يسعى السيسي منذ مجيئه إلى السلطة وفي سبيل ترسيخ دعائم حكمه إلى توظيف المؤسسات والهيئات الدينية الرسمية لتحقيق أهدافه وخدمة مصالحه السياسية، وكان من أبرز هذه المؤسسات التي استخدمها السيسي هي دار الإفتاء المصرية، والتي استحدثت هيئات جديدة من أجل القيام بهذه المهمة منها المؤشر العالمي للفتوي ومرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، التابعين لدار الإفتاء المصرية.
وعرف عن دار الإفتاء إصدارها عبر المنافذ التابعة لها العديد من الفتاوى والآراء الغريبة والشاذة، والتي تتركز في غالبها حول مهاجمة بعض الدول والهيئات التي يعاديها السيسي ونظامه، بينما تمتدح دولا أخري مساندة وداعمة لهذا النظام مثل السعودية والإمارات.

دار الإفتاء
احتلال القسطنطينية
وفي خطوة غريبة وغير مسبوقة، اعتبر المؤشر العالمي للفتوى التابع لدار الإفتاء المصرية، فتح القسطنطينية “غزوًا عثمانيًا”، وأن العثمانيين احتلّوا مدينة إسطنبول وهو ما أثار موجة من الغضب إزاء هذه التصريحات التي اعتبرها البعض تمثل انتقاصاً من الفتوحات الإسلامية بشكل عام وليس فقط من فتح العثمانيين لـ”القسطنطينية”.
وقالت الإفتاء المصرية، في نشرة جديدة لـ”المؤشر العالمي للفتوى” التابع لها، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يستخدم حاليا ورقة المساجد لكسب مؤيدين له من “المتشددين” في الانتخابات.
وتابعت أن تلميح أوساط مقربة من الرئاسة التركية، عن نية أردوغان تحويل متحف وكنيسة آيا صوفيا، إلى مسجد، هو لتجييش المتطرفين حوله فقط، مضيفة أن “تجديد الحديث الآن عن موضوع تحويل الكنيسة القديمة آيا صوفيا إلى مسجد، وما رافقه من نشر مقطع فيديو لأردوغان وهو يتلو القرآن في رمضان الماضي، هي موضوعات استهلاكية لكسب الطبقات المتدينة”.
وفي مهاجمة صريحة للفتح الإسلامي للقسطنطينية، قالت الإفتاء المصرية: “بُنيت آيا صوفيا، ككنيسة خلال العصر البيزنطي عام 537 ميلادية، وظلت لمدة 916 سنة حتى احتل العثمانيون إسطنبول (القسطنطينية) عام 1453، فحولوا المبنى إلى مسجد. وفي عام 1934، تحولت آيا صوفيا إلى متحف بموجب مرسوم صدر في ظل الجمهورية التركية الحديثة”.
وفي محاولة لامتصاص الغضب وتخفيف حدة الجدل الناجم عن هذه التصريحات، تراجعت “الإفتاء” عن وصف فتح القسطنطينية بالغزو العثماني، لكنها عادت لتؤكد أن “أردوغان لا صلة له بالسلطان محمد الفاتح”.
ويري مراقبون أن هذه التصريحات تأتي ضمن المكايدة السياسية التي تنتهجها المؤسسات الرسمية المصرية ضد تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، وإن الهدف من وراء هذه الاتهامات هو التشويش على الخسائر الفادحة التي منيت بها قوات خليفة حفتر الليبية المدعومة من القاهرة.
وأوضح ناشطون أن محاولة قلب الحقائق، وتزييف التاريخ والتلاعب بالمصطلحات لا تنطلي على الشعوب العربية في الوقت الحالي، بحسب قولهم.
أراء شاذة
وليست هذه المرة الأولى التي تصدر فيها مثل هذه الفتاوى الشاذة من قبل دار الإفتاء، فقد سبقتها تصريحات وآراء كثيرة تنصب في مجملها علي مهاجمة تركيا وجماعة الإخوان بالإضافة إلي مدح النظام المصري والأنظمة الخليجية الداعمة له حتى وإن كلف ذلك إصدار آراء وتصريحات شاذة ومستهجنة.
فقد سبق وأن اعتبرت دار الإفتاء المصرية، أن هتافات المعتمرين الأتراك للمسجد الأقصى والقدس، داخل الصفا والمروة، “تدنيس لأماكن العبادة المقدسة بأجندات سياسية”. وكان مقطع فيديو متداول أظهر معتمرين أتراكا يهتفون للمسجد الأقصى، قائلين: “بالروح بالدم نفديك يا أقصى”، بينما كانوا يسعون بين الصفا والمروة.
وأصدر مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية بيانا، علق فيه على الهتافات التركية للأقصى داخل المسعى الشريف بمكة المكرمة، واعتبر أن “النظام التركي يسيس الشعائر الدينية ويقحم المناسك الدينية في العمل السياسي، عبر تكليف إحدى المنظمات التي توظف الطقوس الدينية، لتوفد بعثة عمرة إلى الأماكن المقدسة وتجهز لها تصويرًا بالفيديو ليُظهر الأتراك وهم يرددون هتافات مناصرة للمسجد الأقصى، بالقول: “بالروح بالدم نفديك يا أقصى”.
كذلك لم يفت مرصد الفتاوى التابع للنظام المصري أن يعلق على اتفاقية برلين التي جرت ما بين حكومة الوفاق والانقلابي خليفة حفتر .
وقال المرصد ذاته في بيانه إن مؤتمر برلين يقضي على الأطماع التركية في ليبيا والمنطقة، ورفض أية تدخلات أو حلول عسكرية للأزمة الليبية بما يحقق مصالح الشعب الليبي ووحدة واستقرار الأراضي الليبية حسب زعم البيان.
وأشار مرصد الإفتاء إلى أن “تركيا ما زالت تعول على جماعة الإخوان في إحياء مشروعها الإمبراطوري التوسعي في الشرق الأوسط، فبعد أن فشلت تركيا في استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر من أجل زعزعة الاستقرار في البلاد للسيطرة عليها، وجدت ضالتها المنشودة في جماعة الوفاق الليبية المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش والقاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية”.
وأضاف: “أهداف تركيا من وراء إشعال الأزمة في ليبيا، وإعادة تنظيم داعش الإرهابي هناك، تتلخص في ثلاثة أهداف هي إحياء الإمبراطورية العثمانية التي تسيطر على الشرق الأوسط، وأن يتوج أردوغان سلطانا عليها، والانتقام من مصر وجيشها الذي وقف بالمرصاد للمخططات الخبيثة التي تهدف إلى السيطرة على البلاد من خلال أذرعها الأخطبوطية المتمثلة في جماعة الإخوان”.
وفي تصريح آخر مثير للجدل قال مدير إدارة الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية، أحمد ممدوح، إن أبو لهب كان جميلا جدا، ووجهه كان براقا ووسيما، لكن الأفلام والسينما هي ما شوه صورته، وأوضح ممدوح أن أبو لهب لم يكن شيطانيا بحواجب غزيرة كما تظهر الأفلام، وإنما شديد الوسامة، وهو السبب الذي سمي لأجله بهذا الاسم؛ إذ كان وجهه شديد الاحمرار وإذا غضب صار وجهه محمرا مثل اللهب، بحسب ممدوح.
ويري مراقبون أن دار الإفتاء تسعي من خلال هذه التصريحات والفتاوي الغريبة إلي كسب رضا السيسي وأجهزته الأمنية، مما أفقدها بنظر كثيرين لمكانتها الدينية في نفوس المصريين بعدما تحولت لبوق من أبواق للسلطة، ومنبر يسعي السيسي ونظامه من خلالها إلي إيصال رسائله السياسية، مما ينذر بخطر حقيقي يهدد المصريين في ظل حالة التأميم الكاملة التي تعيشها مصر لكل المؤسسات الرسمية حتي الدينية منها
.
اضف تعليقا