العدسة _ جلال إدريس

جدل كبير ولغط واسع ينتشر خلال هذه الأيام على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، بين من يؤكد أن المصريين يؤدون صلاة الفجر في غير موعدها منذ عدة سنوات، وبين من يتهم دار الإفتاء بأنها أخطأت في الإعلان بدء شهر رمضان الكريم، وأن المصريين أفطروا يومًا في شهر رمضان.

وتأكيدًا لوجهة النظر تلك تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي صورًا وفيديوهات للقمر في السماء، وهو يبدو شبه مكتمل في طور “البدر” باليوم الثاني عشر من شهر رمضان، وهو ما دفعهم للتشكيك في الرؤية الفلكية لهلال رمضان، وهل إعلانه في مصر والدول العربية كان مبكرًا، وهل شابه بعض القصور، متسائلين عن تفسير الظاهرة وعلاقتها بالرؤية الشرعية وإعلان بدء الصيام.

فهل حقًا أفطر العرب يومًا في رمضان؟ وهل أخطأت دار الإفتاء في الإعلان عن موعد رمضان؟ وهل يصلي المصريون الفجر في غير موعده، ويمسكون عن الصيام بشكل مبكر بخلاف كثير من البلدان العربية المجاورة؟

مزاعم نشطاء مواقع التواصل

لنبدأ أولًا بما تداوله النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك؛ حيث أكد كثيرون أنهم شاهدوا القمر ليلة 12 رمضان مكتملًا، وهو ما يعني أن ليلة الـ 12 كانت بداية الليالي القمرية وليس 13 كما أقرته دار الإفتاء والبحوث الفلكية.

وعلى موقع فيسبوك، تساءل “محمد فضل” في استنكار عن سبب اكتمال القمر الليلة بدلًا من ليلة (13) و(14) رمضان، وكتب تحت صورة للقمر في السماء يبدو مكتملاً: “القمر مكتمل الليلة دي واحنا 12 رمضان المفروض وضعه ده يكون يوم 13 أو 14 معنى كده إن رمضان كان المفروض الأربع.. وأنا لاحظت ده من أول يوم ف رمضان كان الهلال أكبر من المعتاد بس قلت عادي بس دلوقتي مش عادي خاااالص واللي عاوز يتأكد معايا يشوف القمر الليلة دي”، ليرد عليه “Alaa Dragon”: “إحنا ملناش دعوة هما اللي هيشيلو ذنبنا بس هيستفيدو إيه لو كان يوم الأربع وخلوه الخميس؟”

وسخر “أحمد عابدين” من حجم القمر الليلة معتبرًا عيد الفطر هذا العام سيكون في الـ (25) من رمضان، وكتب: “بحجم القمر الموجود الليلة فالعيد السنة دي هايكون يوم ٢٥ رمضان”، وشرح محمد عبدالوهاب الظاهرة من وجهة نظره: “إمبارح لو بتركز في السما يعني ومن هواة الفلك كنت هتلاقي القمر شكله كده بدر، full moon كامل، وإحنا في يوم 11 تقريبًا، في حين إن المفروض القمر بيكون في أوج اكتماله ما بين 14-16، إن المفروض إحنا في طور الـwaxing gibbous moon أو طور الأحدب المتزايد، وفيه ناس كتير مرعوبة علي صيامها وناس تانية بتنشر دجل والقمر جاله انتفاخ وحاجات تخاريف يعني بما إن الناس متلخبطة يعني فحابب أوضح حاجة: أطوار القمر بتتعرف من حاجتين، ميعاد ظهوره واختفاؤه ودرجة لمعان القرص. مسألة الشكل دي خادعة جدًا، ولذلك حكاية تحديد الشهر بالرؤية بالعين المجردة دي بتعمل مشاكل ضخمة… القمر امبارح كان لمعانه 97% في نص الليل.

النسيء واللعب في المواقيت

فيما وصفت الكاتبة الصحفية “غادة الشريف” تلك الحالة بـ “النسيء” وتلاعب فى مواعيد بدايات الشهور الهجرية على غير الحقيقة، وكتبت: “القمر الليلة دى بدر واحنا لسه 12 رمضان!!! معنى كده إننا كان المفروض نبدأ الصيام 16 مايو مش 17 مايو!!.. اللى بيحصل ده اسمه النسيء اللى هو اللعب فى مواعيد بدايات الشهور الهجرية على غير الحقيقة فنقدم ونؤخر حسب الهوى.. ربنا نهى عن النسيء وقال: “إنما النسيء زيادة فى الكفر”.. كده يبقى ذنب صيامنا الخاطئ على مين؟”.

وكان الإعلامي إبراهيم عيسى قد أثار مؤخرًا قضية النسيء عبر أحد برامجه التلفزيونية، مدعيًا أن العرب يصمون رمضان في غير موعده، وأن الموعد الحقيقي لشهر رمضان يكون في نهاية شهر سبتمبر وبداية شهر أكتوبر.

البحوث الفلكية ترد

من جانبه ردّ معهد البحوث الفلكية على لسان رئيس المعهد على تلك المزاعم مؤكدًا عدم صحتها تمامًا، نافيًا وبشكل واضح كل ما تردّد بشأن ظهور القمر مكتملًا في ليلة الـ12 رمضان، وإثارة الجدل بشكل كبير حول صحة رؤية هلال الشهر الفضيل.

 

وقال «عودة، في تصريحات صحفية: «كل عام يحدث تضارب في رؤية الهلال، ونحن بدورنا نصور القمر في أيام 12 و13 و14 و15 رمضان»، مؤكدًا أنّ ذروة اكتمال البدر تحدث ليلة 14 رمضان.

وأضاف: «عادة تصل نسبة إضاءة البدر في ليلة 12 رمضان لـ96%، بينما تصل لنسبة 98% في ليلة 13 رمضان إلى أن يكتمل البدر في ليلة 14 رمضان، وتخفت إضاءته بعد ذلك في ليلة 15 رمضان لتصبح 96%».

وتابع: «لا تحسب مسألة اكتمال البدر بالنظر إليه عن طريق العين المجردة، لكن تحسب بالأجهزة الفلكية التي تقيس النسب بدقة».

فتنة موعد صلاة الفجر

وكعادة كل عام يدور الحديث الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي عن موعد “صلاة الفجر في مصر” وأن توقيته خاطئ، خصوصًا بعدما زعم باحث مصري يدعى ياسر عبدالفتاح منذ عدة أعوام إن “المسلمين، خاصة المصريين، يصلون الفجر في توقيت خطأ منذ 100 عام، وإن المسلمين اعتمدوا منذ تلك الفترة على باحث فلك بريطاني لتحديد موعد صلاة الفجر الذي حدّده في مواقيت خاطئة”.

وعلى هذا يشكك البعض في توقيت صلاة الفجر في مصر، ويؤكدون أن الأذان الصحيح يكون بعد التوقيت الحالي بثلث ساعة تقريبًا، وبالتالي فإن إمساك المصريين عن الطعام يكون مبكرًا عن موعده، وكذلك صلاة الفجر تكون في موعدها.

الأمر وصل إلى قيام بعض المحامين برفع دعاوى قضائية أمام المحاكم المصرية؛ حيث اختصمت الدعوى رقم 33766 لسنة 71 قضائية، الدكتور محمد مختار جمعة بصفته وزير الأوقاف، وقالت الدعوى: “إنه فى الثمانينيات بالقرن الماضى ثارت على صفحات الصحف وفى دور العلم قضية المواقيت الصحيحة للصلاة وبالأخص صلاة الفجر، ونشرت العديد من الدراسات والتي انتهت فى نتيجتها إلى أن مواقيت الصلاة فى مصر تقوم فى غير التوقيت الصحيح لها، وأنّ صلاة الفجر يؤذن لها قبل وقتها الصحيح بفارق توقيت من خمسة وعشرين إلى أربعين دقيقة، بما يعنى أنّ صلاة الفجر تؤدي قبل دخول الوقت الذي هو من أهم شروط صحة الصلاة ووجوبها”.

وفى سياق متصل قال عبد الرحمن لطفى صاحب الدعوى: “سوف يستعين بشهادة علماء الفلك الذين يؤكدون صحة كلامه” مضيفًا :”المصريون يؤدون صلاة الفجر فى توقيت خاطئ منذ  110 أعوام ولذلك تقدمت بدعوى قضائية حتى تكون صلاة المصريين صحيحة”.

الأزهر يحسم الجدل

من جانبه حسم الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية في بيان صادر عن المجمع في شهر مارس الماضي قضية موعد صلاة الفجر، حيث أكد أن توقيت أداء المسلمين لصلاة الفجر هو وقت أذان الفجر المعمول به في مصر، وأن صلاة الفجر بعد الأذان مباشرة صحيحة شرعًا، وموافقة للأدلة الشرعية الصحيحة والثابتة من كتاب الله تعالى وسُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإجماع علماء الأمة سلفًا وخلفًا.

وأشار المجمع في بيانه إلى أن ما يثار– بين حين وآخر- من أن صلاة الفجر لا تصح إلا بعد الأذان بثلث ساعة هو قول باطل وغير صحيح شرعًا، ويؤدي إلى البلبلة ويخالف الثابت شرعًا.

وطالب مجمع البحوث، كل المسلمين في مصر بعدم الالتفات إلى هذه البلبلة، ويتعيَّن عليهم الالتزام بالرأي الشرعي الوارد بالبيان الصادر عن المجمع.

كما  أصدر الدكتور شوقى علام مفتي الجمهورية بيانا عام 2016 ، حسم فيه الجدل الدائر في هذا الأمر بقوله: إن دعوى بدء الفجر من درجة 15 أو نحوها هي دعوى باطلة مخالفة لِمَا تقتضيه الأحاديث النبوية؛ من أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي سُنة الفجر، ثم يغفو إغفاءة يسيرة، ثم يقوم إلى صلاة الفجر ويطيل القراءة فيها، ومع ذلك فإنّ النساء كن يخرجن بعد الصلاة لا يُعرَفْنَ من الغلس؛ وهو: ظلمة آخر الليل، ولا يكاد الرجل يعرف صاحبه؛ أي: بسبب الظلمة، وهذا كله لا يتفق بحالٍ مع هذه الدرجة المدَّعاة، وإنما يتصوَّر مع ما عليه العمل في مصر وسائر البلاد الإسلامية من أن وقت الفجر بين (18-19.5).

وأضاف أن هذه الدعوى تخالف الآثار عن الخلفاء الراشدين والصحابة والسلف الصالح، من أنهم كانوا يقرأون بالسور الطوال والآيات الكثيرة، ولا تطلع عليهم الشمس؛ فقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ربما قرأ في الفجر بسورة البقرة، وكان عمر الفاروق رضي الله عنه يكثر من قراءة سورتي يوسف والحج، وربما قرأ بسورة آل عمران، وكان عليٌّ كرم الله وجهه ربما قرأ بسورة الأنبياء، وقرأ سعيد بن جبير بسورة الإسراء.