يشهد المشهد الميداني في العاصمة السودانية الخرطوم تطورات متسارعة، مع استمرار الجيش السوداني في إحراز تقدم لافت على حساب قوات الدعم السريع، التي تعاني من تراجع ميداني واضح وانهيارات متتالية في عدة مناطق استراتيجية داخل العاصمة. 

وأعلن الجيش، مواصلة عملياته العسكرية التي وصفها بـ”التطهير الكامل” ضد ما سماها “مليشيا الدعم السريع”، مؤكداً أنه بصدد إنهاء التمرد وإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد.

الخريطة المحدثة التي نشرها الجيش عبر منصاته الرسمية تكشف عن توسع دائرة سيطرته داخل الخرطوم، إضافة إلى ولايتي النيل الأبيض وجنوب كردفان، في حين بات وجود قوات الدعم السريع محصوراً في إقليم دارفور وأجزاء محدودة من شمال وغرب كردفان. 

وفي تطور ميداني بارز، أعلن قائد قوات “درع السودان”، الداعمة للجيش، السيطرة على مشروع سندس الزراعي الممتد على مساحة تفوق 100 ألف فدان، مما يعني أن القوات المشتركة باتت على بعد 14 كيلومتراً فقط من منطقة جبل أولياء، أحد أبرز معاقل الدعم السريع وأهم نقاط ارتكازه في جنوب الخرطوم.

الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، العميد نبيل علي، أكد أن الجيش بات يسيطر بالكامل على مقار الشرطة التي كانت قد احتلتها قوات الدعم السريع، مشيراً إلى أن التقدم يتم بـ”ثبات واحترافية”. 

ويبدو أن الانهيار في صفوف قوات الدعم السريع لم يعد مجرد تقدير عسكري، بل باتت ملامحه تتجلى بوضوح من خلال مشاهد الفرار الجماعي لعناصرها من عدة أحياء في العاصمة، كما أظهرته مقاطع مصورة نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.

انهيار معنوي في صفوف “الدعم السريع” واحتفالات شعبية بالتحرير

مع اتساع رقعة سيطرة الجيش السوداني، بدأ سكان الخرطوم يشعرون ببعض من الأمان المفقود منذ اندلاع الصراع المسلح في أبريل 2023. 

فقد أوردت “لجنة مقاومة حي كوريا” بمنطقة البراري أن الحي أصبح خالياً من عناصر الدعم السريع، وهي شهادة تدعمها مشاهد الاحتفالات التي وثقها ناشطون في سوق “4” بالبراري، حيث ردد المواطنون شعارات تنادي بانتهاء سيطرة “مليشيات الجنجويد”، في إشارة إلى الدعم السريع.

وتعزز هذه التطورات الشعور العام بقرب الحسم العسكري في العاصمة، مع دعوات من ناشطين للجيش بسرعة التحرك إلى المناطق التي انسحبت منها قوات الدعم السريع، لمنع الفوضى وضبط الأمن، في ظل ظهور مظاهر تفلت أمني في بعض الأحياء. 

وتُبرز هذه الأحداث حجم الفجوة المعنوية التي باتت تتسع في صفوف الدعم السريع، التي لم تُصدر حتى مساء الثلاثاء أي تعليق رسمي على تراجعها المتسارع، رغم ازدحام جسر جبل أولياء بعناصرها المنسحبة من أحياء متفرقة.

ومع استعادة الجيش السيطرة على جزيرة توتي والقصر الجمهوري ومناطق الوزارات، يمكن القول إن وسط الخرطوم بات عملياً تحت قبضته. 

ويؤشر ذلك إلى تراجع استراتيجي لقوات الدعم السريع، التي حاولت طيلة الأشهر الماضية الحفاظ على تموضعها داخل العاصمة، قبل أن تتعرض لخسائر متوالية خلال الأسابيع الأخيرة في ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض.

الدور الإماراتي في تأجيج الصراع

وسط هذه التحولات الميدانية، تزداد التساؤلات حول الجهات الإقليمية التي لعبت دوراً محورياً في إذكاء نار الحرب في السودان، وعلى رأسها دولة الإمارات، التي باتت أصابع الاتهام تُشير إليها بشكل مباشر في دعم وتمويل قوات الدعم السريع.

فمنذ بداية النزاع، تواترت تقارير استخباراتية وإعلامية تفيد بأن أبوظبي قدمت دعماً لوجستياً ومالياً ضخماً لقوات محمد حمدان دقلو “حميدتي”، زعيم الدعم السريع، عبر نقل أسلحة ومعدات عسكرية وطائرات مسيّرة عبر قواعدها في ليبيا وتشاد.

وتتهم أطراف داخلية وخارجية الإمارات بأنها تسعى لتأمين نفوذها في السودان من خلال دعم ميليشيات خارجة عن الشرعية، بغية التحكم في موانئ البلاد وممراتها الحيوية. 

ويبدو أن المشروع الإماراتي لم يقتصر على الجانب العسكري فقط، بل شمل أيضاً تمويلاً إعلامياً لتضليل الرأي العام وتلميع صورة الدعم السريع، خصوصاً عبر شبكات وشركات علاقات عامة في الغرب، سعت لإظهار الصراع كـ”نزاع سياسي” وليس تمرداً مسلحاً ضد الدولة.

كما تشير تقارير صادرة عن جهات غربية، منها دراسة لمركز “سي إن إي” الأمريكي، إلى أن الإمارات استخدمت علاقاتها مع بعض القوى الدولية لتخفيف الضغوط عن حميدتي، ودفع ملف الانتهاكات إلى الخلفية، رغم وجود تقارير أممية تتحدث عن ارتكاب قوات الدعم السريع جرائم قتل واغتصاب ونهب وتهجير قسري في مناطق مختلفة، أبرزها دارفور.

معركة الخرطوم… نهاية البداية أم بداية النهاية؟

بينما يتقدم الجيش السوداني بثقة نحو الحسم في الخرطوم، وتتهاوى ميليشيا الدعم السريع تحت ضرباته، يبقى السؤال الأهم: هل نحن أمام نهاية التمرد وبداية مسار الاستقرار، أم أن المشهد يخفي جولات أخرى تُطبخ خلف الكواليس الإقليمية؟ الأكيد أن المعركة في السودان لم تكن يوماً محصورة في حدود الجغرافيا، بل تتشابك فيها مصالح قوى إقليمية ودولية، تحاول توظيف الأزمة لخدمة مشاريعها وأطماعها. 

لكن ما يبدو واضحاً اليوم أن الخرطوم باتت أقرب من أي وقت مضى لاستعادة هويتها كعاصمة للدولة، لا كرهينة بيد ميليشيا مدعومة من الخارج.

اقرأ أيضًا : نزوح جماعي جديد في دارفور.. 15 ألف أسرة تهرب من ألسنة النار وسط صمت دولي وتورط إماراتي