في تطور ميداني لافت يعكس استمرار المقاومة الفلسطينية في استنزاف الاحتلال الإسرائيلي على جبهات متعددة، أعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مساء الأحد 15 يونيو/حزيران، تنفيذ عمليتين نوعيتين ضد أهداف إسرائيلية، الأولى بقصف مستوطنة ماجين بالصواريخ قصيرة المدى، والثانية باستهداف مباشر لقوة راجلة مكونة من 11 جنديا إسرائيليا شرق خان يونس، مما أدى – بحسب بيان الكتائب – إلى وقوع قتلى وجرحى في صفوفهم.
ضربات دقيقة في العمق الإسرائيلي
أوضحت القسام أن مستوطنة “ماجين”، الواقعة شمال غرب صحراء النقب ضمن ما يُعرف بـ”غلاف غزة”، تعرضت لقصف بصواريخ “رجوم” عيار 114 ملم. هذا النوع من الصواريخ القصيرة المدى يشير إلى تصعيد تكتيكي مدروس، يعكس قدرة المقاومة على استهداف النقاط السكنية والعسكرية الحساسة المحيطة بالقطاع رغم التضييق الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي.
ماجين، التي أقيمت عام 1949 على أنقاض قرية الشيخ نوران الفلسطينية، تعتبر رمزا للاستيطان الإسرائيلي العميق جنوب البلاد، وإصابتها تشكل إحراجا أمنيا وعسكريا، خصوصاً في ظل الحديث الإسرائيلي المتكرر عن “السيطرة الأمنية الكاملة” على محيط غزة.
كمين نوعي في عبسان شرق خان يونس
في العملية الثانية التي تحمل طابعا نوعيا، أعلنت القسام أنها نصبت كميناً لقوة راجلة إسرائيلية في منطقة عبسان الكبيرة شرق خان يونس. وتم استهداف الجنود، وعددهم 11، بقذيفة مضادة للأفراد، ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد منهم، بحسب رواية القسام، التي عادة ما تتسم بالدقة الميدانية، وتسبق البيانات الإسرائيلية التي تتأخر أو تمتنع عن إعلان الخسائر.
اللافت أن الاستهداف جاء في مناطق توصف بأنها “ممسوحة استخباراتياً” من جانب الاحتلال، ما يعني أن المقاومة تحتفظ بمرونة ميدانية وشبكات رصد تمكنها من استدراج القوات والتعامل معها بمزيج من التكتيك العسكري والمفاجأة.
مقاطع مصورة ورسائل ضمنية
كتائب القسام بثّت، بالتزامن مع الإعلان عن عمليتي الأحد، مقاطع مصورة من عمليات سابقة جرت أواخر مايو/أيار الماضي شمال القطاع، في منطقة العطاطرة ببيت لاهيا، تُظهر استهداف قوتين إسرائيليتين، إحداهما كانت راجلة والأخرى تحصنت بمنزل.
وقد استخدمت القسام قذيفة مضادة للدروع من طراز “TBG” ضد الجنود المتحصنين داخل المنزل، وهي قذيفة ذات فاعلية عالية في إصابة الأفراد خلف الجدران، ما يدل على تطور نوعي في التسليح والخبرة القتالية للمقاومة. كما أن إعادة بث هذه المقاطع الآن يحمل رسائل مزدوجة: تثبيت صورة الانتصار، وتذكير الاحتلال بخسائره المستمرة.
بيان سياسي داعم لإيران: تحالف الميادين
في الجانب السياسي، أصدرت كتائب القسام بيانا لافتاً مساء الأحد، عبّرت فيه عن دعمها العلني لإيران “قيادة وشعبا”، مثنية على “الدور المحوري والتاريخي” الذي لعبه القادة الإيرانيون في دعم القضية الفلسطينية والمقاومة.
وأكدت القسام أن “الفعل البطولي للقوات المسلحة الإيرانية هز أركان كيان الاحتلال”، في إشارة إلى الضربات الصاروخية الإيرانية الأخيرة التي استهدفت مواقع داخل الأراضي المحتلة، والتي أثارت حالة من الهلع داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ودفعت للتشكيك مجدداً بفعالية منظومات الدفاع الجوي.
وأشادت القسام بالشعب الإيراني الذي وصفته بأنه “سند دائم للمقاومة”، ونعت القادة الإيرانيين الذين قضوا جراء العدوان الإسرائيلي، معتبرة أن “الدماء التي سالت على طريق القدس قد قرّبتنا أكثر من أي وقت مضى إلى النصر النهائي”.
هشاشة الاحتلال رغم التفوق العسكري
عمليات القسام الأخيرة تؤكد هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ليس فقط من جهة سقوط الصواريخ على مستوطنات مثل ماجين، بل أيضا بسبب عجز قوات النخبة عن تأمين تحركها البري في القطاع. فالقوات التي تتعرض لكمائن متكررة رغم التحليق المكثف للطيران والدعم المدفعي، تُظهر محدودية قدرة الجيش على حسم المواجهة، مهما امتلك من وسائل متقدمة.
كما أن تكرار استهداف الجنود في مناطق خان يونس وبيت لاهيا يعكس اختراقا واضحا في منظومة التنسيق والاستطلاع الإسرائيلي، ويؤكد امتلاك القسام معلومات لحظية عن تحركات العدو، وهو تطور يُربك حسابات الاحتلال.
رسائل متزامنة: ميدانية وسياسية
في المجمل، تحمل عمليات كتائب القسام أبعاداً ميدانية وسياسية متزامنة، فهي تثبت حضور المقاومة في ساحة القتال وتعلن عن تحالفها السياسي مع محور إقليمي يواجه إسرائيل علنا، وتضع الاحتلال أمام جبهات مشتعلة من غزة ولبنان وسوريا، وصولاً إلى إيران.
إن ما يجري ليس مجرد مناوشات عسكرية، بل تحول في نمط المواجهة، حيث لم تعد المقاومة محاصرة داخل القطاع، بل أضحت فاعلاً إقليمياً في مشهد متغير، تنسق، تقاتل، وتبادر. وهذا ما يجعل من عمليات مثل قصف ماجين أو كمين عبسان أكثر من مجرد أحداث ميدانية، بل مؤشرات على مستقبل جديد للمقاومة في فلسطين.
اقرأ أيضًا : الأردن يعترض صواريخ إيران لحماية الاحتلال.. وخيانة الملك مستمرة
اضف تعليقا