تجددت الاشتباكات الدامية، أمس الأحد، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، في تصعيد عسكري هو الأعنف منذ أسابيع، ويأتي وسط اتهامات متزايدة لدولة الإمارات بدعم قوات الدعم السريع بالسلاح والطائرات المسيّرة، مما يزيد من اشتعال الصراع وتعقيد فرص الحل السياسي في السودان.
ففي ساعات الفجر الأولى، وبحسب ما نقله شهود عيان لوسائل إعلام محلية، شنّت قوات الدعم السريع هجومًا واسعًا على مواقع الجيش في الفاشر، بدأ بقصف مدفعي عنيف من عدة محاور، لا سيما من الاتجاهين الشمالي والشمالي الشرقي. واستمر القصف المدفعي منذ الساعة الثانية صباحًا، تبعته موجة من الهجمات البرية، بالتزامن مع تحليق مكثف للطائرات المسيّرة فوق أجواء المدينة، ما يعكس تصعيدًا نوعيًا في أدوات المعركة.
هذا التحول في نوعية الهجمات، من حيث التوقيت والمعدات المستخدمة، وخاصة الطائرات المسيّرة، أعاد إلى الواجهة التساؤلات حول الجهة التي تموّل وتسلّح قوات الدعم السريع، في ظل تقارير استخباراتية متكررة تشير إلى تورط دولة الإمارات العربية المتحدة في دعم هذا الفصيل العسكري، الذي بات يُتهم بارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي في مناطق عدة من إقليم دارفور.
ويُعتقد أن الطائرات المسيّرة التي استُخدمت في معركة الفاشر تم تهريبها عبر مسارات غير رسمية انطلاقًا من قواعد عسكرية إماراتية في ليبيا وتشاد، ضمن شبكة دعم لوجستي معقدة كانت تقارير سابقة قد كشفت بعض أجزائها، بالتعاون مع مرتزقة وشركات أمنية خاصة. كما أشارت تقارير إلى شحنات سلاح وصلت إلى الدعم السريع عبر مطارات في غرب السودان تحت غطاء “مساعدات إنسانية”.
الفاشر.. خط الدفاع الأخير
مدينة الفاشر، ذات الكثافة السكانية العالية والتي تحتضن مئات آلاف النازحين، أصبحت اليوم مركزًا للصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتُعد بمثابة خط الدفاع الأخير للجيش في دارفور، بعد سقوط مدن نيالا وزالنجي والجنينة في يد الدعم السريع خلال الأشهر الماضية.
وتمتلك المدينة أهمية استراتيجية مزدوجة: فهي المقر الرئيسي للفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني، كما تُعتبر عقدة مواصلات حيوية تربط غرب السودان بشماله، مما يجعلها هدفًا رئيسيًا للدعم السريع الساعي لتوسيع نفوذه العسكري والسياسي.
وفقًا لمصادر ميدانية، تفرض قوات الدعم السريع سيطرتها حاليًا على الأحياء الشرقية وبعض الأحياء الجنوبية في المدينة، بينما يحتفظ الجيش السوداني بقبضته على الأحياء الغربية والشمالية ووسط المدينة، بالإضافة إلى جزء من الجنوب. ويشير هذا التوزيع إلى أن المعركة مرشحة للاستمرار فترة أطول، وقد تتحول إلى حرب شوارع مرهقة للطرفين وسكان المدينة المحاصرين.
كارثة إنسانية تلوح في الأفق
مع تصاعد القتال، تتفاقم الأوضاع الإنسانية في المدينة بشكل مخيف. فقد شهدت الفاشر خلال الأسابيع الماضية موجات نزوح داخلي واسعة، كما تعاني المستشفيات من نقص حاد في المعدات الطبية والكوادر، خاصة بعد استهداف عدة منشآت طبية خلال القصف المتبادل.
وتفيد منظمات دولية، أبرزها “أطباء بلا حدود”، بأن السكان باتوا غير قادرين على الوصول إلى المياه أو الغذاء، وأن بعض أحياء المدينة تخضع لحصار شبه كامل، مما يهدد بحدوث مجاعة محلية إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
الإمارات ودور الإشعال المستمر
المثير في الأمر أن كل هذه التطورات تأتي في ظل صمت دولي وإقليمي مريب، بينما تتزايد الدلائل على أن أبو ظبي تلعب دورًا رئيسيًا في تغذية الحرب عبر دعم قوات الدعم السريع. وتُتهم الإمارات بالسعي لتحويل دارفور إلى منطقة نفوذ جيوسياسي تابعة لها، مستغلة هشاشة الدولة السودانية وانشغال المجتمع الدولي بصراعات أخرى.
وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن دعم الإمارات للدعم السريع لا يقتصر على التمويل والتسليح، بل يشمل تقديم معلومات استخباراتية وخطط ميدانية، بما يخدم مصالحها في إنشاء ممرات تجارية آمنة إلى البحر الأحمر عبر السودان، دون المرور بالحكومة المركزية في الخرطوم.
وتتهم جهات سودانية وأفريقية الإمارات بالسعي لتقويض مساعي وقف إطلاق النار في السودان، إذ تزامنت الهجمات الأخيرة مع محاولات أفريقية لعقد هدنة مؤقتة في دارفور، ما يعكس رفضًا ضمنيًا من أبو ظبي لأي تهدئة تسبق إحكام الدعم السريع سيطرته على الفاشر.
خلاصة
تجدد المعارك في الفاشر يعكس تعقّد الصراع في السودان، وتحول الفاشر إلى ساحة صراع إقليمي تتداخل فيه مصالح الإمارات، والجيش، والدعم السريع. بينما يدفع السكان المدنيون الثمن الأكبر، تظل التحذيرات الدولية بلا تأثير، ما لم يُفتح تحقيق دولي في دور الدول الممولة للحرب، وعلى رأسها الإمارات، التي باتت متهمة بشكل صريح بإشعال فتيل الصراع مجددًا في دارفور.
اقرأ أيضًا : رشقة صواريخ إيرانية جديدة تضرب ميناء حيفا وتل أبيب: تصعيد يهز أركان الاحتلال
اضف تعليقا