربية السعودية في تصميمها على حرمان إيران من الوصول إلى الأسلحة النووية، فإن المملكة لديها أصدقاء قليلون خارج الولايات المتحدة وبريطانيا، وتعتمد عليهم بالكامل تقريباً في الحماية.
إنها حقيقة مؤسفة أن أغلب احتياطات العالم من الطاقة تقع في أيدي أنظمة بغيضة تمتلك سجلات مروعة في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك روسيا والمملكة العربية السعودية، مع ذلك ليس على الولايات المتحدة في حد ذاتها أن تقلق كثيرا؛ بفضل الصخر الزيتي، فهي تتمتع بالاكتفاء الذاتي من الطاقة، وقد أدى هذا بالفعل إلى توتر العلاقات مع المملكة العربية السعودية، والتدخل في النفوذ الذي تتمتع به في السابق على الاقتصاد الأمريكي عبر أسواق الطاقة.
أدى دفع بايدن من أجل التوصل إلى اتفاق نووي متجدد مع إيران، ووقفه لبعض مبيعات الأسلحة احتجاجًا على الحرب في اليمن، إلى تقويض العلاقة بشكل أكبر، مما شجع السعودية على البحث عن أسواق جديدة في الصين والهند، ويقول البعض إن العلاقات الأمريكية / السعودية أصبحت أسوأ من أي وقت مضى.
كما هو الحال، فإن تصرفات بوتين الغريبة تدفع بشكل كارثي الكثير من العالم الصناعي إلى الركود، والطريقة التي تسير بها الأمور حالياً، قد تؤدي إلى إحداث مجاعة كارثية في أجزاء كبيرة من العالم النامي، لهذا من الصعب فهم ما يجعل العديد من هذه البلدان متسامحة للغاية مع غزو أوكرانيا نظراً لهذه الآثار الكارثية المحتملة.
ربما يتحمل الغرب نفسه مسؤولية الفوضى الاقتصادية التي يجد نفسه فيها، إذ لطالما كانت أسعار النفط وتأثيراتها الاقتصادية الكلية ذات طابع جيوسياسي أكثر من كونها قصة تجارية، ولكن نادرًا ما كانت أكثر مما هي عليه اليوم.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا