في تحول استراتيجي لافت، بدأ النظام الإماراتي بتغيير نهجه في السودان، حيث انتقل من دعم الحرب المباشرة إلى تبني تكتيكات التفكيك الداخلي، وذلك بعد أن نجحت الحكومة السودانية الجديدة في تقليص نفوذ عملاء أبوظبي واحتواء بعض التوترات القبلية. هذا التغيير يعكس إدراك النظام الإماراتي أن الرهان على الفوضى المسلحة لم يعد مجديًا، وأن السيطرة على السودان تتطلب أدوات أكثر دهاءً، عبر إشعال الصراعات الداخلية، وشراء الولاءات السياسية، والتلاعب بالاقتصاد لضمان بقاء البلاد في حالة ضعف دائم.
التحولات الأخيرة في السودان.. لماذا تراجع النظام الإماراتي عن الحرب المباشرة؟
على مدار سنوات، كان النظام الإماراتي الداعم الرئيسي لقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حيث ضخت أبوظبي مليارات الدولارات في دعم هذه الميليشيات، أملاً في خلق واقع سياسي جديد يضمن بقاء السودان تحت الهيمنة الإماراتية. لكن مع تراجع نفوذ قوات الدعم السريع، ونجاح الحكومة السودانية الجديدة في اتخاذ قرارات أكثر استقلالية، بات واضحًا أن الاستراتيجية القديمة لم تعد تحقق أهدافها، ما دفع النظام الإماراتي إلى إعادة التموضع واستخدام أدوات أكثر خبثًا في معركته للسيطرة على السودان.
إضافة إلى ذلك، ساهم هدوء التوتر بين قبائل السودان الكبرى، مثل قبائل القيد والدروز، في عرقلة خطط الإمارات الرامية إلى إشعال فتيل الفوضى الأهلية داخل البلاد. ومع تضييق الخناق على قوات الدعم السريع وخسارتها لبعض معاقلها الاستراتيجية، أدركت أبوظبي أن الحرب المباشرة لم تعد تحقق أهدافها، وأن النهج العسكري وحده لا يكفي لفرض سيطرتها على السودان.
تكتيك جديد من الحرب المباشرة إلى حرب التفكيك الهادئة
لم تتخلَّ الإمارات عن طموحاتها التوسعية في السودان، لكنها انتقلت إلى استراتيجية أكثر تعقيدًا تقوم على تفكيك الدولة من الداخل عبر استغلال الخلافات السياسية والاجتماعية، والتحكم في القرار السياسي من خلال النفوذ المالي بدلًا من التدخل العسكري المباشر.
1. دعم قوى سياسية موالية لها: يسعى النظام الإماراتي إلى اختراق المشهد السياسي السوداني عبر تمويل قوى وشخصيات سياسية تعمل على تنفيذ أجندته داخل المؤسسات الحكومية، في محاولة لإضعاف حكومة السودان من الداخل.
2. إشعال الصراعات القبلية: بدلًا من خوض حرب مباشرة ضد الجيش السوداني، تحاول الإمارات إثارة الخلافات القبلية والطائفية، عبر تقديم دعم مالي وتسليحي لفصائل محددة بهدف خلق بيئة غير مستقرة تعرقل أي محاولة لبناء دولة قوية ومستقلة.
3. شراء الولاءات داخل الاقتصاد السوداني: من خلال استثمارات ظاهرها “تنموي”، يسعى النظام الإماراتي إلى السيطرة على القطاعات الاقتصادية الحيوية في السودان، مثل الموانئ، والتعدين، والذهب، لضمان نفوذه على القرار السياسي من خلال فرض الهيمنة الاقتصادية.
4. تعزيز الوجود الاستخباراتي: تشير تقارير إلى أن الإمارات تدير عمليات استخباراتية مكثفة داخل السودان، تعتمد على الجواسيس والعملاء لزرع الفوضى والضغط على الشخصيات السياسية والعسكرية لصالح أجندتها.
توقيع اتفاق دمج المؤسسات في سوريا.. رسالة سياسية للسودان؟
في توقيت لافت، أعلن النظام الإماراتي ترحيبه باتفاق دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا، وهو ما يعكس نموذجًا مشابهًا لما تسعى الإمارات لتنفيذه في السودان. حيث تحاول أبوظبي إعادة تشكيل المشهد السياسي في السودان بطريقة مشابهة لما حدث في شمال سوريا، عبر دعم قوى موالية لها للسيطرة على القرار السياسي والعسكري، وضمان بقائها كلاعب رئيسي في المنطقة.
حرب ناعمة بنكهة إماراتية
ما يحدث في السودان ليس سوى مرحلة جديدة من المشروع الإماراتي لتقسيم وإضعاف الدول العربية، حيث تحوّلت الحرب المباشرة إلى صراع داخلي مُدار عن بُعد، يُستخدم فيه المال والنفوذ السياسي بدلًا من الطائرات والمركبات العسكرية.
السودان اليوم يقف أمام مخطط خطير يستهدف إجهاض أي فرصة للتحول إلى قوة مستقلة، وتحويله إلى دولة تابعة تُدار من أبوظبي، تمامًا كما حدث في اليمن وليبيا. وإذا لم تنتبه الحكومة السودانية الجديدة لهذا التغيير في الاستراتيجية، فقد تجد نفسها محاصرة من الداخل، بدلًا من مواجهة عدو واضح في ساحة المعركة.
النظام الإماراتي أثبت مرة أخرى أنه لا يريد دولًا عربية مستقلة، بل يريد مناطق نفوذ تُدار بواسطته، والسودان هو الهدف الجديد لهذه الاستراتيجية القذرة. فهل ستنجح الحكومة السودانية في إحباط هذا المخطط، أم أن النظام الإماراتي سيواصل تفكيك السودان ببطء حتى يسقط تمامًا في قبضته؟
اضف تعليقا