كشف تحليل جديد لهيئة “بيانات التجارة البريطانية” أن شركات بريطانية قامت بتصدير آلاف العناصر والمعدات العسكرية إلى إسرائيل، من بينها ذخائر، رغم إعلان الحكومة البريطانية في سبتمبر/أيلول 2024 عن تعليق بعض التراخيص الرئيسية لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. هذه المعلومات، التي وردت ضمن دراسة مشتركة أعدتها “حركة الشباب الفلسطيني” و”التقدمية الدولية” و”العمال من أجل فلسطين حرّة”، تستند إلى بيانات واردات منشورة من قبل مصلحة الضرائب الإسرائيلية، وتغطي الأشهر السبعة الأولى من قرارات التعليق.

الدراسة أثارت تساؤلات جدية حول مدى التزام الحكومة البريطانية بقراراتها، خصوصًا فيما يتعلق بمكونات طائرات الشبح F-35، حيث كانت لندن قد تعهدت بعدم تصدير هذه الأجزاء إلى إسرائيل بشكل مباشر، بل فقط إلى الشركة المصنعة “لوكهيد مارتن” في الولايات المتحدة، حرصًا – حسب زعم الحكومة – على عدم تعطيل سلسلة الإمداد العالمية للطائرة ضمن إطار الأمن القومي وحلف الناتو. إلا أن البيانات تشير إلى أن نمط الشحنات البريطانية من قطع غيار الطائرات إلى إسرائيل لم يتغير منذ سبتمبر/أيلول، ما يفتح الباب أمام احتمال وجود خرق لهذا التعهد.

نتائج التقرير دفعت وزير المالية الأسبق في حزب العمال جون ماكدونيل إلى المطالبة بتحقيق شامل في القضية، مؤكدًا أن المسألة تستدعي استقالة وزير الخارجية ديفيد لامي إذا تبيّن أنه ضلل البرلمان وانتهك مدونة السلوك الوزاري، خاصة بعدما قال علنًا في سبتمبر/أيلول إن ما ترسله بريطانيا لإسرائيل “ذو طبيعة دفاعية في الغالب”.

رغم تأكيدات الحكومة بأن التراخيص المتبقية لا تُستخدم في الحرب على غزة، تُظهر البيانات أن 14 شحنة عسكرية أُرسلت من المملكة المتحدة إلى إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، منها 13 عبر الجو إلى مطار بن غوريون، وشحنة بحرية واحدة وصلت إلى ميناء حيفا وتضمنت وحدها 160,000 قطعة عسكرية، كما تم تصدير 8,630 قطعة أخرى مصنفة ضمن فئة “قنابل، قذائف، ألغام، صواريخ وأسلحة مشابهة”، بحسب التصنيف الجمركي.

ولم تقتصر الصادرات على الذخائر، إذ سُجّلت أيضًا أربع شحنات شملت 146 قطعة مصنّفة ضمن بند “دبابات ومركبات قتالية مدرعة مزودة بمحركات، سواء كانت مجهزة بأسلحة أم لا، وأجزاء منها”. غالبية هذه الصادرات، والتي تجاوزت قيمتها الإجمالية نصف مليون جنيه إسترليني، تمّت بعد إعلان الحكومة تعليق التراخيص.

اللافت أن وزارة الخارجية البريطانية لم تنشر حتى الآن تفاصيل دقيقة حول نوعية التراخيص التي ظلت سارية، وادّعت الحكومة أن المعدات المتبقية موجّهة لأغراض مدنية أو لإعادة التصدير، وأن الاستثناء الوحيد هو ما يتعلق ببرنامج F-35 نظراً لأبعاده الاستراتيجية. إلا أن التقرير الجديد يشكك في مصداقية هذا الفصل بين “الاستخدام الدفاعي” و”الاستخدام الهجومي”، لا سيما في ظل غياب أي آلية تضمن عدم استخدام هذه المعدات من قبل جيش الاحتلال في عملياته العسكرية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.

البرلمانية البريطانية زارا سلطانة وصفت ما كشفه التقرير بأنه “فضيحة”، مؤكدة أن الحكومة “كذبت على الشعب البريطاني بشأن طبيعة الأسلحة التي تزود بها إسرائيل”، مشيرة إلى أن الأمر لم يقتصر على “خوذ ونظارات” كما ادعى وزير الخارجية، بل شمل آلاف البنود من الأسلحة والذخائر التي تُستخدم في إبادة الفلسطينيين.

البيانات التي جُمعت من الجانب الإسرائيلي تشمل رموزًا توضح نوعية الصادرات، الدولة المصدّرة، القيمة المالية، وتاريخ الشحن، سواء تم عبر البحر أو الجو، لكنها لا تتضمن أسماء الشركات أو المشترين النهائيين، ما يزيد من تعقيد عملية التتبع والمحاسبة.

الحكومة البريطانية من جهتها حاولت تبرير موقفها من خلال متحدث باسم وزارة الخارجية، قال إن التراخيص ذات الصلة بـ”قوات الدفاع الإسرائيلية والتي قد تُستخدم في ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي في غزة” قد تم تعليقها، مشيرًا إلى أن “الغالبية العظمى من التراخيص المتبقية لا تخص الجيش الإسرائيلي، بل تُستخدم لأغراض مدنية أو لإعادة التصدير”. وأضاف المتحدث: “الاستثناء الوحيد هو برنامج F-35، نظرًا لدوره الاستراتيجي في إطار الناتو وتأثيره على الأمن الدولي”.

وفي محاولة لتبرئة الذمة، أنهى المتحدث بيانه بالقول إن المملكة المتحدة تعارض “توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة”، داعيًا جميع الأطراف للعودة إلى طاولة المفاوضات وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، بما يشمل “إطلاق سراح الرهائن” والعمل من أجل سلام دائم.

التقرير سلط الضوء على عمق التواطؤ البريطاني المستتر خلف شعارات كاذبة، حيث تكشف الوقائع أن حكومة لندن لم تتوقف عن دعم آلة الحرب الإسرائيلية رغم الجرائم التي تُرتكب في غزة يوميًا، وبينما تروّج خطابات الوزراء البريطانيين لفكرة الالتزام بالقانون الدولي، تُواصل شركات بريطانية تزويد إسرائيل بأسلحة تُستخدم في تنفيذ خطط نتنياهو الدموية، والتي تهدف إلى ضم القطاع وتطهيره عرقيًا من سكانه الأصليين.