في خطوة تصعيدية جديدة تكشف نوايا تقسيم السودان، أعلن محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي” وقائد قوات الدعم السريع، تشكيل حكومة موازية أطلق عليها اسم “حكومة السلام والوحدة”، تزامناً مع دخول الحرب السودانية عامها الثالث، في وقت تتعالى فيه الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار وإنقاذ ما تبقى من الدولة السودانية من الانهيار الكامل.
البيان الذي نُشر عبر قنوات قوات الدعم السريع، تضمن إعلاناً عن إصدار وثائق هوية جديدة، وعملة خاصة بالحكومة الموازية، بدعوى “تمثيل الوجه الحقيقي للسودان”، في خطاب يفضح مشروعًا انفصالياً تحت عباءة “الوحدة”.
وفي الوقت الذي يعاني فيه السودانيون من نقص في الغذاء، والدواء، وغياب شبه تام للخدمات، يواصل حميدتي، بدعم مباشر من النظام الإماراتي، ضخ رسائل سياسية وإعلامية تهدف إلى فرض واقع انفصالي بالقوة.
وجه جديد لـ”السودان”.. أم مشروع تقسيم؟
لم يكن إعلان حميدتي عن حكومته الموازية وليد اللحظة، بل نتيجة تمهيد سياسي وعسكري طويل بدأ منذ انقسام القوات النظامية عقب اندلاع القتال بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في أبريل 2023.
ومنذ ذلك الوقت، تسارعت الخطى باتجاه خلق إدارة بديلة في المناطق التي يسيطر عليها “الدعم السريع”، خصوصاً في إقليم دارفور وبعض مناطق كردفان.
لكن إعلان “حكومة موازية” يتعدى مجرد ممارسة النفوذ المحلي؛ إنه خطوة نحو إعادة رسم الخريطة السياسية للسودان، ويثير مخاوف جدية من محاولة فرض كيان انفصالي، خصوصاً مع طرح عملة جديدة ووثائق هوية، في تكرار مأساوي لتجربة جنوب السودان قبل انفصاله عام 2011.
ويُلاحظ أن حميدتي لم يستخدم عبارة “التمرد” أو “الإدارة المحلية”، بل وصف حكومته بأنها “تحالف مدني واسع”، وكأنها البديل الشرعي الكامل للدولة السودانية التي ما زالت تخوض معركة بقاء في الخرطوم وبورتسودان.
خلف الكواليس.. يد النظام الإماراتي تدفع نحو الانقسام
يأتي هذا التصعيد السياسي بالتزامن مع دعم متزايد تقدمه الإمارات لميليشيات الدعم السريع، في واحدة من أكثر الملفات الإقليمية إثارة للجدل.
تشير تقارير حقوقية وأممية إلى أن النظام الإماراتي لعب دورًا محوريًا في تمويل وتسليح قوات حميدتي، بدءاً من الأسلحة الثقيلة التي دخلت عبر ليبيا وتشاد، وصولاً إلى دعم لوجستي وعسكري مباشر.
ولم يكن عبثًا أن تترافق خطوة إعلان الحكومة الموازية مع تسريبات عن لقاءات سرية جرت مؤخراً بين قادة من الدعم السريع ومسؤولين إماراتيين في عواصم خليجية، هدفها الأساسي هو الحفاظ على “كيان بديل” في غرب السودان يكون مواليا لأبو ظبي، ويتيح للإمارات تعزيز وجودها في منطقة القرن الإفريقي، وتحديدًا على تخوم حدود تشاد وأفريقيا الوسطى.
وبحسب مصادر دبلوماسية مطلعة، فإن الإمارات تسعى لإنقاذ ميليشيا الدعم السريع من الانهيار الكامل عبر دعم اقتصادي واسع النطاق، يشمل طباعة العملة الجديدة، وتمويل مشاريع خدمات في المناطق التي تسيطر عليها، وهي ذات السياسة التي استخدمتها سابقًا في اليمن لدعم المجلس الانتقالي الجنوبي، وفي ليبيا عبر اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
صدمة دولية وتحذير من “أكبر أزمة إنسانية في العالم”
بالتوازي مع إعلان حميدتي، انعقد مؤتمر دولي في لندن، الثلاثاء، بمشاركة 15 دولة والاتحادين الأوروبي والأفريقي، للبحث في سبل وقف الحرب.
وأصدرت دول مجموعة السبع (G7) بياناً مشتركاً دعا إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، كما حمل البيان قلقًا بالغًا من حجم المعاناة التي يعيشها المدنيون في السودان.
وشدد وزراء خارجية كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، إضافة إلى مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، على أن النساء والأطفال هم الأكثر تضررًا، وسط تصاعد عمليات النزوح، وانتشار انتهاكات جسيمة تشمل الاغتصاب والعنف العرقي.
وهو ما يعزز التقييم الأممي بأن السودان يمر بأسوأ كارثة إنسانية على مستوى العالم، حيث تجاوز عدد النازحين داخليًا وخارجيًا 8 ملايين شخص، في ظل انهيار البنية التحتية بشكل شبه تام، وانعدام الخدمات في معظم أرجاء البلاد.
حكومة ظل.. أم مقدمة لتقسيم السودان؟
إن تشكيل حكومة موازية ليس مجرد إعلان سياسي، بل إعلان صريح عن نوايا التقسيم والاقتتال طويل الأمد. وهو يعكس كذلك إخفاق المجتمع الدولي في التعامل بجدية مع دعم بعض الأنظمة الإقليمية لجهات متمردة تنتهك القانون الدولي.
ورغم التحذيرات الصادرة عن لندن، وباريس، وواشنطن، والاتحاد الأوروبي، فإن الموقف الأممي لا يزال خجولًا في تسمية المسؤولين الحقيقيين عن تمويل النزاع، وعلى رأسهم النظام الإماراتي، الذي يتحرك في الخفاء لإنشاء جيب نفوذ موالٍ له في قلب القارة السمراء.
وفي حال استمر المجتمع الدولي في تجاهل هذه المعطيات، فإن ما يجري في السودان اليوم قد لا ينتهي قريبًا، بل قد يتحول إلى نموذج لتفتيت الدول من الداخل تحت لافتة “الحلول المدنية” و”التحالفات الشعبية” المزعومة.
اقرأ أيضًا : السودان يدخل عامه الثالث في الجحيم.. كارثة إنسانية كبرى تغذيها حرب بالوكالة يقودها النظام الإماراتي
اضف تعليقا