نشرت صحيفة الغارديان تقريرًا تناول إعلانًا نشر في صحيفة نيويورك تايمز، وقّع عليه أكثر من 350 حاخامًا أمريكيًا إلى جانب شخصيات يهودية بارزة من الكتاب والنشطاء والمبدعين، يدينون فيه خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين قسرًا من غزة. جاء الإعلان كرد فعل مباشر على تصريحات ترامب الأخيرة، التي أكد فيها عزمه على “الاستحواذ على غزة” وتحويلها إلى “مشروع تطوير عقاري”، وهو ما وصفه الموقعون على الإعلان بأنه تطهير عرقي غير مقبول، في خطوة تعكس معارضة قوية داخل الأوساط اليهودية في الولايات المتحدة.
أكد الإعلان، الذي حمل توقيع شخصيات مثل الحاخامات شارون بروس، ورولي ماتالون، وأليسا وايز، بالإضافة إلى الكاتب المسرحي توني كوشنر، والممثلة إيلانا غليزر، والناشطة الكندية نعومي كلاين، والممثل خواكين فينيكس، أن الشعب اليهودي يرفض التطهير العرقي، وأن محاولات ترامب لتهجير الفلسطينيين تتعارض مع القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية. وأوضح الإعلان أن الرئيس الأمريكي دعا إلى “تهجير جميع الفلسطينيين من غزة”، وهو ما اعتبره الحاخامات جريمة تاريخية يجب التصدي لها.
يأتي هذا الإعلان بعد أن اقترح ترامب أن يتم نقل 2.3 مليون فلسطيني من غزة إلى دول أخرى، في خطوة تمثل امتدادًا لسياسات النكبة التي وقعت عام 1948، حين تم تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين بالقوة من أراضيهم. وقد قوبل هذا المخطط برفض واسع النطاق من الدول العربية والمجتمع الدولي، حيث اعتبرته العديد من الجهات مخططًا خطيرًا يهدد استقرار المنطقة.
كودي إدجرلي، مدير حملة “باسمنا” (In Our Name Campaign) وأحد المنظمين لهذا الإعلان، صرح بأن توقيته يأتي في ظل تسارع التحولات السياسية الخطيرة مع عودة التحالف بين ترامب ونتنياهو إلى الواجهة. وأكد أن توقيع مئات الحاخامات والناشطين على هذا الإعلان يعكس حالة الغضب والرفض القاطع داخل المجتمع اليهودي الأمريكي لسياسات ترامب الإجرامية في فلسطين. وشدد إدجرلي على أن الرسالة التي يحملها الإعلان موجهة مباشرة للفلسطينيين، مفادها أنهم ليسوا وحدهم، وأن هناك دعمًا متواصلًا لقضيتهم، والتزامًا بمقاومة كل محاولات التطهير العرقي في غزة.
الحاخام توبا سبيتزر وصف خطة ترامب بأنها “مخطط خبيث يحمل تداعيات خطيرة”، معتبرًا أن على المجتمع اليهودي الأمريكي أن يكون في طليعة الرافضين لهذا المشروع الاستعماري الجديد. وأضاف أن التاريخ أثبت أن مثل هذه الأفكار الإقصائية تقود دائمًا إلى نتائج كارثية، مشيرًا إلى أن التجربة اليهودية خلال الهولوكوست يجب أن تكون دافعًا لمعارضة أي شكل من أشكال التطهير العرقي. وأكد أن الحل يكمن في وقف الحرب نهائيًا، وإطلاق سراح جميع الأسرى، والمشاركة في إعادة إعمار غزة لصالح الفلسطينيين الذين يعيشون فيها، وليس كوسيلة لإزاحتهم عن أرضهم.
بدوره، اعتبر الكاتب والصحفي اليهودي بيتر بينارت، أحد الموقعين على الإعلان، أن ما يحدث يمثل واحدة من أعظم الجرائم في القرن الحادي والعشرين، مستنكرًا أن هناك شخصيات بارزة داخل المجتمع اليهودي الأمريكي مستعدة لدعم هذه السياسة القمعية.
أما الحاخام يوسف بيرمان من مشروع الكنيس الجديد في واشنطن، فقد وصف ترامب بأنه شخص يتصرف وكأنه إله، معتقدًا أنه يمتلك سلطة مطلقة لفرض إرادته على الدول والشعوب. وشدد بيرمان على أن التعاليم اليهودية ترفض بشكل قاطع أي محاولات لمصادرة حقوق الفلسطينيين أو طردهم من وطنهم، مضيفًا أن ترامب لا يمكنه ببساطة استخدام معاناة الفلسطينيين لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية.
الجدل حول هذه التصريحات تصاعد بعد أن ظهر ترامب في مقابلة على قناة فوكس نيوز مع الإعلامي بريت باير، حيث قال بوضوح إنه يريد “امتلاك” غزة وتحويلها إلى “مشروع تطوير عقاري”، مؤكدًا أن الفلسطينيين “لن يكون لديهم حق العودة”. هذه التصريحات تعكس رؤية استعمارية واضحة، حيث يتحدث ترامب عن غزة وكأنها قطعة أرض فارغة تنتظر من يستثمر فيها، متجاهلًا الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون في ظل الاحتلال والقصف والدمار.
تزامنت تصريحات ترامب مع تصعيد إسرائيلي مستمر ضد الفلسطينيين، حيث كشفت الغارديان في تقريرها أن إسرائيل قتلت أكثر من 48,200 فلسطيني خلال الـ16 شهرًا الماضية، بينما تواصل سياسة الحصار والتجويع والتدمير الممنهج للقطاع. وأكد التقرير أن الاحتلال الإسرائيلي دمر البنية التحتية الأساسية في غزة، متسببًا في أزمة إنسانية غير مسبوقة، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والدواء والوقود بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على المساعدات.
هذا الإعلان، الذي حمل رفضًا قاطعًا لخطة ترامب، يمثل إحدى أكبر التحركات داخل المجتمع اليهودي الأمريكي ضد سياسة التطهير العرقي التي يدعمها البيت الأبيض. ورغم أن معارضة الحاخامات والنشطاء اليهود لهذه الخطة لا تزال صوتًا مهمًا في المشهد السياسي الأمريكي، فإن تأثير هذه المبادرة على السياسات الفعلية لترامب لم يتضح بعد، خاصة في ظل دعم العديد من القوى السياسية داخل الولايات المتحدة لممارسات إسرائيل في فلسطين.
ختامًا، سلط تقرير الغارديان الضوء على أن هناك انقسامًا حادًا داخل المجتمع اليهودي الأمريكي بشأن ما يحدث في فلسطين، حيث يوجد من يدافع عن حق الفلسطينيين في البقاء على أرضهم، بينما يستمر آخرون في دعم الاستعمار الاستيطاني والتطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل بدعم مباشر من ترامب.
اضف تعليقا