العدسة – ياسين وجدي:

قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، أنه لن يستطيع التخلي عن دعم السعودية في أزمة تورطها في مقتل الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي، رغم أنه يواجه رفضا أمريكيا داخليا.

فهل يستطيع “ترامب” وقف الحصار المتصاعد دوليا  بدعم السعودية أما أن الأمر مجرد طق حنك لمزيد من الابتزاز و”حلب البقرة السعودية كما يسميها ؟، وهل ينفع أصلا السعودية هذا الدعم المشروط ؟، ويبدو أن الإجابة الأقرب للواقع وفقا لمحللين ومراقبين ، هي :”لا” للعديد من الأسباب.

مجرد ابتزاز !

كما توقعنا في سيناريوهات “العدسة” الأربع منذ أيام  فإن “ترامب” لن يتخلى عن السعودية وفقا لآخر تصريحاته، التي أطلقها الأربعاء ، وألقى بالكرة في ملعب تركيا ، حيث طلب منها الحصول على تسجيلات صوتية تقول مصادر تركية إنها تشير إلى أن ضباطا سعوديين قتلوه.

وبحسب مراقبين فإن هذا الدعم ، لن يخدم الأهداف السعودية ، لأنه دعم مشروط ومؤقت ، ويدخل ضمن حسابات البيت الأبيض في مواجهة روسيا والصين في صراع صفقات الأسلحة، خاصة أن “ترامب” تحدث بوضوح أكثر مرة واصفا إنزال العقوبات على السعودية بأنه سيكون بمنزلة “قرص من الصعب جداً على بلدنا ابتلاعه”، موضحا أنه لا يرى سببا يمنع استثمارات السعودية في الولايات المتحدة حيث أن المملكة تملك خيارات أخرى لشراء الأسلحة والاستثمار غير أمريكا ومنها روسيا والصين.

ابتزاز “ترامب” لـ”البقرة الحلوب” كما يحب أن يصف السعودية ، ليس وليد الأزمة ، بل منذ زيارته إلى الرياض في العام 2017  ، مرورا بزيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للبيت الأبيض نهاية مايو الماضي ، وانتهاءا بإعلانه قبل أيام طلبه الدفع من العاهل السعودي مقابل الحماية ، وهو ما فجر صدى واسعا وتراشقات بين الجانبين ، انتهت باعتراف بن سلمان بحبه للعمل مع ترامب رغم الإهانة.

غضب أمريكي داخلي

هذا التوجه الذي يقوم به “ترامب ” يواجه بحصار داخلي أمريكي ، تصدره السيناتور الأمريكي راند بول بطلبه وقف مبيعات الأسلحة للسعودية ، وتعليق وزير الطاقة الأمريكي السابق إرنست مونيز دوره الاستشاري بمشروع مدينة “نيوم” السعودي، بجانب طلب نواب أمريكيين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي استخدام قانون “جلوبال ماجنتسكي لحقوق الإنسان والمساءلة” ضد السعودية.

كما يتصدر الحصار كذلك أبرز المقربين من ترامب وهو السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام عضو مجلس الشيوخ البارز الذي تعهد بعدم السماح ببقاء ولي العهد السعودي وحتمية رحيله .

جراهام كان واضحا جدا، وهو يوضح في خطاباته الكثيرة في الساعات الماضية طريقة الحل للسعوديين ، قائلا : “هذا الرجل يجب أن يرحل، هل تسمعونني في ​السعودية​؟ هناك الكثير من الأشخاص الجيدين الذين يمكنكم الاختيار من بينهم، لكن محمد بن سلمان لطخ بلادكم ونفسه”.

ويظهر من تصريحات جراهام ثمة قرار للتضحية بسلمان الابن مقابل بقاء الدعم للمملكة ، وهذا يظهر في تصريحه بأنه “أحد أشد المؤيدين للسعودية في ​الكونغرس​، لكنه يشعر الآن أن هذا الدعم ليس في محله في ضوء أزمة خاشقجي” وأن “​الولايات المتحدة​ ستتخذ إجراء إذا كانت السعودية مرتبطة باختفاء خاشقجي”.

ويتوزاى ذلك مع ما نشرته صحيفة “التايمز” البريطانية، في مقال بعنوان “من يخلف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان”، متوقعة أنه إذا قرر الملك سلمان التضحية بولي العهد فإنه على الأرجح سيفضل أن يظل المنصب في هذا الفرع من العائلة وهو ما يجعل الأمير خالد بن سلمان سفير السعودية في واشنطن الذي استدعي في أعقاب الأحداث في إسطنبول هو البديل المحتمل”.

ويضاف إلى ذلك كله تشكيل الإعلام الأمريكي بحسب مراقبين ما يشبه الجبهة الموحدة لمعارضة نهج إدارة ترامب في القضية وكشف المتورطين فيها ومحاسبتهم وعلى رأسهم الأمير محمد بن سلمان، خاصة أن صحيفة ” الواشنطن بوست” تعتبر قضية اختفاء كاتبها ” خاشقجي” قضية كبرى، ذات نضال سابق في كشف فضيحة ووترجيت التي أطاحت بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، ويرجح كثيرون أنها لن تصمت إلا بالإطاحة بسلمان الابن على الأقل.

الموقف الدولي

الموقف الدولي يجهض بحسب مراقبين أي دعم قد يقدمه “ترامب” للسعودية، خاصة أن الإجراءات اتخذت شكلا عمليا بعد أن بدأت بتصريحات لاذعة من الاتحاد الأوروبي ومسئولو المفوضية السامية لحقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة.

المواقف العقابية تخطت ترامب بشكل كامل ، ومن أحدثها إلغاء الحكومة الهولندية الخميس بعثة تجارية للسعودية كانت مقررة الشهر المقبل بسبب اختفاء “خاشقجي”، بعد إعلان وزير المالية فوبكه هوكسترا إلغاء خططه للمشاركة في مؤتمر استثماري بارز بالسعودية الأسبوع المقبل يعقد تحت رعاية سلمان الابن .

وانضم وزير المالية الفرنسي برونو لومير الخميس كذلك إلى قائمة موسعة من الوزراء والرؤساء التنفيذيين الذين ألغوا مشاركتهم في ذات المؤتمر، وقال لومير إنه يتعين على السلطات السعودية أن تفسر أسباب اختفاء خاشقجي ، وهو ما سبقه إليه مسئولون دوليون واقتصاديون وأمميون.

وانضمت كذلك ميشيل باليشيت المفوضة السامية للأمم المتحدة قبل يومين إلى الحصار الدولي المفروض على السعودية ، وسددت ضربة قوية بإعلانها أهمية رفع الحصانة عن قنصلية السعودية لتفعيل التحقيق الدولي ، لتكون الأمم المتحدة بأكبر رموزها في المواجهة مع السعودية ، بعد أن سبقها ستيفان دوغريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة مؤكدا قلق المنظمة مما حدث ومتابعتها الأمر حتى كشف الحقيقة والأمين العام للأمم للمتحدة أنطونيو غوتيريش الذي شدد على أهمية التعاون السعودي في التحقيقات الجارية  ، بالتزامن مع حراك قوي من خبراء المفوضية السامية لحقوق الانسان الذين أصدروا بيانا مشتركا نددوا فيه بالقمع في السعودية وطالبوا بإجراء تحقيق دولي مستقل وفوري في القضية .

وفي هذا الإطار يرى المتخصص في الشأن الأمريكي المقيم في واشنطن محمد المنشاوي أن الحراك العالمي، والحراك الواشنطوني ضد السعودية خلال الأسبوعين الأخيرين غير مسبوق ولن يهدأ بمحاولات وصفقات هنا وهناك للتغطية على المسئول الحقيقي وراء مقتل جمال خاشقجي ، مؤكدا أن محمد بن سلمان أصبح شيئا من الماضي ومن التاريخ ولن يصبح ملكا ليبقى في الحكم لنصف قرن قادم.

 السيادة التركية

وتقف السيادة التركية ، ورغبة الأتراك في السلطة والمعارضة في القصاص لكرامة تركيا التي أهدرت على أراضيها بعد اختفاء صحفي بارز كـ”خاشقجي” .

وبحسب الكاتب الكبير عبد الباري عطوان فإن تركيا شكلت بجانب الإعلام والمشرعين الأمريكيين ثلاث جَبَهات رئيسية  تتوحد لإبقاء جريمة اغتيال خاشقجي حيةً تستعصي على الموت،حيث تريد تركيا الإبقاء على الزخم الإعلامي الحالي لأطول فترة ممكنة.

ميدانيا ، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن منذ اللحظات الأولى أنه يتابع بنفسه القضية، واستقبل اتصالا من العاهل السعودي الملك سلمان ، يتعهد فيه الأخير بعلاقات صلبة مع تركيا ، بالتزامن مع تحركات المعارضة التركية في مسار الحديث عن السيادة التركية وضرورة محاسبة المتورطين بجانب تسريبات إعلامية تركية تحظى بجانب من التغطية العالمية يماثل متابعة المسلسلات التركية بحسب تعبير البعض.