ضربة غير متوقعة للمجلس الرئاسي
في خطوة تعكس تحولات مفاجئة في السياسة السعودية تجاه اليمن، قررت الرياض نقل مقر المجلس الرئاسي اليمني من فندق “الريتز كارلتون” إلى حي السفارات، وهي خطوة فسّرها مراقبون بأنها بمثابة انقلاب أبيض على المجلس، الذي تزعمه المملكة منذ تشكيله. يأتي هذا القرار في وقت تشهد فيه الساحة اليمنية اضطرابات سياسية واقتصادية متزايدة، مما يثير تساؤلات حول النوايا السعودية الحقيقية تجاه حلفائها المفترضين.
هذا التحرك لم يكن مجرد تغيير إداري، بل بدا كإجراء استراتيجي لعزل المجلس الرئاسي وإعادة توجيه الدعم السعودي نحو فصائل “درع الوطن”، التي باتت تحظى بثقة الرياض أكثر من المجلس الرئاسي. فالصور المتداولة عن عملية نقل الأثاث والمكاتب والأعلام منكسة من مقر المجلس السابق، عكست رمزية سياسية واضحة، مفادها أن المجلس الرئاسي لم يعد يحظى بالأولوية في أجندة السعودية.
تداعيات اقتصادية كارثية واشتعال الغضب الشعبي
لم يكن لهذا القرار تأثير سياسي فقط، بل انعكس بشكل كارثي على الوضع الاقتصادي في المحافظات الجنوبية، حيث أدى إنهاء استضافة المجلس في “الريتز” إلى انهيار جديد في قيمة الريال اليمني، ليصل الدولار إلى 2210 ريالات، بينما قفز الريال السعودي إلى 574 ريالاً يمنياً. هذا التدهور دفع بالنقابات العمالية والمصرفية إلى الدعوة إلى الإضراب العام، احتجاجاً على العجز الحكومي في احتواء الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تصاعد عدم الثقة بالبنك المركزي في عدن.
اللافت أن هذه التوترات الاقتصادية تزامنت مع وقف السعودية تمويل الفصائل العسكرية المرتبطة بحزب الإصلاح في مأرب وتعز، مما يشير إلى أن المملكة تعيد توزيع نفوذها داخل اليمن، مستغنية عن حلفاء الأمس لصالح تشكيلات أكثر ولاءً لها، مثل قوات “درع الوطن”، التي باتت تتلقى تمويلاً مباشراً عبر قنوات مصرفية مقربة من السفير السعودي في اليمن، محمد آل جابر.
السعودية وإعادة رسم خارطة النفوذ
يبدو أن قرار السعودية بنقل المجلس الرئاسي وإعادة تموضع دعمها العسكري والمالي يعكس رغبة في إعادة ترتيب المشهد اليمني لصالح أدوات أكثر طواعية. فالرياض، التي كانت الداعم الرئيسي لهذا المجلس، لم تعد ترى فيه الكيان المناسب لتنفيذ أجندتها في اليمن، خاصة في ظل فشله في كبح جماح الأزمة الاقتصادية والسياسية في الجنوب.
لكن السؤال الأهم: هل تنجح السعودية في إعادة رسم خارطة النفوذ في اليمن دون أن تواجه مقاومة من القوى السياسية والعسكرية المتضررة؟ أم أن هذه التغييرات ستؤدي إلى تفكك تحالفاتها وفوضى جديدة، خاصة مع تصاعد الغضب الشعبي جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية؟ في كل الأحوال، يبدو أن السعودية، التي تحاول الظهور كطرف ضامن للاستقرار، قد تكون في الواقع المحرك الأكبر لحالة الفوضى التي يشهدها الجنوب اليمني.
اضف تعليقا