ألقت قضية الإعدامات الأخيرة التي نفذها نظام الانقلاب العسكري بمصر ضد 9 من معارضيه الشباب، بظلالها على أعمال القمة العربية الأوروبية التي تعقد بمدينة شرم الشيخ يومي الأحد والاثنين، للمرة الأولى بين الدول العربية الأعضاء بجامعة الدولة العربية، والدول الأوروبية الأعضاء بالاتحاد الأوروبي.
وقد استبق القمة موجة انتقادات حقوقية مصرية ودولية، للدول الأوروبية المشاركة بالقمة التي يترأس رئيس الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، مع رئيس الاتحاد الأوروبي إدارة أعمالها، وحسب بيان أصدره عدد من النشطاء والسياسيين المصريين والعرب والأوروبين، ووصل “العدسة” نسخة منه، فإنه في يوم 20 فبراير 2019، قام نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي بإعدام 9 سجناء سياسيين، أُدينوا بناء على اتهامات ملفقة بالتورط في مقتل النائب العام المصري هشام بركات، وأن عملية الإعدام الأخيرة تعد الثالثة على التوالي، ضمن خطة لتنفيذ الإعدامات النهائية بشكل أسبوعي بمصر.
وأكد البيان بأن هذه الإعدامات، جاءت قبل أسبوع من حضور الزعماء الأوروبيين المتوقع إلى مصر، ومن بينهم رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك، لحضور قمة دول الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية في شرم الشيخ، وأنه من المتوقع أن يرأس تاسك الاجتماع بالمشاركة مع السيسي، ما يشير إلى أن المجتمع الدولي يبدوا أنه سعيد بالقيام بشكل علني بدعم النظام الاستبدادي المصري، ويصر على صمته المميت على أعمال القتل التي تجري بمصر، ما يعني أن الزعماء الأوروبين بهذه المشاركة، يشجعون هذه الأعمال المرعبة التي يقوم بها الدكتاتور السيسي، ويضفون عليها الشرعية.
ودعا الموقعون على البيان، القادة الأوروبيين لإعادة النظر في دعم الدكتاتور القاتل، وإلغاء حضورهم في القمة بشكل فوري. وإذا لم يستجيبوا لذلك، فإنهم سيكونون متواطئين مع السيسي في هذه الجريمة المروعة.
ماذا يريد السيسي
وتشير العديد من التحليلات التي تناولت جدول أعمال القمة، أن أهم ملف مطروح للنقاش هو ملف اللاجئين، الذي يمثل أزمة دائمة للقارة الأوروبية، في ظل وجود حلحلة في الموقف المصري تجاه هذه القضية، وهو ما يعول عليه السيسي كثيرا في التوصل لاتفاق مع الدول الأوروبية يقدم السيسي فيه نفسه باعتباره طوق نجاة لأوروبا في هذا الملف المزعج لهم.
وحسب الخبراء الذين تناولوا الموضوع بالدراسة فإن السيسي يحاول الاستفادة من أزمة اللاجئين التي تعاني منها أوروبا، بتقديم نفسه كحل وطوق نجاة لهم، مقابل الحصول على المزيد من الدعم الأوروبي، فيما يتعلق بالملفات الاقتصادية والعسكرية والحقوقية، مستدلين على ذلك بأن النظام المصري هو الوحيد من بين دول جنوب المتوسط الذي قدم نفسه لأوروبا، كحل لمشكلة اللاجئين، بعد أن تحولت مصر في السنوات الأخيرة لأحد ممرات العبور المثيرة لقلق أوروبا، وفقا لتحذيرات الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود، عندما أعلنت أن مصر خرج منها وحدها خلال عام 2016 ألف سفينة لتهريب البشر، ما جعل أوروبا تعتبر مصر كابوسا يهددها بالهجرة غير الشرعية، ولذلك كان السيسي حريصا في أكثر من مناسبة أن يؤكد على أن مصر بها أكثر من خمسة ملايين لاجئ، وهو ما يبرر كذلك الموقف المخزي لدول الاتحاد فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان بمصر، رغم موقف البرلمان الأوروبي القوي ضد انتهاكات السيسي.
ووفقا للتحليل السابق فإن السيسي يريد من المفاوضات التي جرت بين الجانبين المصري والأوروبي، التوصل لاتفاق كالذي عقدته أوروبا مع تركيا، بأن تتحول مصر لبوابة جنوبية لحراسة أوروبا، إلا أن الخلاف بين الجانبين يتمركز حول التحفظ المصري على إنشاء مراكز لاستقبال اللاجئين الذين سيتم إنقاذهم من البحر المتوسط، وأن يكون هذا المركز تحت رعاية أوروبية، لتهدئة تخوفات المنظمات الحقوقية الأوروبية.
نفي مصري
الخارجية المصرية من جانبها نفت أن تكون قضية اللاجئين، هي محور القمة، وحسب بيان المتحدث الرسمي باسم الخارجية أحمد أبو زيد، فإن القمة ستتناول كافة أوجه التعاون ولن تقتصر على موضوعات الهجرة مثلما تردد.
وهو التوضيح الذي قدمه المسؤول المصري بعد أن تناولت وسائل الإعلام الدولية تصريحات للمفوضة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية فيديريكا موغيريني ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، بأن هدف القمة هو موضوع الهجرة.
وأكدت موغيريني عن دعمها لمقترح توسك بعقد القمة لمناقشة موضوع، معربة عن اعتقادها بأنه «من المحتمل أن نجد لمشكلة الهجرة حلاً بمزيد من المسؤولية والتعاون».
لماذا غاب هؤلاء
وحسب رأي المتابعين فإن أزمة القمة لم تكن فقط في أحكام الإعدام التي نفذها نظام السيسي ضد معارضيه، وإنما في غياب عدد من الشخصيات العربية المؤثرة، في أعمال القمة، وفي مقدمتهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس السوداني عمر حسن البشير، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وكذلك أمير قطر الشيخ تميم بن حمد.
ويشير البعض إلى أن غياب بن سلمان والبشير، كان بسبب الموقف الأوروبي الرافض لهما، حيث مازال الأول محل اتهام دولي بتورطه في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وتراه أوروبا متهما رئيسيا في الجريمة رغم كل المحاولات التي تبذلها الإدارة الأمريكية، لاستبعاد هذا الاتهام.
وفي نفس الإطار يأتي غياب الرئيس السوداني البشير، الذي يواجه مظاهرات ساخنة تطالب برحيله، وهو ما دفعه لاستخدام العنف والاعتقالات ضد معارضيه الذين يصرون على مطالبهم، رغم التنازلات التي قدمها البشير في هذا الإتجاه، وتحمل أوروبا البشير مسؤولية تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية ببلاده، فضلا عن إدانته الدولية بارتكاب جرائم حرب في دارفور وكردفان.
واستدل هذا الفريق بما نقلت عددا من وسائل الإعلام العربية عن مصادر دبلوماسية مصرية بأن القاهرة توصلت إلى توافقات بين القوى الأوروبية الكبرى، وزعماء عرب، بشأن العقبات التي كانت تواجه انعقاد القمة العربية الأوروبية، في مصر ، ومستوى الحضور فيها من الجانب الأوروبي، كاشفة أنه كان هناك تنسيق مسبق بشأن حضور العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، بدلًا من ولي العهد، محمد بن سلمان، بعد اعتراضات عدد من الزعماء الأوروبيين، كما أبلغ المسؤولين بمصر البشير بصعوبة تمثيل بلاده بالقمة، بسبب الرفض الأوروبي.
إلا أن أكثر التساؤلات التي طرحها المتابعون كانت عن غياب محمد بن زايد، ومستوي التمثيل الهزيل للإمارات في القمة، حيث ذكرت صحيفة الاتحاد الإماراتية، أن الحضور سيقتصر على حاكم الفجيرة حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى في الدولة، بينما يغيب ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، ونائب رئيس الإمارات رئيس الوزراء محمد بن راشد آل مكتوم، ووزير الخارجية عبدالله بن زايد آل نهيان، وكذلك وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، وهو ما اعتبره المراقبون ترجمة للخلافات بين السيسي وبن زايد، بسبب انسحاب إعمار الإماراتية من مشروع العاصمة الإدارية بمصر.
أرقام عربية أوروبية
وفي إطار حرصها على توضيح أهمية القمة، نشرت الحكومة المصرية من خلال مكتبها الإعلامي عددا من المعلومات والأرقام عن جوانب التعاون المشتركة بين الدول العربية والأوروبية، وخاصة في مجال مواجهة تهريب الأسلحة المحظورة من خلال مشروع لبناء قدرات مراقبة الأسلحة التقليدية لدى الدول الأعضاء بالجامعة يقدر بـ 2.7 مليار يورو، فضلاً عن العمل المشترك لدعم جهود التحالف الدولي ضد داعش ومحاربة الإرهاب مع الحفاظ على حقوق الإنسان وسيادة القانون، هذا إلى جانب مساهمة الاتحاد الأوروبي في تمويل مشروع إعداد غرفة أزمات جامعة الدول العربية منذ عام 2012 بقيمة 4.4 مليون يورو، وكذلك التبادل الدبلوماسي العربي الأوروبي لتعزيز الحوار بين المسئولين العاملين في مؤسسات الاتحاد الأوروبي والأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
اضف تعليقا