تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ مخططاتها الاستيطانية في الضفة الغربية، إذ أصدرت مؤخرًا قرارًا عسكريًا بمصادرة أراضٍ فلسطينية في بلدة طمون جنوب شرق طوباس. القرار، الذي يقضي بالاستيلاء على 5 دونمات و217 مترًا من الأراضي، يأتي كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى توسيع مستوطنة “بقعوت” وتعزيز السيطرة الإسرائيلية على مناطق الأغوار.

ولم يكن هذا القرار الأول من نوعه، فقد سبقته إجراءات مماثلة، من بينها الاستيلاء على أكثر من ثمانية دونمات في مسافر يطا جنوب الخليل، مما يعكس تصعيدًا ممنهجًا في الاستيطان بالضفة الغربية، وهو ما يتناغم مع سياسات الاحتلال الرامية إلى فرض وقائع جديدة على الأرض تقوض أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية.

البنية التحتية الاستيطانية.. مخطط استراتيجي لتقسيم الضفة

إلى جانب مصادرة الأراضي الزراعية، تتجه إسرائيل إلى تعزيز مشاريعها الاستيطانية عبر تطوير البنية التحتية التي تربط المستوطنات ببعضها البعض، ما يساهم في ترسيخ سيطرتها وفرض واقع استيطاني دائم. في هذا السياق، استولت سلطات الاحتلال مؤخرًا على 262 دونمًا من الأراضي الفلسطينية شمال القدس المحتلة، بغرض توسعة شارع استيطاني يخدم مستوطنات “بنيامين الصناعية” و”كوخاف يعقوب”، مما يقطع التواصل الجغرافي بين القرى الفلسطينية في المنطقة.

هذه التوسعة تأتي ضمن مشروع استيطاني أكبر يهدف إلى إنشاء شبكة طرق تربط المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية مع القدس ومناطق الداخل المحتل، وهو ما يؤدي إلى تقطيع أوصال المدن والبلدات الفلسطينية وعزلها عن بعضها البعض، مما يُضعف من إمكانية إقامة كيان فلسطيني مترابط جغرافيًا.

تهجير قسري تحت غطاء أمني

في إطار السياسات الإسرائيلية الرامية إلى تغيير التركيبة الديمغرافية في الضفة الغربية، يوسع الاحتلال تنفيذ عمليته العسكرية الواسعة في شمال الضفة، والتي تستهدف مناطق مثل جنين ونابلس. هذه العملية، التي يتم تسويقها باعتبارها حملة “أمنية” لملاحقة المقاومين، تحمل في طياتها أهدافًا أخرى تتعلق بتهجير السكان، وإفراغ المناطق الفلسطينية من أهلها، تمهيدًا لضمها رسميًا إلى إسرائيل.

وتعتمد إسرائيل في هذه الاستراتيجية على تكتيكات متعددة، من بينها القصف الجوي والاجتياحات العسكرية المتكررة، التي تُجبر العائلات على الفرار من مناطقها، إضافةً إلى تدمير المنازل والبنية التحتية لجعل الظروف المعيشية مستحيلة. هذه الممارسات تُعيد إلى الأذهان النموذج الذي استخدمته إسرائيل في النكبة عام 1948، حيث تم تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين قسرًا من أراضيهم، وهو السيناريو الذي قد يتكرر في الضفة الغربية إذا لم يكن هناك تدخل دولي جاد.

الضم التدريجي للضفة.. سياسة إسرائيلية تُنفَّذ على مراحل

تسير إسرائيل في مشروعها الاستيطاني وفق منهجية “الضم التدريجي”، حيث لا تُعلن رسميًا عن ضم الضفة الغربية، لكنها تعمل على خلق وقائع تجعل من المستحيل فصل المستوطنات عن إسرائيل. من خلال مصادرة الأراضي، وإنشاء الطرق الاستيطانية، وتنفيذ العمليات العسكرية التي تدفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية، تصبح السيطرة الإسرائيلية أمرًا واقعًا لا يمكن تغييره بسهولة.

وتشير التقديرات إلى أن هذه السياسات تُدار بدعم مباشر من الحكومة الإسرائيلية، التي باتت أكثر تطرفًا تجاه ملف الاستيطان، حيث يتبنى وزراء بارزون خطابًا يدعو علنًا إلى ضم الضفة الغربية وتهجير سكانها. هذا التوجه ينسجم مع رؤية الأحزاب اليمينية الإسرائيلية، التي ترى أن الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من “إسرائيل الكبرى”، وتسعى إلى فرض سيادة إسرائيلية كاملة عليها.

المجتمع الدولي وصمته المتواصل

على الرغم من أن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، بما في ذلك قرارات الأمم المتحدة التي تُجرم الاستيطان، إلا أن رد الفعل الدولي لا يزال ضعيفًا وغير كافٍ لوقف هذه المخططات. الإدانات الشكلية والمواقف الدبلوماسية لم تُترجم إلى إجراءات فعلية تلزم إسرائيل بالتراجع عن سياساتها، مما يمنحها غطاءً لمواصلة مشروعها الاستيطاني بلا رادع.

ومع استمرار التوسع الاستيطاني والتهجير القسري، فإن الضفة الغربية تواجه خطر التحول إلى “غزة ثانية”، حيث يتم تحويلها إلى مناطق معزولة ومغلقة، خاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، ما يجعل حل الدولتين خيارًا مستبعدًا على أرض الواقع.

الضفة الغربية في مواجهة مخطط التهويد الشامل

ما يجري في الضفة الغربية ليس مجرد توسع استيطاني متفرق، بل هو جزء من مشروع استعماري إحلالي يهدف إلى فرض السيطرة الإسرائيلية الكاملة عليها، وحرمان الفلسطينيين من أي فرصة لإقامة دولتهم. فبين مصادرة الأراضي، وتوسيع المستوطنات، وتنفيذ العمليات العسكرية لإخلاء المناطق الفلسطينية، تتحرك إسرائيل بخطوات مدروسة نحو تحقيق هدفها النهائي: الضم الكامل للضفة الغربية، وفرض أمر واقع جديد لا يمكن التراجع عنه.

وفي ظل هذا التصعيد، تبقى المسؤولية الدولية غائبة، ما يضع الفلسطينيين أمام تحدٍّ وجودي يتطلب مواجهة شاملة، سياسيًا وميدانيًا، للحفاظ على ما تبقى من أرضهم، ومنع الاحتلال من تحويل الضفة الغربية إلى مستوطنة إسرائيلية كبرى.

اقرأ أيضا: الضفة الغربية تحت نيران الاحتلال: تهجير قسري ومقاومة متصاعدة وسط تواطؤ السلطة الفلسطينية