بعد هجوم واشنطن الذي طال السفارة الإسرائيلية، لم تنتظر قنوات العهر الإعلامي طويلًا قبل أن تعلن ولاءها الأبدي للاحتلال. قناة “الحدث” المملوكة للنظام الإماراتي، ومن خلفها أختها في السفالة “العربية”، سارعتا لتلقف تصريحات وزير خارجية الاحتلال جدعون ساعر، وتكرارها حرفيًا بلا خجل، كما لو كانت رسالة عاجلة من ناطق باسم الرب، لا ممثلًا لكيان غاصب مجرم.

الحادث الذي أسفر عن مقتل موظفين بالسفارة الأمريكية في واشنطن تحوّل بلمسة سحرية من ماكينة الإعلام الصهيوني – المدعومة من مال النفط الخليجي – إلى “دليل دامغ على تصاعد معاداة السامية في العالم”، هكذا رددتها الحدث كالببغاء، وكررت معها العربية نفس الأسطوانة المشروخة، بلا ذكر لأي سياق، ولا محاولة للبحث عن الحقيقة، بل تسليم مطلق بالرواية الصهيونية، وكأن المجرم معروف سلفًا، والعدو هو كل من يرفض المجازر الصهيونية في غزة.

نتنياهو، في نوبة نفاق جديدة، دعا لتشديد الإجراءات الأمنية على سفارات الاحتلال، فهرولت القنوات الإماراتية لنشر تصريحاته، في تغطية تعيسة تزكم رائحتها أنف كل من يملك ذرة ضمير. لم تنقل هذه القنوات الجريمة كخبر، بل كتعزية، كموقف تضامني، كمحاولة مفضوحة لغسل دماء الاحتلال بمياه الخليج.

أما المظاهرات في أمريكا، تلك التي خرجت تندد بالإبادة الجماعية في غزة، فوصفتها هذه القنوات الساقطة بأنها “معادية للسامية”. تجاهلت تمامًا أن الشعوب الغاضبة تحتج على قتل الأطفال وتجويعهم. تجاهلت أن هذه المظاهرات ليست ضد يهود الديانة، بل ضد دولة استعمارية تمارس جرائم حرب في وضح النهار. تجاهلت الحقيقة لأن الحقيقة لا تناسب تمويل أبوظبي ولا توجهات محمد بن زايد الذي قرر تحويل الإعلام العربي إلى ذراع دعائي للموساد.

هذا الانحياز الصارخ لم يعد سقطة مهنية بل خيانة مكتملة الأركان. الحدث والعربية لم تعودا قناتين عربيتين، بل صارتا نسخة محدثة من القنوات العِبرية الصهيونية، لكن بلكنة خليجية وتمويل نفطي. كل تقاريرهم، كل عناوينهم، كل مذيعيهم، يعملون على مدار الساعة للدفاع عن صورة الاحتلال، لتبييض جرائمه، لتشويه الفلسطينيين، وتلميع الصهاينة.

لا يكاد يمر أسبوع دون أن نراهم يتصيدون أي تصريح عابر من مسؤول فلسطيني، فيقصّونه من سياقه، ويحوّلونه إلى مادة سامة لتغذية حملات “شيطنة الفلسطيني”، بينما لا يقتربون من تصريحات الصهاينة التي تشيد علنًا بقتل الأطفال، وتجعل من الإبادة “هواية” للجيش. هل سمعنا يومًا من قناة الحدث عن جنرال صهيوني قال إن قصف المنازل “ممتع”؟ هل نقلت يومًا عن وزير صهيوني دعا لقطع المياه عن غزة حتى يموت الناس عطشًا؟ بالطبع لا. لأن أجندة هذه القنوات واضحة: طمس جرائم الاحتلال وتسليط الضوء على كل ما يسيء للفلسطيني، ولو كان مفبركًا.

هذه المنظومة الإعلامية ليست منحازة فقط، بل متواطئة. ليست مضلِّلة فقط، بل متآمرة. تقف في وجه الحقيقة، وتبني جدرانًا من الأكاذيب لحماية نظام إبادة، وتوفر له الغطاء العربي الذي فقده من الشعوب فاشتراه من الأنظمة.

لا عذر بعد اليوم. من يتابع هذه القنوات ويعتبرها مصدرًا فهو شريك في خيانة الحقيقة. ومن يمولها فهو يدفع أموال الأمة لصناعة إعلام يحارب قضاياها. العربية والحدث ليستا سوى واجهتين من مشروع إماراتي خبيث، هدفه النهائي هو تحويل الشعوب إلى قطعان صامتة، تصفق للقاتل، وتدوس على دم الضحية.