في مشهد يعكس التواطؤ الصريح للنظام المصري مع الاحتلال الإسرائيلي، بدأت سلطات عبد الفتاح السيسي حملة قمع واسعة بحق ناشطين أجانب وعرب جاؤوا للتضامن مع غزة، وذلك في أعقاب دعوات للمشاركة في “المسيرة العالمية إلى غزة” التي كانت مقررة في القاهرة.
ووفقًا لمصادر خاصة تحدثت فإن الأجهزة الأمنية نفّذت عمليات اعتقال متفرقة لناشطين من جنسيات مختلفة، من داخل الفنادق التي يقيمون فيها وسط العاصمة، قبل أن يتم تجميعهم داخل حافلة ضخمة رافقتها نحو 15 مركبة أمنية، في مشهد يوحي بحملة ترحيل جماعية مدروسة.
قمع الحناجر الحرة
الناشطون الذين جاؤوا للمشاركة في مسيرة تضامنية سلمية مع الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة، واجهوا من السلطات المصرية أسوأ أنواع المعاملة. فإلى جانب الاعتقال، شملت الانتهاكات التعدي بالضرب والإهانة، ومصادرة جوازات السفر، والاحتجاز القسري، قبل أن يُرحّل عدد منهم خارج البلاد.
ورغم أن غالبيتهم من جنسيات أجنبية – من بينها تونس وكندا – لم يشفع لهم ذلك لدى الأمن المصري الذي تعامل معهم باعتبارهم “خطرًا سياسيًا”، في تكرار لنهج النظام في قمع أي صوت يعلو نصرة لغزة أو إدانة للاحتلال.
هذه الحملة الأمنية تأتي بينما لا تزال “قافلة الصمود” القادمة من دول المغرب العربي عالقة في مدينة سرت الليبية، بعد أن منعت من مواصلة طريقها إلى معبر رفح، في ظل تنسيق واضح بين الحكومة الليبية في الشرق والسلطات المصرية.
شلل متعمد في معبر رفح
رغم التصريحات المتكررة من الحكومة الليبية المكلّفة من برلمان طبرق بدعم القافلة إنسانيًا، إلا أن الواقع يكشف عن عراقيل متواصلة. حيث اشترطت السلطات الليبية حصول القافلة على موافقات رسمية مصرية، وهو ما لم يتحقق حتى اللحظة، مما يشي بأن القاهرة تتعمد إبقاء المعبر مغلقًا أمام المبادرات الشعبية، خشية أن تتحول إلى موجة غضب تضرب شرعيتها المهزوزة.
وقد أعلن وزير الخارجية الليبي عبد الهادي الحويج أن فلسطين “قضية وطنية” وأن ليبيا ترفض التطبيع، إلا أنه في الوقت ذاته أكد على الالتزام بالتنسيق مع الخارجية المصرية، في دلالة على أن القرارات السيادية المتعلقة بالقضية الفلسطينية باتت مرهونة بموافقة القاهرة.
الاحتلال أولاً.. حتى على حساب الكرامة
هذه الممارسات تؤكد مجددًا ما بات واضحًا: نظام عبد الفتاح السيسي لا يقف في صف فلسطين، بل في صف الاحتلال. فبدلًا من فتح أبواب مصر أمام قوافل الدعم، يعتقل الناشطين، ويمنع المسيرات، ويحمي أمن “إسرائيل” على حساب كرامة المصريين والعرب.
اللافت أن هذه الانتهاكات لا تطال فقط المصريين، بل تمتد إلى متضامنين أجانب، مما يفتح الباب أمام أزمة دبلوماسية محتملة مع دول ينتمي إليها هؤلاء الناشطون. لكنه رهان يبدو أن النظام لا يكترث به، طالما أن هدفه الأهم هو تقديم أوراق الولاء لتل أبيب وواشنطن.
فالمعادلة واضحة: نظام السيسي يرى في كل حركة تضامن مع غزة خطرًا على أمن “إسرائيل”، وكل كلمة دعم للمقاومة تهديدًا لـ”السلام الإقليمي”، ولذلك لا يتردد في استخدام آلة القمع ضد كل من يجرؤ على الانحياز للقضية الفلسطينية.
سخط شعبي وتنديد واسع
وسائل التواصل الاجتماعي ضجّت بصور ومقاطع تظهر لحظة اعتقال الناشطين وسحلهم، وسط موجة غضب عربية ودولية متصاعدة. وقد نددت منظمات حقوقية بما وصفته “الاعتداء الصارخ على حرية التعبير والتضامن”، مطالبة بالإفراج الفوري عن المحتجزين، والتحقيق في الانتهاكات التي ارتُكبت بحقهم.
وبينما لم يصدر عن وزارة الداخلية المصرية أي توضيح رسمي، اعتبرت دوائر سياسية هذا الصمت تأكيدًا على أن ما جرى كان قرارًا سياديًا لحماية مصالح الاحتلال، لا مجرد إجراء أمني عابر.
التضييق على غزة.. مستمر
يبقى معبر رفح في قلب هذه المعركة، لا كممر إنساني، بل كسلاح سياسي بيد النظام المصري يستخدمه للضغط أو المنع حسب الأجندات الإقليمية. ومع كل يوم تأخير للقوافل والمسيرات، يتضح أن مصر ما بعد “اتفاقيات إبراهام” لم تعد ترى في غزة قضية تستحق التضامن، بل عبئًا يجب إسكاته بأي ثمن.
وفي ظل هذا المشهد، يغدو التضامن مع غزة في مصر جريمة، والصمت عن الجرائم الإسرائيلية هو الخيار الآمن في دولة باتت تعتبر القرب من “تل أبيب” شهادة ولاء.
اقرأ أيضًا : الاحتلال يذل أعوانه: قطع الغاز عن مصر والأردن يدفع القاهرة لتفعيل الطوارئ
اضف تعليقا