العدسة – موسى العتيبي

“مَدَد ياسيدي مدد، شالله ياحسين، مدد ياسيدنا” ربما تلك الكلمات وغيرها، هي كل ما يعرفه كثير من المصريين عن الصوفية والتصوف، دون أن يكون لهم معرفة حقيقية بأصل التصوف، وطبيعته وطرق الصوفية في مصر، والاختلافات الفكرية بينهم، وأعدادهم الحقيقية، وبداية نشأتهم ومدى انتشارهم.

ومع اقتراب ذكرى المولد النبوي الشريف، يزداد ظهور كلمة “الصوفية” في وسائل الإعلام في مصر، وربما في بعض شوارع القاهرة القديمة؛ حيث تتزايد الاحتفالات الخاصة بالصوفية، وتتنوع بمناسبة ميلاد النبي الكريم، وتأخذ أشكالًا وصورًا متعددة.

النشأة في مصر

الصوفية أو التصوف هو منهج أو طريق يسلكه البعض للوصول والتعبد إلى الله، دون أن يكون له مذهب فقهي محدد.

وانتشرت حركة التصوف في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعاتٍ فرديةٍ تدعو إلى الزهد وشدة العبادة، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقًا مميزة متنوعة معروفة باسم الطرق الصوفية.

وفي مصر انتشرت الصوفية  في القرن الرابع الهجري، غير أنها لم تأخذ شكل التقنين، إلا في عهد محمد على باشا، حيث إنه يعد أول حاكم مصرى قنّن وضع الصوفية.

وتطورت التنظيمات الإدارية للطرق الصوفية في مصر منذ القرن 19 الميلادي أو ما قبله بقليل، فأصبح للطرق الصوفية مشيخة عامة تمثل كافة الطرق الصوفية وتتحدث باسمهم.

وعلى المستوى الأدنى أي على مستوى الطريقة؛ حيث لكل طريقة شيخ يمثل أعلى سلطة روحية إدارية فيها، ولكل شيخ خلفاء في القرى ونواب في المراكز والمديريات، ولكل خليفة مريدون، والشيخ يدير أمر الخلفاء، والخليفة أمر المريدين من حيث إرشادهم ومراقبتهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.

” محمد علي باشا “

طرق للتصوف

للطرق الصوفية في مصر مدارس وفرق تأخذ منها مرجعيتها، فيعتبر العصر النبوي هو المرجع الأساسي، وبالتالي كل طريقة صوفية تربط أورادها بسند رجال يعيدها إلى أحد الصحابة أو إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- ذاته.

ومؤخرًا بلغ عدد الطرق الصوفية بمصر نحو 77 طريقة، 67 منها مسجل بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية، والباقية غير مسجلة، وأشهر الهيئات الصوفية بمصر هى المجلس الأعلى الذى يترأسه الدكتور عبدالهادى القصبي، والاتحاد العام لتجمع آل البيت، ونقابة الأشراف.

ولا يوجد رقم محدد يحصى عدد المتصوفة فى مصر لأنَّ الطرق الصوفية لا تملك سجلًا دقيقًا يحصى كل المريدين بشكل دقيق، لكن الإحصاء التقريبي الذي يُروِّجه الصوفية دائمًا أن عددهم بمصر لا يقل عن 15 مليون مريد يشمل الرجال والنساء.

وتتفرع جميع الطرق الصوفية في مصر من أربعة مدارس أو طرق رئيسية، هي: الطريقة الرفاعية، التي أسسها الإمام أحمد الرفاعي، وكان تعدادها حين توفي 100.000 مريد، وما يقرب من 64 حزبًا ووردًا ودعاء في مكتبته. والطريقة البدوية نسبة إلى مؤسسها السيد أحمد البدوي في مدينة طنطا.

والطريقة الشاذلية، التي أقام صَرْحَها أبوالحسن الشاذلي الحسيني بن عبد الله، وتعدّ هذه المدرسة من كبرى المدارس الصوفية في مصر، وقد لعبت دورًا مهمًا في حياة المصريين الروحية وعنها نقلت كل المدارس الصوفية الأخرى كل المبادئ والقيم والمناهج الصوفية.

أما المدرسة الرئيسية الرابعة، فهي القنائية، والتي أنشأها عبد الرحيم القنائي بمحافظة قنا، وقد اهتمت هذه المدرسة بدراسة ماهية الفرق بين الروح والنفس وضرورة الفصل فيها.

إحدى موالد “الصوفية”

كيفية الإنضمام

ما لا يعرفه كثيرون أنّ للانضمام إلى الطرق الصوفية طقوسًا خاصة، منها على سبيل المثال البيعة،  وهي التى يؤديها المريد للشيخ على السجادة، لاصقًا ركبتيه بشيخه، ثم يقرأ عليه الشيخ البيعة، ويطلب منه الاستغفار والتوبة، ويردد خلفه الرضا بمشيخته، وإرشاده بطريقة، وتقسم مناصب الأعضاء فى الرفاعية- على سبيل المثال- إلى مريدين، ولكل مجموعة من المريدين شيخ، ولكل مجموعة من الشيوخ شيخ سلك الطريق من قبل أن يوجههم، ويسمى خليفة الخلفاء، ولكل مجموعة من الخلفاء خليفة.

كما تعقد معظم الطرق الصوفية لقائين أسبوعيين يعرف هذا الاجتماع بالحضرة، وهى عبارة عن ترديد أوراد وأذكار وصلوات على النبى وآل بيته، وطلب للمدد منهم، كل على طريقته يرددها أتباع الصوفية فى حلقات دائرية، يقف بوسطها المداح وتعقد بمساجد الصوفية، ليلة الاثنين والخميس، من كل أسبوع.

وللمتصوفة عدة ألقاب ومصطلحات تطلق على الأتباع بمجرد انضمامهم لإحدى الطرق، وتختلف فى تصنيفاتها من طريقة ﻷخرى، وتبدأ المقامات عادة من المريد، وتنتهى بالسالك.

ومنها مقامات يتدرج فيها الصوفي؛ التجربة، الرؤيا، النزغ، الغلبة، الهذيان، الخواطر، الوارد، النقر، الهواجم، الهواجس، من المصطلحات التى تنتمى إلى “المذهب”: الإحسان، والإرادة، والحضرة، والفيض، والجذبة، والولاية، وحقيقة الحقائق، وأمهات السماء، والشيخ، والمريد، والقطب، والولاية، والإنسان الكامل، والغوث، وقطب الأقطاب.

” صوفيون في مصر “

المقابر و الموالد

يشدّ المتصوفة الرحال إلى القبور لأولياء الله الصالحين، أو لمشايخهم للتبرك بأهلها، وربما والذبح عندها.

ووفق بعض الدراسات الاجتماعية المتخصصة، فعدد الأضرحة والمقامات في مصر يبلغ نحو 6 آلاف ضريح، المشهور منها قرابة 1000 ضريح، يوجد فى “القاهرة” وحدها 294 ضريحًا، من أشهرها “الحسين – السيدة زينب – السيدة نفيسة”.

فيما تتوزع البقية على المدن والمحافظات، فيوجد فى مركز فوّة بمحافظة كفر الشيخ 81 ضريحًا، وفي مركز طلخا بمحافظة الدقهلية 54، وفى مركز دسوق 84، وفى مركز تلا 133، كما يوجد فى أسوان أحد المشاهد يسمى مشهد “السبعة وسبعين وليًا”.

كما تقام احتفالات كل عام تسمى المَوَالد ، ولكل جماعة مَوْلدٌ خاص بها وبشيخها، فمثلًا: المولد الخاص بالحسين رضي الله عنه يزوره نحو 5 ملايين كل عام، وكذلك مولد السيدة نفيسة يزوره نحو الثلاثة ملايين، أما مولد البدوي فيقوم بزيارته في العام الواحد ما يقارب المليونين وهكذا.

أما احتفالية مولد النبي الكريم، فتعد الاحتفالية الكبرى للصوفية في مصر؛ حيث تختلف الطرق الصوفية في طريقة احتفالها بتلك المناسبة، لكنها اختلافات بسيطة؛ حيث تقيم بعض الطرق حلقات الذكر، بينما تنظم طرق أخرى مسيرات شعبية تنطلق من مقراتها وتجوب المناطق المحيطة بها في القرى والمدن، فيما تخصص بعض الطرق الأخرى حصانًا لشيخ الطريقة يقوده حاملًا راية يقال إنها تتسلم من شيخ طريقة لشيخ طريقة إلى حين ظهور المهدي وهكذا.

وتشتعل تلك الاحتفالات بالأناشيد الدينية، وقصائد المديح للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ومن أشهر المداحين في مصر الحديثة الشيخ “ياسين التهامي” الذي تنظم له الطرق الصوفية حفلات ذكر كبرى، ويتم دعوة كبار الدولة والمسؤولين والقيادات الشعبية وعموم المواطنين لها.

وفق بعض الدراسات الاجتماعية المتخصصة، فعدد الأضرحة والمقامات في مصر يبلغ نحو 6 آلاف ضريح، المشهور منها قرابة 1000 ضريح، يوجد فى “القاهرة” وحدها 294 ضريحًا، من أشهرها “الحسين – السيدة زينب – السيدة نفيسة”، فيما تتوزع البقية على المدن والمحافظات، فيوجد فى مركز فوّة بمحافظة كفر الشيخ 81 ضريحًا، وفي مركز طلخا بمحافظة الدقهلية 54، وفى مركز دسوق 84، وفى مركز تلا 133، كما يوجد فى أسوان أحد المشاهد الكبرى ويسمى مشهد “السبعة وسبعين وليا”.

” إحدى أضرحة مصر “

من الذكر إلى السياسة

يمكن القول إنّ اتساع أو ضيق نطاق الخريطة الصوفية المصرية تحكمت فيه مجموعة من العوامل، يتمثل أهمها في حدود العلاقة بين السلطة والمتصوفة، إلى جانب مدى سيادة حالة الانتعاش للتيارات الدينية الأخرى التي تنسب نفسها للإسلام.

وتعدّ فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين المرحلة الأهم في مسارها خلال العصر الحديث؛ حيث شهدت خلالها بلورة وتثبيت لهيكلها التنظيمي، وأصبحت أكثر انتشارًا وقبولًا في المجتمع المصري.

ففي عهد السادات كانت خطة الدولة هي التصدي للشيوعين من خلال فكّ أسر جماعة الإخوان المسلمين، فضلًا عن أنّ السادات اهتم بأن يظهر بصورة الرئيس المؤمن، مما يدلّ على أنّ اهتمامه بالتيارات الدينية سيكون أكبر من سابق عهد عبد الناصر.

وفي عهده-  كما قال الشيخ أبو العزائم- سمح للطرق الصوفية بشكل عام والطريقة العزمية بشكل خاص  بمجال أكبر للحركة.

” أبو العزائم “

 

” الطريقة العزمية “

في هذه الحقبة شهدت الطرق الصوفية ازدهارًا ملحوظًا فأنشأ المجلس الأعلى للطرق الصوفية عام 1976 ويتكون المجلس الأعلى للطرق الصوفية من ١٦  عضوًا منهم شيخ مشايخ الطرق الصوفية و١٠ ممثلين عن الطرق الصوفية بالانتخاب، ومقره بالقرب من مسجد الحسين بالقاهرة، ويقول الشيخ أبو العزائم إنه تم تخصيص 30 ألف جنيه، أى ما يعادل (75 ألف دولار حينهًا)، لإصدار مجلة صوفية، اختير لها اسم “التصوف الإسلامى”، واستمر إصدار المجلة حتى عام ٢٠٠٦ ثم توقف إصدارها.

ولعبت الطرق الصوفية دورًا في تأييد سياسة الحاكم أيضًا، فكانت الطريقة العزمية إحدى الطرق المؤيدة لاتفاقية كامب ديفيد، والتي تدافع عنها مرحليًّا، كما بنيت العلاقة بين مبارك والصوفية على أساس المصالح المتبادلة، حيث وسع لها مبارك في الانتشار في مقابل الاستمرار بدعمه سياسيًا، حتى إنّ كثيرًا من قيادات الحزب الوطني في عهد مبارك كانوا من قيادات التصوف.

ونظرًا للانفتاح السياسي الذي نتج عن الثورة المصرية، فأرادت الطرق الصوفية الانخراط في العمل السياسي. فأنشات الطريقة العزمية بالتعاون مع عددٍ من الطرق الصوفية حزب “التحرير المصري”. الهدف من الحزب الدخول في المنافسة السياسية. والحزب كما تزعم الطريقة العزمية ليس حزبًا دينيًا إنما هو حزب مدني يهدف إلى الدخول في المجال السياسي.

ولم يحقق الحزب مكاسب سياسية مباشرة لقلة خبرة الطرق الصوفية على المنافسة السياسية. فتاريخ الطرق الصوفية مليء بالسياسيات المتوافقة مع سياسات الحكام والتي لا تسمح بدخول الطرق كمنافس سياسي من دون اكتساب خبرة للمعارضة.

وعارضت الطرق الصوفية في مصر حكم الرئيس محمد مرسي، وشاركت في تظاهرات الثلاثين من يونيو، كما أيدت بيان المؤسسة العسكرية لعزله في الثالث من يوليو 2013، لتعود الطرق الصوفية مرة أخرى إلى حضن السلطة مع وصول عبد الفتاح السيسي لسدة الحكم.