تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون مسلسل الانتهاكات ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، في إطار مخطط يبدو واضحًا أنه يسعى إلى تهجير السكان وتغيير الواقع الديمغرافي في المنطقة.
فمنذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، صعّدت قوات الاحتلال من عمليات الاقتحام في مدن الضفة، خاصة في جنين وطولكرم ونابلس، لتصبح هذه المناطق أشبه بـ”غزة مصغرة”، بفعل حجم الدمار والاستهداف المستمر للمقاومة والبنية التحتية، في ظل استخدام القوة العسكرية المفرطة.
مدينة جنين، التي لطالما كانت شوكة في حلق الاحتلال، تعيش أوضاعًا أشبه بما يجري في القطاع، حيث لم تتوقف الاجتياحات الليلية والمداهمات العنيفة التي تنفذها وحدات خاصة مدعومة بغطاء جوي.
عمليات الاغتيال والاعتقالات بالجملة باتت جزءًا من المشهد اليومي، حيث ارتقى عشرات الشهداء، ودُمرت منازل وشوارع بأكملها، وأصبحت المخيمات عرضة لعمليات عسكرية ممنهجة تستهدف إنهاء أي قدرة على المقاومة.
الاحتلال يحوّل أماكن الحياة إلى أقبية موت
مع اشتداد عمليات القمع والاعتقالات في الضفة الغربية، كشفت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عن قيام الجيش الإسرائيلي باستخدام أحد مبانيها كمقر لاحتجاز الفلسطينيين، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية. لم يكتفِ الاحتلال بتحويل المدارس والمراكز الصحية إلى ثكنات عسكرية، بل حوّلها إلى مراكز تعذيب وسجون مؤقتة، حيث يتم اعتقال المواطنين الفلسطينيين واحتجازهم في ظروف قاسية بعيدًا عن أعين المنظمات الحقوقية.
هذا المشهد يعكس استراتيجية الاحتلال في تفريغ الضفة الغربية من سكانها الفلسطينيين، ليس فقط عبر التهجير المباشر، بل أيضًا من خلال جعل الحياة فيها مستحيلة عبر القمع الممنهج، وهدم المنازل، وتحويل البنى التحتية إلى مناطق عسكرية، فضلًا عن تحكمه الكامل في الموارد والمساعدات الإنسانية.
تواطؤ السلطة الفلسطينية: خيانة وتخاذل
وسط هذه الانتهاكات المتصاعدة، تبرز السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس (أبو مازن) كطرف متواطئ مع الاحتلال في قمع المقاومة ومنع أي تحرك شعبي ضد الجرائم الإسرائيلية.
فرغم سقوط مئات الشهداء واعتقال الآلاف، تستمر الأجهزة الأمنية الفلسطينية في التنسيق الأمني مع الاحتلال، وتعمل كذراع له عبر قمع الحراك الشعبي واعتقال النشطاء والمقاومين، مما يجعلها شريكًا فعليًا في إبقاء الضفة تحت السيطرة الإسرائيلية.
التنسيق الأمني الذي تصر عليه قيادة السلطة لم يعد مجرد سياسة داخلية، بل تحول إلى خيانة علنية للقضية الفلسطينية، حيث يتم تسليم المطلوبين والناشطين للاحتلال، وتقديم معلومات عن تحركات الفصائل، في وقت يحتاج الفلسطينيون فيه إلى قيادة تدعم صمودهم وتواجه الاحتلال، بدلًا من أن تكون أداة بيده.
إن ما يجري في الضفة الغربية اليوم هو مخطط واضح لتهجير الفلسطينيين عبر القمع والتنكيل والتضييق المعيشي، تمامًا كما جرى في النكبة والنكسة، لكنه يحدث هذه المرة وسط تخاذل عربي ودولي، وتواطؤ من السلطة الفلسطينية، التي أصبحت شريكًا في محاولات الاحتلال لإخماد أي مقاومة، بدلًا من أن تكون حامية للحقوق الفلسطينية.
اضف تعليقا