ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير حديث أن أعدادًا متزايدة من الإسرائيليين يغادرون إسرائيل للاستقرار في أوروبا، مما يؤدي إلى تغيير ديموغرافي وثقافي كبير في المجتمعات اليهودية هناك. وأشار التقرير إلى أن هذه الظاهرة تمثل تحولًا غير متوقع في العلاقة بين إسرائيل والشتات اليهودي، حيث بات اليهود القادمون من إسرائيل هم من يساهمون في إعادة إحياء المجتمعات اليهودية الأوروبية التي كانت تعاني من التراجع السكاني لعقود.
وأوضح التقرير أن الهجرة المتزايدة من إسرائيل مدفوعة بعوامل عدة، أبرزها الاستقطاب السياسي الحاد، وارتفاع تكاليف المعيشة، والأوضاع الأمنية المتدهورة نتيجة للحروب المتكررة، بما في ذلك العدوان الأخير على غزة ولبنان، والهجمات الإيرانية على إسرائيل. وأشارت البيانات إلى أن الولايات المتحدة لا تزال الوجهة الأكثر استقطابًا للمهاجرين الإسرائيليين، لكن العديد من المجتمعات اليهودية في أوروبا بدأت تستقبل أعدادًا متزايدة، مما أدى إلى تعزيز وجودها بعد عقود من التراجع.
وبحسب معهد السياسات اليهودية في لندن (IJPR)، فإن حوالي 630,000 شخص ولدوا في إسرائيل أو عاشوا فيها لفترة طويلة يعيشون حاليًا في أماكن أخرى من العالم، بالإضافة إلى 330,000 شخص آخرين وُلدوا لأب أو أم إسرائيليين، فيما وصفه التقرير بمجتمع “مرتبط بإسرائيل”. وأشار الباحث دانييل ستاتسكي، معدّ التقرير، إلى أن هذه الهجرة تمثل “نقطة تحول حقيقية”، مؤكدًا أن “مؤسسي الدولة الإسرائيلية لم يتخيلوا أبدًا أن إسرائيل ستكون هي من يحيي المجتمعات اليهودية الأوروبية، وليس العكس“.
وكشف التقرير عن أرقام جديدة تُظهر أن عدد الإسرائيليين و”المرتبطين بإسرائيل” في ألمانيا بلغ 24,000 شخص، وهو أعلى من التقديرات السابقة، مما يجعلها الدولة الأوروبية ذات التجمع الإسرائيلي الأكبر. كما أشار التقرير إلى أن الإسرائيليين يمثلون حوالي نصف عدد اليهود في النرويج، و41% في فنلندا، وأكثر من 20% من الجاليات اليهودية في بلغاريا، وإيرلندا، وإسبانيا، وهولندا، والدنمارك.
وصرح جوناثان بويد، مدير IJPR، بأن الإسرائيليين المهاجرين لهم تأثير كبير على هذه المجتمعات، موضحًا أنه في المملكة المتحدة وحدها يوجد حوالي 23,000 من حملة الجنسية الإسرائيلية، وهو ضعف العدد المسجل قبل 20 عامًا، رغم أن العدد الإجمالي لليهود في البلاد يبلغ حوالي 313,000 شخص. وأكد أن تأثير هذا التدفق يكون أكثر وضوحًا في الدول الأصغر، حيث إن وصول عدد قليل من الإسرائيليين قد يُحدث تغييرًا ملحوظًا في المجتمعات المحلية.
وأضاف التقرير أن الإسرائيليين يجلبون معهم تأثيرات ثقافية واجتماعية كبيرة إلى الدول التي يستقرون فيها، بما في ذلك انتشار استخدام اللغة العبرية، والأسماء الإسرائيلية للأطفال، فضلاً عن استبدال المأكولات التقليدية اليهودية بالطبخ الإسرائيلي الحديث. في هولندا، على سبيل المثال، يُقدر أن حوالي 12,000 شخص من القادمين من إسرائيل يعيشون حاليًا هناك، مما أدى إلى تغييرات ملحوظة في ملامح الجالية اليهودية المحلية.
وفي حديثه مع الصحيفة، قال آشير ووترمان، المستشار الاستراتيجي للمنظمة الوطنية لرعاية الجالية اليهودية في هولندا، إن “هناك عددًا كبيرًا من الإسرائيليين هنا الآن، مما يغير تركيبة المجتمع اليهودي”. من جهته، قال إيتاي جارمي، وهو عضو مجلس محلي في أمستردام من أب إسرائيلي، إن المجتمع الإسرائيلي في المدينة يميل إلى أن يكون أكثر علمانية مقارنة بالمجتمع اليهودي التقليدي.
وأشار التقرير أيضًا إلى أن بعض الإسرائيليين الذين هاجروا إلى أوروبا بدأوا في إعادة اكتشاف هويتهم اليهودية، حيث قال أفيسار ليف، الذي انتقل من تل أبيب إلى برلين عام 2012، إنه بدأ مؤخرًا يشعر بارتباطه القوي بهويته اليهودية أكثر من ذي قبل.
ووفقًا للإحصاءات الرسمية الإسرائيلية، فإن عدد الإسرائيليين الذين غادروا البلاد في عام 2024 بلغ نحو 83,000 شخص، وهو أكثر من ضعف العدد المُسجل في الفترة بين 2009 و2021، وأعلى من مستوى عام 2022. كما انخفض معدل النمو السكاني من 1.6% إلى 1.1%، على الرغم من وصول 33,000 مهاجر جديد إلى إسرائيل وعودة 23,000 إسرائيلي من الخارج.
وفي حين أرجعت لجنة برلمانية إسرائيلية هذا الانخفاض إلى “ارتفاع معدل الهجرة السلبية بسبب الوضع الأمني المعقد”، فإن المخاوف تتزايد بشأن ما وصفه البعض بـ”هجرة العقول”، حيث حذر البروفيسور آرون سيشانوفر، أحد أبرز العلماء الإسرائيليين، من أن التعديلات القضائية المثيرة للجدل التي طرحتها الحكومة الحالية دفعت المزيد من الإسرائيليين إلى مغادرة البلاد. وأضاف: “هؤلاء الذين يغادرون يريدون العيش في بلد حر وديمقراطي، وليس في بلد تستولي فيه الحكومة على السلطة بالقوة“.
وأشار التقرير إلى أن هذه البيانات تقتصر على الإسرائيليين اليهود، حيث لم يتناول الهجرة بين الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، إذ ركز المعهد على تأثير هذه الظاهرة على المجتمعات اليهودية الأوروبية فقط.
اضف تعليقا