أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق في البلاد يوآف غالانت والزعيم العسكري لحماس محمد ضيف -الذي تدعي إسرائيل قتله بالفعل- بتهمة ارتكاب جرائم حرب تتعلق بحرب غزة المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

هذه هي المرة الأولى التي توجه فيها المحكمة اتهامات إلى زعماء دولة متحالفة مع الغرب، في قرار يُعتبر الأكثر أهمية في تاريخها الممتد منذ 22 عامًا.

يواجه نتنياهو وغالانت خطر الاعتقال إذا سافرا إلى أي من الدول الـ 124 التي وقعت على نظام روما الذي أنشأ المحكمة، وكانت المحكمة قد قضت بوجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية باعتبارهما شريكين في ارتكاب “جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب؛ والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانية”.

من ناحيتها، انتقدت الولايات المتحدة هذه الخطوة، ووصف جو بايدن أوامر الاعتقال في بيان صدر مساء الخميس بأنها “شائنة”، وتابع “دعوني أوضح مرة أخرى: أيا كان ما قد تلمح إليه المحكمة الجنائية الدولية، فلا يوجد تكافؤ بين إسرائيل وحماس… سنقف دائمًا مع إسرائيل ضد التهديدات لأمنها”.

كما ندد مكتب نتنياهو بقرار الغرفة ووصفه بأنه “معادٍ للسامية”، وقال المكتب في بيان “إن إسرائيل ترفض رفضا قاطعا الاتهامات الكاذبة والعبثية التي وجهتها المحكمة الجنائية الدولية، وهي هيئة سياسية متحيزة وتمييزية”، مضيفا أن “أي حرب ليست أكثر عدالة من الحرب التي تشنها إسرائيل في غزة”.

وتابع نتنياهو في بيان مصور: “لن يمنعنا أي قرار فاضح مناهض لإسرائيل – ولن يمنعني – من الاستمرار في الدفاع عن بلدنا بكل الطرق. لن نستسلم للضغوط”.

وأصدر مجلس الأمن القومي الأميركي بيانا يرفض فيه “بشكل أساسي” قرار المحكمة، وقال البيان “ما زلنا نشعر بقلق عميق إزاء اندفاع المدعي العام لطلب أوامر اعتقال وأخطاء العملية المزعجة التي أدت إلى هذا القرار”، وأضاف البيان “لقد كانت الولايات المتحدة واضحة في أن المحكمة الجنائية الدولية ليس لديها ولاية قضائية على هذه المسألة”، موضحًا “بالتنسيق مع الشركاء، بما في ذلك إسرائيل، نناقش الخطوات التالية”.

لقد رحبت الولايات المتحدة في السابق بمذكرات اعتقال جرائم الحرب التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد فلاديمير بوتن ومسؤولين روس آخرين بسبب الفظائع التي ارتكبت في أوكرانيا، مما عرض إدارة بايدن لاتهامات بمعايير مزدوجة من العديد من أعضاء الأمم المتحدة، وخاصة من الجنوب العالمي.

يمكن لنتنياهو أن يتوقع المزيد من الدعم المدوي من إدارة دونالد ترامب القادمة، فخلال فترة ولايته الأولى، في عام 2020، فرض ترامب عقوبات أمريكية على المحكمة الجنائية الدولية، تستهدف مسؤولي المحكمة وعائلاتهم، كما أوضح وزير الخارجية آنذاك، مايك بومبيو، أن العقوبات فرضت لأن المحكمة الجنائية الدولية بدأت التحقيق في تصرفات الولايات المتحدة وحلفائها في أفغانستان، وكذلك العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.

من المتوقع أن توافق المملكة المتحدة على طلب اعتقال نتنياهو إذا جاء إلى بريطانيا، على الرغم من رفض مكتب رئاسة الوزراء تأكيد ذلك بشكل مباشر، قائلاً فقط إنه “سيحترم” استقلال المحكمة. وقال متحدث باسم المكتب إن إجراءات المحكمة في المملكة المتحدة ستكون ضرورية للموافقة على أي طلب.

من جانبها، قالت اللجنة المصدرة للقرار إن النسخة الكاملة من مذكرات الاعتقال الصادرة ضد نتنياهو وغالانت كانت سرية “من أجل حماية الشهود وضمان سير التحقيقات”، لكن القضاة تحدثوا عن الكثير من أسباب اتخاذ هذا القرار، وركزت هذه الحجج على عرقلة إمداد المساعدات الإنسانية إلى غزة، والتي اعتبرتها متعمدة.

وقال الحكم المكتوب: “اعتبرت الدائرة أن هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن كلا الفردين حرموا عمدًا وبوعي تام السكان المدنيين في غزة من أشياء لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك الغذاء والماء والأدوية والإمدادات الطبية، فضلاً عن الوقود والكهرباء

وقد لاقت أوامر الاعتقال ترحيبا واسع النطاق من جانب جماعات حقوق الإنسان، وقالت بلقيس جراح، الباحثة في هيومن رايتس ووتش، إن هذه الأوامر من شأنها أن “تكسر التصور” بأن بعض الأفراد فوق القانون.

وقالت جراح: “إن قدرة المحكمة الجنائية الدولية على الوفاء بولايتها بشكل فعال سوف تعتمد على استعداد الحكومات لدعم العدالة بغض النظر عن مكان ارتكاب الانتهاكات ومن قبل من… يجب أن تدفع هذه الأوامر المجتمع الدولي في النهاية إلى معالجة الفظائع وضمان العدالة لجميع الضحايا في فلسطين وإسرائيل”.

ونفت إسرائيل ارتكاب جرائم حرب في غزة ورفضت اختصاص المحكمة، ومع ذلك، أشارت الدائرة التمهيدية إلى أن فلسطين تم الاعتراف بها كعضو في المحكمة في عام 2015، وبالتالي فإن المحكمة الجنائية الدولية لم تطلب موافقة إسرائيل للتحقيق في الجرائم على الأراضي الفلسطينية.

كما رفضت الدائرة استئنافا إسرائيليا لتأجيل أوامر الاعتقال، قائلة إن السلطات الإسرائيلية أُبلغت بتحقيق سابق للمحكمة الجنائية الدولية في عام 2021، وفي ذلك الوقت، “اختارت إسرائيل عدم متابعة أي طلب لتأجيل التحقيق”.

أدان بيني غانتس، الجنرال المتقاعد والمنافس السياسي لنتنياهو، قرار المحكمة الجنائية الدولية، قائلاً إنه أظهر “عمى أخلاقي” وكان “وصمة عار تاريخية لن تُنسى أبدًا”، فيما وصف يائير لابيد، وهو زعيم معارض آخر، الأمر بأنه “جائزة للإرهاب”.

صدرت أوامر الاعتقال في لحظة حساسة بالنسبة للمدعي العام للمحكمة كريم خان، في مواجهة تحقيق في مزاعم سوء السلوك الجنسي، وسوف يدرس التحقيق الاتهامات الموجهة إلى المدعي العام، والتي ذكرت صحيفة الغارديان الشهر الماضي أنها تشمل مزاعم اللمس الجنسي غير المرغوب فيه و”الإساءة” على مدى فترة طويلة، فضلاً عن السلوك القسري وإساءة استخدام السلطة. ورفضت الضحية المزعومة، وهي محامية في المحكمة الجنائية الدولية في الثلاثينيات من عمرها، التعليق في وقت سابق.

وقد تؤدي أوامر الاعتقال إلى زيادة الضغوط الخارجية على حكومة نتنياهو مع سعي الولايات المتحدة إلى التوسط في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، ولكنها قد تعزز الموقف السياسي لرئيس الوزراء في إسرائيل في الأمد القريب، حيث يرفض معظم الإسرائيليون اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، معتبرين إياه تدخلاً في الشؤون الداخلية لبلادهم.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا