الجزء الأول من المقال هنا

 

“لم أعد أعرف من أكون بعد الآن… هكذا دفعني تعذيب وكالة المخابرات المركزية إلى حافة الموت” – أبو زبيدة

  

لمدة 47 يوماً بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب 2022، تم عزل أبو زبيدة بصورة تامة مع تعليق جميع الاستجوابات؛ كان هذا لمنح رؤساء وكالة المخابرات المركزية وقتاً للعودة إلى المقر الرئيسي للضغط على وزارة العدل للحصول على تأكيدات بأن أفرادها لن تتم مقاضاتهم أبدًا بسبب تعذيب أبو زبيدة.

وفي يوليو / تموز من تلك السنة، وافق النائب العام آنذاك على استخدام 10 أساليب استجواب، وفي 4 أغسطس / آب استؤنف التعذيب مرة أخرى، والذي كان يتم على مدار 24 ساعة تقريباً.

 حول هذا قال أبو زبيدة:

 لم يحضروا إطلاقا لمدة شهر أو أكثر ولم أر أحدا باستثناء الحراس الذين يأتون مرة واحدة في اليوم لإعطائي الطعام، خلال تلك الفترة كنت مربوطا بالسرير المعدني، وكانوا يتركون طبقًا من الطعام يتكون من أرز أبيض جاف مع كمية قليلة من الفاصوليا وعلبة من الماء… كنت عارياً تماماً باستثناء المنشفة التي ألقوها على أعضائي التناسلية، كنت أتجمد من البرد الشديد وكانت أعصابي على وشك الانفصال عن الضوضاء المستمرة القادمة من جهاز غير مرئي، وهو أسلوب تعذيب لم يتوقف.

قضيت شهرًا في دوار الضوضاء والأفكار، لم أكن أعرف أين أنا، وبمرور الوقت لم أكن أعرف من أنا.

 بعد مرور الشهر، تم إعادتي إلى وضع التعليق عارياً، ثم فكوا يديّ من قضبان الزنازين وقيدوا يديّ حول ساقيّ مما جعلني في وضعية الركوع بشكل دائم، جروني بوحشية إلى الجدار الأسمنتي… رأيت رجلاً يرتدي ملابس سوداء وسترة عسكرية، وكان كاشفاً وجهه، كان هناك غضب شديد مرسوم على ملامحه… صرخ بكلمات لم أفهمها، قبل أن أتمكن من الرد بدأ بضرب رأسي وظهري بالحائط، شعرت أن ظهري ينكسر، ثم بدأ بصفعي على وجهي مرات ومرات.

 ثم أشار إلى صندوق خشبي أسود كبير يشبه النعش، قائلاً: “من الآن فصاعدًا سيكون هذا بيتك”.

 جرني رجل آخر ودفعني بوحشية داخل الصندوق مع دلو مرحاض وعلبة ماء، صاح: “سنعطيك فرصة أخرى، ولكن قصيرة، للتفكير فيما إذا كنت ستتحدث أم لا”…. أغلق الباب بعنف، سمعت صوت القفل، وجدت نفسي في ظلام دامس، كان المكان ضيقًا جدًا، ولم أستطع الجلوس بالطول أو العرض، جعلوا السلاسل ضيقة للغاية لدرجة أنني بالكاد استطعت تحريك يدي.

 مرت الساعات، ثم سمعت صوت طقطقة فتح القفل، رأيت رجل يلف منشفة سميكة ملفوفة بشريط بلاستيكي على شكل حبل المشنقة، لفها حول رقبتي وسحبني بوحشية من “النعش”، سقطت على الأرض مع الدلو، بكل محتوياته [من البول]، التي سقطت عليّ.

 [قضى أبو زبيدة 266 ساعة محبوسًا في صندوق على شكل نعش]

  ثم جرني الحارس باتجاه الحائط، حيث كان هناك جدار خشبي يغطي معظم الجدار الخرساني الأصلي، لم ينبس الحارس ببنت شفة، ثم بدأ في ضربي في ذلك الحائط الخشبي، [لم يرغبوا في ترك أي أثر للضرب على جسدي يتحول إلى اللون الأخضر ثم الأزرق]، ظل يضربني بالحائط، كان يضرب رأسي بقوة لدرجة أنني سقطت على الأرض مع كل ضربة.

 عندما أدرك أنني انهارت تماماً، بدأ يتحدث وهو يلهث، كان يلعن، ويهدد، صفعني على وجهي كثيراً، حاولت الدفاع عن نفسي، لقد شعرت بالإذلال الشديد على الرغم من القدر الكبير من الإذلال الذي تحملته بالفعل، قال: “تعتقد أن لديك كبرياء. سأريك الآن ما هي الكرامة”، بدأ يضرب رأسي بالحائط بكلتا يديه، كانت قوية لدرجة أنني شعرت أن جمجمتي مُزقت، ثم جرني إلى صندوق آخر صغير للغاية، بمساعدة الحراس دفعني بداخلها.

 [كانت أبعاد الصندوق بعرض 21 بوصة بعمق 2.5 قدم وارتفاع 2.5 قدم، أمضى أبو زبيدة ما مجموعه 29 ساعة فيه]

 بمجرد أن حبسوني داخل الصندوق حاولت الجلوس، لكن دون جدوى، لأن الصندوق كان قصيرًا جدًا، حاولت أن أتخذ وضعية ملتوية، لكن فشلت، قضيت ساعات طويلة داخل هذا الصندوق، شعرت أنني سأنفجر من ثني رجلي وظهري، غير قادر على فردهما ولو للحظة، كان الألم شديدًا لدرجة جعلني أصرخ دون وعي.

 وفجأة فُتح الباب وتم إشعال ضوء ما، عندما أخرجوني من الصندوق، استغرق الأمر وقتًا طويلاً لأتمكن من الوقوف على قدمي، قيدوني إلى سرير معدني تمامًا لدرجة أنني لم أستطع التحرك على الإطلاق، بعد تقييد جسدي، قاموا بتقييد رأسي باستخدام وسائد بلاستيكية قوية جعلت من المستحيل بالنسبة لي تحريكها، ولا حتى سنتيمتر واحد إلى اليسار أو اليمين، لا لأعلى ولا لأسفل.

لم أفهم سبب هذه التقييدات، فجأة وضعوا قطعة قماش سوداء على رأسي وغطوها بالكامل، شعرت بسكب الماء، لقد صدمني لأنه كان باردًا جدًا، تدق الماء لم يتوقف، كان يُسكب على وجهي باستمرار ليشعرني بالغرق والاختناق، استمروا في سكب الماء على أنفي وفمي حتى شعرت حقًا أنني أغرق وكان صدري على وشك الانفجار بسبب نقص الأكسجين.

 كانت تلك هي المرة الأولى التي شعرت فيها أنني سأموت من الغرق، كل ما أتذكره هو أنني بدأت أتقيأ الماء مع الأرز والفاصوليا التي كانت تقدم لي.

 وضعوا السرير في وضع عمودي بينما كنت مقيدًا به، أزالوا الغطاء، حالما انتهيت من التقيؤ [أفرغت معدتي من الماء والطعام] أعادوا السرير إلى الوضع الأفقي، كنت أسعل وأحاول التنفس…. مرت بضع دقائق فقط قبل أن يضعوا القماش الأسود فوق رأسي مرة أخرى، حاولت أن أصرخ: “لا أعرف شيئًا” لكنني فجأة شعرت أن الماء يتدفق مرة أخرى، أجروا نفس العملية ثلاث مرات في ذلك اليوم، في كل مرة يمسكون رأسي قليلاً حتى ينخفض ​​رأسي مما يزيد من صعوبة تحمل الماء المتدفق بداخلي.

كانت المعاناة تزداد حدة في كل مرة، أوقفوا العملية لبضع دقائق للسماح لي بالتنفس أو التقيؤ، ثم استأنفوا العملية، بعد المرة الثالثة في ذلك اليوم، أبقوا الغطاء على رأسي، وبدأوا في طرح الأسئلة التي أجد صعوبة في الإجابة عليها بسبب صعوبة التنفس وحقيقة أنني لم أكن أعرف ما الذي كانوا يسألونني عنه.

 ثم أبعدوني عن السرير وسحبوني إلى الصندوق الطويل، دفعوني إلى الداخل وأغلقوا الباب.

 كرروا الروتين: الضرب على الحائط، الصندوق الصغير، السرير المائي، الصندوق الطويل، هذه المرة زادوا من القسوة والوحشية والوقت الذي أقضية داخل الصندوق الصغير الضيق، كما زادوا عدد المرات التي تعرضت فيها للغرق من ثلاث إلى أربع مرات وأحيانًا خمس مرات [كل يوم]، وزادوا كمية الماء البارد التي تُسكب على جسدي البارد العاري.

 [تعرض زبيدة للإغراق بالغرق 83 مرة.]

 الإذلال والترهيب والجوع والألم والتوتر والعصبية والحرمان من النوم استمروا لبعض الوقت حتى يوم واحد فعلوا كل هذه الأشياء بي، ولكن بقوة أكبر ولفترات أطول قبل أن يعيدوني إلى الصندوق الكبير.

 لاحظت أثناء التعذيب بالسرير المائي أن يدي اليمنى وقدمي اليمنى بدأتا ترتجفان، استمر هذا لأيام، كنت أستيقظ لأجد قدمي اليمنى ويدي ترتعش.

 أدركت أيضاً أنني بدأت في بعض الأحيان بالتمتمة، وهو ما اعتقدت أنه بسبب التعذيب ودرجة الحرارة المنخفضة، حدث ذلك أكثر من عدة مرات، فقدت السيطرة على التبول أثناء التعذيب على السرير المائي، بمجرد أن حدث ذلك بينما كنت أقف لساعات – طريقة تعذيب أخرى – وبعد ذلك بدأ يحدث نتيجة التوتر العصبي، وأحيانًا حتى عندما لم أكن مقيدًا بالسلاسل أو الإغراق.

 ذات ليلة راودتني رؤية، كنت غارقة في أحز اللحظات وفقدت الأمل إلا بالله، في حلمي رأيت رجلاً قال لي شيئًا بسيطًا وأنا منهار على الأرض مقيدًا ومرهقًا، قال: سيكون كل شيء على ما يرام… سيكون الأمر على ما يرام، وستتحسن الأمور. وانتهت الرؤيا بدخولهم واستئناف الضرب، لكن تلك كانت المرة الأخيرة.

 [في عام 2006 نُقل أبو زبيدة إلى غوانتنامو حيث ظل محتجزًا منذ ذلك الحين]

 في أوائل عام 2006، جاء أحد معذبي السابقين لزيارتي في زنزانتي، قال إنه آسف لما فعلوه بي، وأنهم كانوا يتصرفون بدون قواعد، ولا يمنحوني أي حقوق، ويحاولون الحصول على معلومات مني بأي طريقة ممكنة، وأنه أدرك أنني لا أعرف شيئًا عما يسألونني عنه، ثم بدأ في البكاء، كان يشعر بالخجل وحاول إخفاء ذلك عني، غادر ليمسح عينيه.

  للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا