في خطوة جديدة تكشف استهتار النظام المصري بأرواح المصريين، وفي ظل تجاهل واضح للظروف الصحية المتردية التي تمر بها البلاد إثر تفشي فيروس كورونا المستجد، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر عن فتح باب الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ بداية من السبت 11 يوليو/تموز ولمدة أسبوع، على أن يجرى التصويت في ظل الجائحة، خلال النصف الأول من شهر أغسطس/آب المقبل.
وبحسب الجدول الذي أعلنته الهيئة، فإن الاقتراع سيجرى للمصريين في الخارج يومي 9 و10 من أغسطس وفي الداخل يومي 11 و12 من الشهر ذاته. وفي الحالات التي تتطلب إجراء مرحلة الإعادة، يجرى الاقتراع في الخارج يومي 6 و7 سبتمبر/أيلول وفي الداخل يومي 8 و9 من الشهر ذاته.
تكلفة باهظة
ورغم ما يعانيه الاقتصاد المصري من أزمات متفاقمة جراء تفشي وباء كورونا، يعمد السيسي إلي إجراء انتخابات مجلس الشيوخ والتي تكلف الدولة أموالاً طائلة لصرفها علي بدلات القضاة والموظفين المشاركين في العملية الانتخابية.
واعتمد البرلمان المصري 500 مليون جنيه (31.3 مليون دولار) إضافية في موازنته الجديدة لصالح موازنة مجلس الشيوخ، بدعوى أن مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية الجديدة لم يتضمن موازنة خاصة بالمجلس، مع العلم أن كل المخصصات المالية للعاملين في مجلس الشورى السابق (الشيوخ حالياً) مدرَجة في الأصل في موازنة مجلس النواب، والتي تضاعفت ثلاث مرات تقريباً خلال السنوات الخمس الماضية.
وأفادت مصادر نيابية مصرية بأن “تكلفة إجراء انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) لن تقلّ عن 1.5 مليار جنيه (94 مليون دولار)، بسبب زيادة عدد لجان الانتخاب، وما سيرافقها من إجراءات احترازية لمنع تفشي فيروس كورونا، تشمل توزيع الكمامات والمعقمات على جميع المشاركين في العملية الانتخابية، بكلفة تبلغ نحو 500 مليون جنيه (31.3 مليون دولار) في أدنى التقديرات فضلاً عن بدلات القضاة والموظفين المسؤولين عن الإشراف على عملية التصويت في انتخابات مجلس الشيوخ، وكذلك ضباط وأفراد الجيش والشرطة المنوط بهم تأمين اللجان من الخارج، والتي ستستحوذ على حصة غالبة من التكلفة الإجمالية للانتخابات، خصوصاً أن الهيئة الوطنية للانتخابات قررت زيادة البدلات المالية لكل قاض إلى 20 ألف جنيه (1250 دولاراً)، عن أيام الانتخاب والإعادة الأربعة”.
وذكرت المصادر أن مجلس النواب وافق في مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2020-2021، على زيادة مخصصات الهيئة الوطنية للانتخابات من 60 مليون جنيه (3.75 ملايين دولار) إلى 72 مليون جنيه (4.5 ملايين دولار)، لصالح تمويل أجور ومكافآت رئيس وأعضاء الهيئة، والأمانة الفنية لها في العام المالي الحالي، والتي كانت لا تتعدى نحو 7 ملايين جنيه (438 ألف دولار) فقط في العام المالي 2018-2019.
ووفق مراقبين فلن تقل ميزانية المجلس الجديد بأي حال عن 600 مليون جنيه (نحو 36 مليون دولار) سنوياً، وذلك بالنظر للميزانية الحالية لمجلس النواب وهي مليار و400 مليون جنيه، وعدد أعضائه الذي لن يقل عن 180 بموجب الدستور، بالإضافة إلى نحو 300 موظف كانوا قد انتقلوا من مجلس الشورى إلى مجلس النواب، وفي الغالب سيعودون مرة أخرى لمباشرة أعمالهم السابقة، فضلا عن إنشاء مبنى مستقل له في العاصمة الإدارية الجديدة.
رغبة السيسي
وأصدر السيسي قانون مجلس الشيوخ في 2 يوليو الحالي، بعد موافقة مجلس النواب عليه، على أن يكون مؤلفاً من 300 عضو، يُنتخب ثلثا أعضائه، ويُعيّن رئيس الجمهورية ثلثه الباقي، مع تخصيص ما لا يقل عن 10 في المائة من مقاعده للمرأة، ويؤخذ برأيه في مشاريع القوانين المكملة للدستور المُحالة إليه من مجلس النواب، أو رئيس الجمهورية، من دون أن يكون هذا الرأي ملزماً.
وقسّم القانون مصر إلى 27 دائرة تخصص للانتخاب بالنظام الفردي (كل محافظة دائرة واحدة)، و4 دوائر تخصص للانتخاب بنظام القوائم، يُخصص لدائرتين منها عدد 15 مقعداً لكل منهما، ويُخصص للدائرتين الأخريين عدد 35 مقعداً لكل منهما، على أن يُنتخب عن كل دائرة منها عدد الأعضاء الذي يتناسب وعدد السكان والناخبين بها، بما يراعي التمثيل العادل للسكان والمحافظات بحسب القانون.
وتجرى انتخابات مجلس الشيوخ بواقع 50% لنظام المقاعد الفردية، و50% لنظام القوائم المغلقة المطلقة، من دون الأخذ بأي نسبة لنظام القوائم النسبية الذي تطالب به غالبية الأحزاب.
ويري مراقبون أن قرار إجراء انتخابات مجلس الشيوخ في هذا التوقيت جاء بناءً علي رغبة السيسي، حيث سيمثل المجلس مكافأة ومجاملة لأكبر قدر من الأشخاص الموالين للنظام، في ظل تهميش صلاحيات المجلس الجديد، وعدم وجود نص دستوري مُلزم بعرض القوانين عليه، بخلاف مجلس الشورى في عهد حسني مبارك، والذي ألزم دستور عام 1971 بعرض التشريعات عليه.
وفي خطوة استباقية تكشف النوايا الحقيقية وراء انتخاب المجلس، كان مجلس النواب قد وافق نهائياً على تعديل بعض أحكام قانون شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة، والذي نص على عدم جواز الترشح للضباط، سواء الموجودون في الخدمة أو من انتهت خدمتهم، لانتخابات رئاسة الجمهورية، أو المجالس النيابية، أو المحلية، إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وذلك حتى تحدد المؤسسة العسكرية أسماء المترشحين المنتمين إليها، لانتخابات مجلسي الشيوخ والنواب المرتقبة، على سبيل الحصر.
وسمحت الهيئة الوطنية لأربع منظمات أجنبية فقط بالإشراف على انتخابات مجلس الشيوخ، وهي منتدى “جالس” من أوغندا، ومنظمة “إيكو” من اليونان، ومنظمة “متطوعون بلا حدود”، والبرلمان العربي، فيما قبلت الهيئة إشراف 37 منظمة محلية، ليس منها أي منظمة حقوقية مستقلة، مستبعدة كل المنظمات التي توجه انتقادات للنظام المصري، فيما يخص ملف انتهاكات حقوق الإنسان.
مجلس صوري
ويقلل خبراء من أهمية هذا المجلس، باعتباره وفق تشكيلته الجديدة مجلساً صوريا ًلا يملك أية صلاحيات حقيقية للمحاسبة أو المراقبة.
وبعدما تم إلغاؤه في دستور 2014 والذي كتبته لجنة الخمسين المعينة من السيسي، أقرت التعديلات الدستورية التي طُرحت للاستفتاء في أبريل/نيسان الماضي، إعادة الغرفة البرلمانية الثانية تحت اسم مجلس الشيوخ ولكن بصلاحيات هامشية.
ووفق الدستور المُعدل، يختص مجلس الشيوخ بدراسة واقتراح ما يراه كفيلا بتوسيد دعائم الديمقراطية، ودعم السلام الاجتماعي، والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا، والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق النظام الديمقراطي.
ويُؤخذ رأي مجلس الشيوخ في الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ومشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومعاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة.
وعلى كثرة هذه الأهداف، فإن غالبية أعضاء لجنة الخمسين والمؤيدين في غالبهم للسيسي، اعتبروا مجلس الشورى باباً خلفياً للفساد ووسيلة يستخدمها النظام الحاكم لتقديم ترضيات سياسية للموالين.
وخلال نقاشات لجنة الخمسين حول إلغاء مجلس الشورى من عدمه، قال نقيب المحامين الأسبق وعضو اللجنة سامح عاشور، إن مجلس الشورى جاء كتطييب خواطر وتوزيع مواقع على قوى انتخابية لم يكن الحزب الوطني الديمقراطي (الذي كان ذراعا سياسية للرئيس المخلوع حسني مبارك وجرى حله بعد ثورة يناير) يستطيع أن يغطيها عبر مجلس الشعب فقط.
ودلل عاشور على رأيه بحجم اﻹقبال على التصويت في آخر انتخابات للمجلس، الذي لم يتخط 6% من مجموع الناخبين.
ولا يدل على تهميش صلاحيات هذا المجلس الجديد أكثر مما دلت عليه المادة 249، التي نصّت على أن المجلس يؤخذ رأيه في “مشاريع القوانين ومشاريع القوانين المكملة للدستور التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، وما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من مواضيع تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها في الشؤون العربية أو الخارجية”، مما يوضح أن صلاحياته ستكون أقل من مجلس الشورى في عهد مبارك، لأن دستور 1971، المعدل في عام 1980، كان يجعل عرض القوانين المكملة للدستور على مجلس الشورى إلزامياً، لكن الدستور الحالي يجعل هذا العرض اختيارياً.
اضف تعليقا