في تطور جديد على ساحة الصراع الإقليمي المتصاعد، أعلنت جماعة “أنصار الله” (الحوثيون) في اليمن فرض حظر بحري على ميناء حيفا الإسرائيلي، في خطوة تصعيدية تهدف إلى الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لوقف عدوانه الوحشي على قطاع غزة.
يأتي هذا الإعلان بعد نجاح الجماعة في تعطيل ميناء إيلات الواقع جنوب فلسطين المحتلة، ضمن حملة متصاعدة لـ”نصرة الشعب الفلسطيني”، كما تقول الجماعة، مقابل صمت وتواطؤ رسمي من معظم الأنظمة العربية.
أول تحرك نحو حيفا: الحوثيون يوسّعون نطاق بنك الأهداف
في بيان رسمي بثّه الناطق العسكري لجماعة الحوثي، العميد يحيى سريع، أكد أن ميناء حيفا دخل منذ لحظة إعلان البيان ضمن بنك أهداف الجماعة، موجهًا تحذيرًا مباشرًا لكافة الشركات الملاحية التي تنوي التوجه إليه، أو لديها سفن ترسو فيه.
وأوضح سريع أن هذه الخطوة تأتي استكمالاً للعمليات التي استهدفت السفن المتجهة نحو ميناء إيلات، والتي أجبرت الاحتلال فعليًا على وقف العمل فيه لأسباب أمنية وتجارية.
ويعد استهداف ميناء حيفا تحوّلاً استراتيجيًا في قواعد الاشتباك بين الحوثيين و”إسرائيل”، إذ أن هذا الميناء يُعد من أكبر الموانئ في الأراضي المحتلة ويقع على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، مما يعني انتقال العمليات من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، وتوسيع دائرة الاستهداف البحري بعيدًا عن نطاق باب المندب وخليج عدن.
الإسناد الفلسطيني.. ودور المقاومة اليمنية: من التضامن إلى الاشتباك
منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، أعلنت جماعة الحوثي انخراطها ضمن محور الدعم للمقاومة الفلسطينية.
وقد شنت منذ ذلك الحين هجمات متعددة على سفن مرتبطة بـ”إسرائيل” أو متجهة إليها، مستخدمة الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، ما شكّل تهديدًا حقيقيًا لحركة الملاحة في البحر الأحمر، وأجبر شركات شحن كبرى على تحويل مساراتها، أو وقف رحلاتها كليًا.
في هذا السياق، يقدّم الحوثيون أنفسهم كجزء فاعل من محور “المقاومة”، الذي يشمل حزب الله في لبنان، وقوى فلسطينية على رأسها حركة حماس.
وبينما غاب التأثير العربي الرسمي في الدفاع عن غزة، ظهرت الجماعة اليمنية كلاعب غير دولتي يحاول استخدام قدراته الصاروخية والبحرية لفرض واقع ردعي على الاحتلال الإسرائيلي.
تصريحات يحيى سريع كانت واضحة: “لن نتردد في اتخاذ ما يلزم من إجراءات إضافية، إسنادًا لشعبنا الفلسطيني المظلوم ومقاومته العزيزة”.
وأضاف أن الحظر الجوي والبحري الذي تنفذه الجماعة سيستمر طالما استمر العدوان على غزة، وسيتوقف فقط في حال “توقف العدوان ورفع الحصار”. هذه المعادلة تعكس نوعًا من الردع المتبادل تحاول الجماعة فرضه بقوة السلاح خارج حدود اليمن.
التخاذل العربي والتواطؤ الرسمي: أين يقف حكّام العرب من غزة؟
في المقابل، تتسع فجوة الخذلان بين الأنظمة العربية الرسمية والشعوب العربية التي تعيش صدمة إنسانية وأخلاقية مما يحدث في غزة. فبينما يسقط الفلسطينيون ضحايا القصف الإسرائيلي، وتُهدم المنازل على رؤوس ساكنيها، اختارت معظم الحكومات العربية، خصوصًا تلك المطبّعة مع الاحتلال، أن تلتزم الصمت أو الاكتفاء ببيانات جوفاء لا تتعدى الإدانات اللفظية.
لم تتخذ أي دولة عربية موقفًا فعليًا على غرار ما فعله الحوثيون – سواء بإغلاق الموانئ أمام السفن الإسرائيلية أو طرد السفراء أو حتى تجميد العلاقات. بل إن بعض الدول، مثل الإمارات والبحرين، واصلت علاقتها مع الاحتلال دون تراجع، رغم المجازر اليومية التي تُرتكب في غزة.
هذا التواطؤ لم يعد خافيًا، بل بات مكشوفًا في أعين الشعوب العربية والإسلامية، التي باتت تنظر إلى الأنظمة الحاكمة كجزء من منظومة الهيمنة الغربية، تعمل على ضمان أمن الاحتلال مقابل ضمان بقائها في الحكم.
الخاتمة: الحوثي يكسر الصمت ويشعل معركة الإرادات
في ظل عجز رسمي عربي، وصمت دولي، وانشغال العالم الغربي بتبرير جرائم الاحتلال، يبرز الحوثي كفاعل غير تقليدي على ساحة الصراع، يعيد تعريف مفهوم الدعم العسكري والسياسي للشعب الفلسطيني.
ومع إعلان الحظر على ميناء حيفا، تدخل المعركة مرحلة جديدة، تُظهر أن دعم المقاومة لم يعد يقتصر على البيانات والتغريدات، بل أصبح يُمارَس بالدرون والصواريخ والحصار البحري.
لقد كشفت الحرب على غزة مجددًا حجم الانقسام العربي بين شعوب داعمة لفلسطين وأنظمة تسعى للتطبيع والخنوع.
وفي هذه المعادلة المعقدة، يقدّم الحوثيون نموذجًا مثيرًا للجدل لكنه فاعل، يجسّد انحيازًا صريحًا للمقاومة، ويؤكد أن معركة غزة لن تبقى داخل حدودها، بل قد تتحول إلى معركة إقليمية مفتوحة، عنوانها: “إذا لم تتوقف الحرب.. فلن يكون لأحد موانئ آمنة”.
اقرأ ايضًا : الإمارات وسياسة الاغتيالات باليمن.. مقتل قيادي في قوات الحكومة شرق البلاد
اضف تعليقا