باسم الشجاعي                                  

منذ أن بدأ قائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي”، ولايته الثانية في يونيو الجاري والمصريون يحبسون أنفاسهم؛ بسبب تخوفهم من موجة الغلاء الجديدة المرتقبة في الأسعار.

فـ”السيسي”، منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق “محمد مرسي”، دائمًا ما يطالب أبناء شعبه “بالصبر”، وتحمل القرارات “الصعبة” التي تصب في “مصلحة المواطن”، والتي عادةً ما تصدر يوم “الخميس” من كل أسبوع.

وحظيت كلمة “المصلحة” في الآونة الأخيرة في مصر بالعديد من المرادفات التي جعلتها عنوانًا واختصارًا للكثير من الدلالات.

وأكثر المرادفات رواجًا لـ”المصلحة”، ما يحمله الحديث الدائم بين المسؤولين في مصر وبين المواطن، فالمسؤولون المصريون يرون أن القرارات التي يتخذونها أو تتخذها الحكومة تصبّ في “مصلحة المواطن”، وهو تعبير يعني أنها تعود عليه بالنفع والإفادة، لكن المواطن المصري يرى أن “مصلحته” ليس من مصلحتها هذه القرارات المتتالية؛ لأنها لم تعد تقوى على تحمُّل مزيد منها.

الزيادة الخامسة

ومؤخرًا أعلن وزير الكهرباء المصري “محمد شاكر”، في مؤتمر صحفيالثلاثاء” 12 يونيو، زيادات جديدة في أسعار الكهرباء في مصر.

ويأتي ذلك في إطار خطة رفع الدعم عن الكهرباء، لتصبح هذه الزيادة هي السادسة خلال 6 سنوات، وفي إطار خطة الحكومة لرفع الدعم نهائيًا عن أسعار الكهرباء في العام المالي 2019-2020، وفقاً لاتفاقها مع صندوق النقد الدولي.

هذه الزيادات لم تستثن شريحة اجتماعية واحدة، وإنما طالت الجميع، وإن كانت الطبقات الأكثر فقرًا هي التي تحملت نسبة الزيادة الأكبر.

وبالزيادة الجديدة لأسعار الكهرباء تكون الحكومة المصرية قد رفعت أسعار الكهرباء 5 مرات في فترة 4 سنوات، الأولى كانت في يوليو 2014 ثم في يوليو 2015 وفي يوليو 2016، وبعدها في يوليو 2017، وأخيرًا في يوليو 2018.

والشريحة الأعلى استهلاكًا هي أول الشرائح خارج الدعم الحكومي لأسعار الكهرباء بعد ارتفاعها من 135 قرشًا للكيلو وات، وحتى 145 قرشًا للكيلو وات، بزيادة 10 قروش كاملة، وهو ما قد يظهر كقفزة كبيرة، إلا أنه بحساب مقدار الزيادات لهذه الشريحة مقابل الشرائح الأقل، نجد أنها الأقل زيادة.

وتضاعف المقابل الذي تدفعه هذه الشريحة من 2012 وحتى الآن بنسبة 302%، وزاد المقابل الذي تدفعه الشريحة الوسطى في نفس الفترة الزمنية 437%، بينما زاد المقابل الذي تدفعه الشريحة الأقل استهلاكًا للكهرباء في نفس الفترة الزمنية 440%، أي أن نسبة الزيادة الأعلى كانت من نصيب الشريحة الأفقر، وبما أن تلك الشريحة كانت معفاة من الزيادة حتى العام 2014، فكل هذه الزيادات تمّت في عهد وزير الكهرباء الحالي.

و لم يرَ المسؤول المصري أن الزيادات التي يقررها على الشريحة الأقل استهلاكًا قد تتعب جيوبهم أو تصيبهم بالفزع فقبيل المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه عن الزيادة الأخيرة في أسعار الكهرباء، قال “شاكر”: إن الزيادات لن تشكل أزمة لمحدودي الدخل، وخلال المؤتمر أصرّ على موقفه.

وظلّت أسعار الكهرباء في مصر ثابتة منذ العام 2008 وحتى العام 2011؛ حيث إن أول زيادة واجهها المواطنون في أسعار الكهرباء أعلن عنها في ديسمبر 2012 ، والتي تم تطبيقها على خمس شرائح فقط، دون مساس بالشريحة الأقل استهلاكًا (0-50)، وبدأت الزيادة بنصف قرش للشريحة الثانية (51-200 كيلو وات شهريًا)، حتى 9 قروش للشريحة الأعلى استهلاكًا (أكثر من 1000 كيلو وات شهريًا).

واجهت الزيادة الأولى غضبًا كبيرًا من المواطنين، خاصة مع بدء تلقيهم الفواتير بالأسعار الجديدة، تزامنًا مع سوء في الخدمة وانقطاعات طويلة في التيّار الكهربائي لساعات طويلة.

ورصدت الصحافة المصرية وقتها، على اختلاف توجّهاتها ومموليها آثار الغضب وسوء الخدمة سواء من خلال نقل أصوات المواطنين الغاضبة من الأسعار أو معايشة التغيرات التي طرأت على حياتهم إزاء الانقطاعات الطويلة في الكهرباء، كشراء الأسر لمولدات الكهرباء الاحتياطيّة، والعودة إلى لمبات الجاز.

وتطور الغضب لتكون الكهرباء واحدة من أسباب نزول المواطنين ضد الرئيس المصري الأسبق “محمد مرسي” الذي تم الإطاحة به في 3 يوليو 2013.

وبعد انتخابات رئاسية “شكلية” أتت بـ”السيسي” في يونيو 2014، لن يمر شهر على توليه منصبه حتى يعلن وزير الكهرباء “محمد شاكر” عن نيّة الحكومة رفع الدعم بالكامل عن الكهرباء من خلال خطة لرفع أسعار الكهرباء تدريجيًا على خمسة أعوام بداية من العام المالي 2014/2015 تنتهي في 2019.

هل سيثور المصريون؟

هذه الإجراءات المستمرة زادت من مستوى الغضب الشعبي ضد “السيسي”، من مؤيديه قبل معارضيه، بالشكل الذي يفرض تساؤلًا منطقيًا حول قدرة المصريين على احتمال مزيد من هذه الإجراءات خلال السنوات المقبلة، أم أنهم سيثورون ضد تلك السياسات، كما حدث مؤخرًا في الأردن مما دفع الحكومة للاستقالة والتراجع عن فرض مزيد من الضرائب.

فثمة نار تحت الرماد في مصر، هذا ما كشفته الاحتجاجات ضد رفع أسعار تذكرة المترو في منتصف الشهر المنصرم.

وكان تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي العديد من مقاطع الفيديو والصور لاحتجاجات متنوعة في الكثير من محطات المترو ضد قرار وزارة النقل، برفع أسعار التذاكر من جنيهين إلى ما بين ثلاث وسبع جنيهات، حسب عدد المحطات.

وأظهرت المقاطع تظاهرات ومشدات بين الركاب والشرطة، وامتدت ردود الأفعال إلى دعوات لمقاطعة المرفق، وبالإضافة إلى ابتكار تطبيقات إلكترونية للتحايل على هذه الزيادات.

وهو ما دفع قوات الأمن لتكثيف تواجدها بالمحطات وخارجها، كما ألقت القبض على العشرات من المحتجين، وذلك لوأد أي تحركات غاضبة، والتي نجحت بالفعل في قمع الاحتجاجات، لكن الغضب ما زال يملأ صدور المصريين.

وتتخوف أوساط سياسية واقتصادية في مصر، من أن تؤدي موجة الغلاء الجديدة المرتقبة في أسعار الوقود بعد الكهرباء والمياه، الشهر المقبل، من رفض شعبي لها، على غرار ما حصل في الأردن الشهر الماضي.

هل اطمأن “السيسي” لسكون الشعب؟

ويبدو أنّ “السيسي” الذي تعمد أن يتجاهل التقرير الذي حذرته من احتجاجات شعبية، قرر أن يمضي قدمًا في تطبيق الزيادات بأسعار المواد البترولية والكهرباء والمياه.

ولكن ما الذي أوصل “السيسي” إلى هذه القناعة، والعوامل التي صاغت قدرته على أن يأمن أي تحرك ؟

ولعل ذلك يستند إلى مجموعة من الأمور، أبرزها:

-ملل الثورات..  فخلال الفترة الماضية قام المصريون بثورتين لم تتحسن خلالهما أحوالهم المعيشية، بل تدنت على وضع استرحموا فيه على أيام مبارك، وعليه فإن أي ثورة أخرى لن تكون ذات جدوى بل ستؤدي لمزيد من التراجع.

-الخوف من المجهول.. “مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق” هذا الشبح المخيف الذي تشهره السلطة دومًا في وجه الشعب، رسخ لديه قاعدة الخوف من المجهول.

-عدم الاطمئنان للبديل.. شيطنة السلطة للمعارضة وتشويه كل الرموز التي يمكن أن تلعب دور البديل لـ”السيسي”.

-القبضة الأمنية.. من بين العوامل التي شكلت ثقافة المصريين المهادنة مع السيسي تلك القبضة الأمنية القوية التي عادت بوزارة الداخلية وأجهزة الأمن، إلى أسوأ ما كانت عليه في عهد “مبارك”.

لماذا تجاهل “السيسي” البدائل؟

وفي ظل الغضب المكتوم في نفوس المصريين، يبقى سؤال آخر للشارع المصري، لماذا تجاهلت الدولة بدائل إلغاء الدعم، ورفع الأسعار، خاصة على محدودي الدخل والفقراء؟

ويشير آخر بحث قام به الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي) عن “الدخل والإنفاق في الأسرة المصرية” صدر في يوليو 2016 إلى أن معدلات الفقر وصلت في 2015 إلى 27.8 % أي نحو 25 مليون مصري تحت خط الفقر ويقل دخل الفرد في هذه الشريحة عن 482 جنيهًا شهريًا.

و يعيش في مصر نحو 5.3% من السكان تحت خط الفقر المدقع أي 4.7 مليون مواطن ويبلغ متوسط دخل الفرد في هذه الفئة 322 جنيهًا شهريًا.

ومن المؤكد أن هذه الأرقام اختلفت تمامًا بعد تعويم الجنيه في نوفمبر 2016 وارتفاع معدلات التضخم.

ومن بين هذه البدائل فرض رسوم على السلع الاستفزازية أو السلع غير الأساسية.

وكانت أظهرت بيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في فبراير الماضي، استيراد الدولة لدمى سواء معدة للزينة أو على صورة ملابس وبالونات ولعب أطفال بقيمة تجاوزت 16.9 مليون دولار خلال 8 أشهر.

وتضمنت واردات مصر في تلك الفترة أيضًا، استيراد أدوات رياضية متنوعة بين زلاجات للتزحلق على الجليد وكرات للتنس والطاولة ومضارب وصنانير وعصى للجولف وغيرها من الأدوات بقيمة تجاوزت 21.9 مليون دولار.

وفي تقرير آخر للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تم رصد حجم واردات مصر من المشروبات الكحولية، والتي يتم استيرادها من الخارج، وتجاوزت قيمة هذه الواردات مبلغ 296 مليون جنيه مصري لعام 2016، في مقابل صادرات مصر والتي قدرت بمبلغ 133 مليون جنيه.

“السيسي” تجاهل أيضا تطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور، الذي كان من مطالب ثورة 25  يناير 2011، وتتفاوت الأجور بشكل كبير في القطاع العام والتي تصل إلى 900% بين موظف وآخر، وفق ما أكد خبراء.

وكانت تحدثت تقارير إعلامية في وقت سابق من عام 2015، أن تقديرات رئاسة الجمهورية في شأن تطبيق الحد الأقصى للأجور يوفر 13 مليار جنيه على الموازنة العامة للدولة، ما يعني أن الرقم قابل للزيادة.

فضلًا عن استثناء الجيش والشرطة والقضاء من “الحد الأقصى” يُهدر 16 مليار جنيه على الدولة.

هل كانت الزيادة حتمية؟

على الرغم من قفزات أسعار النفط في عام 2013 التي حكم فيها الرئيس “محمد مرسي”، لم تشهد أسعار الكهرباء أي زيادة، علمًا أن سعر برميل النفط بلغ خلال عامي 2012 و2013 حول 110 -115 دولارًا، وبدأت أسعار النفط في الانخفاض تدريجيًا منذ يونيو 2014 حتى وصل نهاية العام إلى 57 دولارًا، ثم واصل الانخفاض خلال عامي 2015 و2016، إذ وصل إلى 30 دولارًا في يناير 2016، وبدأ بالتعافي مطلع عام 2017 حتى وصل السعر إلى 76 دولارًا حاليًا.

هذا يعني أن معظم زيادات الكهرباء حدثت تقريبًا خلال فترات انخفاض سعر النفط، كما أن عودة أسعار النفط إلى الارتفاع لم تصل بعد إلى ذروة الارتفاعات التي شهدها سعر البرميل التي كانت خلال عامي 2012 و2013.

كما يمكن الاستنتاج أن ضغط أسعار الوقود على الموازنة المصرية في السنوات الخمس الأخيرة أقل بكثير مما كانت عليه قبل ذلك، وأن الدعم الممنوح كان أكبر مما هو عليه خلال السنوات الخمس الأخيرة.

وربما يكون العامل الجديد خلال السنتين الماضيتين هو تحرير سعر صرف الجنيه المصري (التعويم)؛ إذ ارتفع سعر الدولار مقابل الجنيه من 7 جنيهات للدولار في يونيو 2013 إلى 18 جنيهًا تقريبًا في المتوسط منذ تعويم الجنيه في نوفمبر 2016 وحتى الآن.
ويعني هذا أيضاً أن أسعار الوقود ظلت 3 سنوات تقريبًا تدور حول ثلث إلى نصف سعرها عما كانت عليه عام 2013، وفي ظل سعر دولار تقريبًا بين 7 إلى 9 جنيهات، وهو ما يعني أن رفع أسعار الكهرباء يأتي في إطار خطة لتحرير الأسعار وإلغاء الدعم وليس مرتبطًا بأسعار الوقود أو تعويم الجنيه.