في تصريحات ترويجية جديدة، أكد وزير الاتصالات السعودي المهندس عبد الله بن عامر السواحه أن المملكة تتجه نحوالريادة العالمية في الذكاء الاصطناعي والتقنية والابتكار، حيث بلغت نسبة النمو في المنطقة 73%، وساهمت المملكة بنسبة 50% من هذا النمو. كما زعم الوزير أن المملكة “تهدف لأن تكون مركزًا عالميًا لسد فجوات الذكاء الاصطناعي”، في حين أشاد بمبادرات أرامكو، التي أطلقت أكبر مركز للاستدلال في الذكاء الاصطناعي بسعة 150 ميغاواط، وارتفاع عدد الوظائف الرقمية إلى 381 ألف وظيفة خلال سبع سنوات.
لكن هل تعكس هذه التصريحات الواقع الفعلي، أم أنها مجرد دعاية جديدة لتغطية تحديات حقيقية في مسيرة المملكة نحو التحول الرقمي؟
التنويع الاقتصادي: ضرورة ملحة
على الرغم من الاستثمارات الضخمة في مجال الذكاء الاصطناعي، لا يزال الاقتصاد السعودي يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط. وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “ذا تايمز” البريطانية، تسعى المملكة إلى تنويع اقتصادها من خلال استثمارات في مجالات التقنية والذكاء الاصطناعي، إلا أن تحقيق هذا الهدف يتطلب جهودًا مستمرة وإصلاحات هيكلية.
كما انه وفقًا لتقرير صادر عن معهد ماكينزي العالمي، فإن معظم مشاريع الذكاء الاصطناعي في السعودية تعتمد بشكل كبير على شركات أجنبية، حيث يتم جلب التكنولوجيا من الخارج دون تطوير حقيقي للكوادر المحلية.
“أرامكو والذكاء الاصطناعي”.. مشروع حقيقي أم دعاية؟
تصريح الوزير حول إطلاق أرامكو لأكبر مركز للاستدلال في الذكاء الاصطناعي بسعة 150 ميغاواط يثير تساؤلات حول جدوى هذا المشروع. هل هو مشروع حقيقي يمكنه تحقيق طفرة تكنولوجية، أم أنه مجرد إعلان استعراضي في إطار رؤية 2030؟
يقول ديفيد بروكس، الباحث في اقتصاد التكنولوجيا، إن “إطلاق مراكز ضخمة لا يعني بالضرورة حدوث تطور حقيقي في الاقتصاد الرقمي. يجب أن نرى كيف ستُستخدم هذه القدرات، ومن المستفيد منها، وما إذا كانت تخلق نظامًا بيئيًا للابتكار أم مجرد واجهة تسويقية.”
أرقام لامعة.. لكنها بلا سياق حقيقي
من بين أكثر الأرقام التي أثارت الجدل هو تصريح الوزير بأن عدد الوظائف الرقمية في المملكة وصل إلى 381 ألف وظيفة خلال 7 سنوات. لكن السؤال الحقيقي هو: ما طبيعة هذه الوظائف؟ وهل هي مستدامة أم مجرد عقود مؤقتة؟ وما مدى جاهزية الكفاءات الوطنية لشغل هذه الوظائف؟
خبير سوق العمل أحمد السالم يعلق على ذلك قائلًا:
“الرقم يبدو مبالغًا فيه، خاصة إذا لم يكن مصحوبًا بإحصاءات واضحة حول نوعية الوظائف، وكم منها يتطلب مهارات تقنية متقدمة، وما إذا كانت هذه الوظائف تُشغل حقًا من قبل السعوديين أم من قبل العمالة الأجنبية.”
تكنولوجيا مستوردة ووعود غير مؤكدة
رغم كل التصريحات الوردية، تظل هناك فجوة كبيرة بين الخطاب الإعلامي والواقع الاقتصادي. السعودية لا تزال في مرحلة الاستهلاك التكنولوجي أكثر من الابتكار، والاستثمارات الضخمة لا تضمن بالضرورة تحوّلها إلى قوة عالمية في الذكاء الاصطناعي.
إذا كانت المملكة جادة في تحقيق ريادة حقيقية، فعليها أن تركز على بناء كوادر محلية، وتحفيز البحث العلمي، ودعم الشركات الناشئة بدلًا من الاعتماد على استيراد التكنولوجيا وتسويقها كمشروع وطني.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل هذه الأرقام تعكس تقدمًا حقيقيًا أم أنها مجرد حملة دعائية ضمن رؤية 2030؟
اضف تعليقا