كشف مراسل البيت الأبيض، بيتر بيكر، عن وثيقة مسربة من السفارة السعودية بالعاصمة الأمريكية واشنطن، أفادت بتجسس الاستخبارات السعودية على 2600 شخصية من المؤسسات الأمريكية المختلفة، الأمر الذي قد يزيد من عزلة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ويزيد من تدهور علاقاته مع إدارة الرئيس، جو بايدن.
ويظهر في التقرير الذي نشره المراسل الأمريكي أن الوثيقة السرية المسربة من السفارة السعودية في واشنطن كشفت عن استهداف نظام ابن سلمان لما يقرب من 2600 مسؤول أمريكي في عملية تجسس واسعة النطاق، شملت أعضاء في مجلس الشيوخ ونشطاء سياسيين وجماعة ضغط اقتصادية، وأفراد لهم تأثير مباشر على متخذ القرار الأمريكي.
ليست المرة الأولى
وفي الحقيقة، فإن هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها الرياض التجسس على مسؤولين من خارج المملكة. فقبل نحو عام، كشف تحليل جنائي أجري على هاتف محمول كان بحوزة، كمال الجندوبي، المحقِّق التابع للأمم المتحدة في جرائم حرب محتملة باليمن، أن الهاتف استهدفته برامج تجسس من إنتاج شركة “إن إس أو” NSO الإسرائيلية، وذلك قبل أسبوع من إصداره تقريرًا يدين فيه السعودية بارتكاب “انتهاكات فظيعة” باليمن.
وقالت صحيفة الجارديان البريطانية حينها إن التحليل الجنائي قد كشف أن هاتف الجندوبي تعرض للاستهداف أثناء فترة رئاسته للجنة في أغسطس/آب 2019. وأشار التحليل الجنائي كذلك إلى أن الاستهداف وقع قبل أسابيع فحسب من إصدار الجندوبي وفريق الخبراء التابع له، تقريرًا دامغًا خلصوا فيه إلى أن التحالف الذي تقوده السعودية في حرب اليمن، قد ارتكب “انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي” يمكن أن تؤدي إلى “مسؤولية جنائية عن ارتكاب جرائم حرب”.
كذلك عبر “الجندوبي” حينها عن صدمته مما فعلته السعودية من تجسس باستخدام برنامج إسرائيلي، قائلًا: “أنا عاجز عن الكلام. نحن محققون دوليون، ويُفترض أن نكون محميِّين. لكنني لست مُفاجأ على الإطلاق. لقد كنت مرتابًا في الأمر منذ عام 2019. وكنا نعلم أن من المحتمل استهدافنا كلجنة منذ أن نُشر تقريرنا في عام 2018. لقد أحدث هذا التقرير صدمة في السعودية والإمارات. فهم لم يكونوا متوقعين لهذه النتائج”.
وأضاف: “لقد استخدموا كل دعاياتهم ووسائل إعلامهم.. لتشويه سمعتنا والانتقاص من عملنا”، ومع ذلك فقد أشار إلى أنه لا يعتقد أن المعلومات الخاصة بعمله قد تسربت عن طريق الهاتف المخترق، لأنه استخدم جهازًا آخر لإجراء تحقيقاته. وقال إن اختراق أي دولة لهاتفه يدل على أنها دولة لا تعبأ “بالالتزمات الدولية ولا الحد الأدنى من القواعد الدولية”.
إذن، فإن التجسس على المسؤولين حول العالم ليس غريبًا على ولي العهد السعودي الطائش. وبالتالي فإن هذه السوابق تزيد من مصداقية تقرير مراسل البيت الأبيض حول التجسس على صناع القرار الأمريكيين.
معلومات عن اللوبي وكبار السلطات الأمريكية
وعَودًا إلى التجسس على الشخصيات الأمريكية، فقد أظهرت الوثيقة المسربة أن ريما بندر بن سلطان، سفيرة السعودية في واشنطن أرفقت في رسالة كُتب عليها “سرية للغاية” بيانات 2600 شخصية من كبار المسؤولين الأمريكان إلى، خالد بن علي الحميدان، رئيس الاستخبارات العامة السعودية.
ووفق ما نشره تقرير مراسل البيت الأبيض، بيتر بيكر، فإن أهم المطلوبين هم، جون بولتون الدبلوماسي الأمريكي، وجينا هاسبل أول امرأة ترأس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وكايلي أتوود مراسل الأمن في سي ان اي، وإليوت أبرامز وستيفن هادلي، عضوان في الحزب الجمهوري، ومايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي السابق ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
وتشمل البيانات الخاصة بالجهات الأمريكية التي أرسلتها السفيرة إلى الاستخبارات العامة الأسماء الكاملة وأرقام الهويات والأعمال والوظائف وأماكن العمل، والأحزاب التي تنتمي إليها هذه الشخصيات، بالإضافة إلى أرقام الموبايل والهواتف لبيوتهم وأماكن عملهم في كل المدن والولايات، والعناوين الكاملة، وتاريخ اجتماعاتهم خلال عامي 2019- 2020 وأرقاهم هواتف لأقربائهم وزملائهم وبريدهم الإلكتروني ومعلومات أخرى.
علاوة على ذلك، أظهرت الوثيقة أن السفيرة السعودية طلبت السفيرة من رئاسة الاستخبارات العامة تزويدها عبر ممثل الاستخبارات العامة السعودية في السفارة بمزيد من المعلومات كالملفات والصور والرسائل النصية والمكالمات والوسائط المتحفظ بها في هواتفهم وكلمات المرور وما تخزنه التطبيقات على جوالاتهم.
وتهدف العملية التجسسية، بناء على ما يظهر من كلام السفيرة في الوثيقة المسربة، إلى الحصول على معلومات عن اللوبي وكبار السلطات الأمريكية لتستغلها السفارة لجعل علاقاتها معهم أكثر ودية ليؤدي ذلك بدوره إلى حماية مصالح نظام ابن سلمان في الولايات المتحدة.
السعودية تدفع لتجاهل الفضيحة
وشدد المراسل الأمريكي على صحة معلوماته، قائلًا: “تثبت تحقيقاتي من خلال بعض قنوات الأمن السيبراني أن المملكة العربية السعودية تتجسس على المسؤولين الأمريكيين”، ومضيفًا أن البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية طلبا من الرياض توضيحًا ، لكن لم يصدر أي رد حتى الآن.
وفي سياق تحليله لرد فعل السعودية، يرى “بيكر” أن نظام ابن سلمان يحاول السيطرة على الأزمة، وكسب المزيد من الوقت؛ وذلك منعًا لما قد يحدث من فضيحة على المستوى الدولي.
وقال بيكر: “بمجرد أن قمت بتحليل أسماء المسؤولين الأمريكيين والشخصيات التي تتجسس عليها المملكة العربية السعودية، أدركت أن الجرأة السعودية في التجسس على المسؤولين الأمريكيين هي فقط لأن معظم هؤلاء الأشخاص يتم رشوتهم من قبل السفارة”.
وأضاف: “بالتأكيد فإن الدولارات السعودية ستجعلهم يتجاهلون الأمن القومي. وفي رأيي، فإنه في نهاية المطاف فإن فرض السيطرة والتجاهل على المستوى الظاهر، لا ينفي حقيقة أننا أمام أزمة أمنية كبيرة”.
وتأتي هذه الأزمة لتضاف لأزمة ابن سلمان المزمنة مع إدارة بايدن، بسبب تورط الأول في اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي. فهل يكون التجسس على الأمريكان ضربة قاصمة لعلاقة ابن سلمان بالبيت الأبيض؟
اضف تعليقا