يجد المسؤولون المصريون أنفسهم الآن في ورطة كبيرة بعد فضح تورطهم في عقد صفقات أسلحة مع كوريا الشمالية، حيث كشفت العديد من وكالات “التجسس الأمريكية” قيامهم بتهريب معدات عسكرية من كوريا الشمالية لداخل مصر في تحد للعقوبات الدولية المفروضة على كوريا، ليحاولوا الآن التستر عليها وفقاً لمستندات رسمية من داخل الحكومة المصرية.

المستندات التي تم عثرت عليها الواشنطن بوست اشتملت على اعتراف صريح بالدور الكبير الذي قام به الجيش المصري في شراء 30 ألف قنبلة صاروخية، عُثر عليها مخبأة داخل سفينة شحن كورية شمالية عام 2016، وهي في اتجاهها إلى ميناء قناة السويس المصري، وهي العملية التي وصفها تقرير سابق للأمم المتحدة بأنها “أكبر عملية ضبط ذخائر مهربة بسبب العقوبات المفروضة على دول شيوعية”.

من جهتهم، واصل المسؤولون الكوريون الشماليون مطالبة المصريين بدفع بقية سعر شحنة الأسلحة والتي يقدر بنحو 23 مليون دولار، ما أثار مخاوف المصريين من تعرضهم للابتزاز، وفقاً لوثائق وزارة الخارجية التي حصلت عليها واشنطن بوست.

على الجانب الآخر، رفض المتحدث باسم الحكومة المصرية التعليق على تلك الوثائق والمستندات، وكانت الصحيفة قد نشرت عن أخبار صفقة سرية مصرية لشراء القنابل الكورية الشمالية لأول مرة في أكتوبر/تشرين الأول 2017.

وكالة الاستخبارات الأمريكية بتنبيه القاهرة إلى احتمالية وجود شحنة مهربة على متن سفينة الشحن الكورية “جي شون”، وبالفعل قامت السلطات المصرية بتوقيف السفينة واحتجازها بعد الكشف عن وجود قنابل يدوية على متنها، ليكتشف المسؤولون الأمريكيون فيما بعد أن السلطات المصرية هي الطرف الثاني في الصفقة.

المسؤولون المصريون لم يقوموا حتى الآن بالاعتراف علناً بشراء معدات عسكرية من كوريا الشمالية، بسبب العقوبات المفروضة على كوريا، ما يحظر التعامل معها، إلا أنه وفي 2017 أمر المسؤولون في إدارة ترامب بتجميد تسليم 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر، ويعزى ذلك جزئياً إلى صفقات أسلحة سرية غير محددة بين القاهرة وبيونغ يانغ.

أثرت تلك الصفقة على العلاقات بين القاهرة وواشنطن، والتي أصبحت متوترة نسبياً، لتزيد الوثائق والمستندات التي تم الكشف عنها مؤخراً من قلق المصريين حول المشكلات التي سيلاقونها بسبب الكشف عن شحنة الأسلحة، والتي قد يكون ضمنها احتمال تهديد كوريا الشمالية بفضح تفاصيل العلاقة التجارية.

وثائق الخارجية المصرية التي تم العثور عليها وُجدت مؤرخة بين مارس/آذار ومايو/أيار 2017، وكان من ضمنها مذكرة بتاريخ 28 مايو/أيار أُعدت لوزير الخارجية المصري سامح شكري، وكانت تناقش استياء كوريا الشمالية من الاستيلاء على القنابل اليدوية، كما قدمت اقتراحات حول كيفية الحفاظ على الهدوء المحاط بالقضية.

كما أشارت المذكرة إلى خطاب أرسلته كوريا الشمالية إلى الهيئة العربية للتصنيع- وهي شركة مملوكة للدولة متخصصة في إنتاج وصيانة المعدات العسكرية- تطالبها بدفع بقية المستحقات مع اشتماله على تهديدات، حيث جاء في المذكرة: “تضمنت الرسالة مرة أخرى تهديدات وجهها الجانب الكوري الشمالي للكشف عن ما يعرفونه عن تفاصيل هذه الشحنة”.

الوثيقة المُشار إليها قالت إن الشركة المصرية “تنفي علمها” بصفقة الأسلحة، لكن بعد بضع جمل من هذا النفي، قامت بالتوصية بتسوية مالية سريعة للحفاظ على هدوء الكوريين الشماليين، حيث قالت “لقد أوضحنا أن وزارة الخارجية تفضل الإسراع في معالجة هذه التسوية في أقرب وقت”، مضيفة أنه يُفضل أن يتم ذلك قبل انتهاء العضوية الدورية لمصر في مجلس الأمن الدولي في ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام.

حدث الكشف العلني الأول عن مصادرة الأسلحة في تقرير صادر عن لجنة خبراء الأمم المتحدة، وهي جهة مراقبة أنشأها المجلس للتحقيق في انتهاكات عقوبات الأمم المتحدة ضد كوريا الشمالية.

المذكرة المُشار إليها (المؤرخة في 28 مايو/أيار) حددت استراتيجية حل الأزمة التي نشبت بسبب دفع الأموال، وبموجب الخطة، ستقوم المخابرات العسكرية المصرية بالتفاوض مع الملحق العسكري لكوريا الشمالية في القاهرة.

كما تحدثت المذكرة عن قرض مصري حديث لكوريا الشمالية -لم يتم ذكر تفاصيل”، وأشارت إلى أن بيونغ يانغ قد توافق على تخفيض سعر شحنة القنابل اليدوية مقابل شروط أكثر سخاء لسداد القرض.

وأضافت المذكرة “إن استخدام ورقة القرض” قد نجح بالفعل في دفع الجانب الكوري للتواصل مع الجانب المصري والتفاوض معه.

على الرغم من ذلك، لم تشتمل المذكرة على أي تفاصيل حول كيفية حل تلك المسألة، أو المبلغ الذي تم الاتفاق عليه في النهاية.

ألقت حادثة 2016 الضوء على تجارة عالمية غير مفهومة في مجال الأسلحة التقليدية، والتي ساعدت كوريا الشمالية اقتصادياً على الرغم من العقوبات الشديدة التي فرضتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة بسبب تجاربها في مجال الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية ذات القدرة النووية.

العقوبات منعت كوريا الشمالية من بيع الفحم والعديد من السلح الأخرى، وعليه لجأت إلى بيع المعدات العسكرية والأسلحة بأسعار مخفضة، ليصبح لديها زبائن مغضوب عليهم نسبياً كسوريا، فضلاً عن دول إفريقية كبرى مثل أوغندا والكونغو، والتي اعتمدت لعقود على كوريا الشمالية في تدريب وتجهيز جيوشها.

كما قدمت كوريا الشمالية الأسلحة إلى جهات غير حكومية مثل جماعة حزب الله المسلحة، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة ووثائقها.

ونظراً لأن هذه المبيعات محظورة، فإن كوريا الشمالية تحاول بأقصى جهدها إخفاء تلك المعاملات والصفقات، فعلى سبيل المثال تم حمل القنابل اليدوية التي تم شحنها إلى مصر في 2016 على متن سفينة أبحرت تحت علم كمبودي، على الرغم من أن السفينة والبضائع كانت مملوكة لكوريا الشمالية.

البيان المتعلق بـ “جي شون” قال إنها كانت تحتوي على “الليمونيت” من نوع من خام الحديد، وعند التفتيش لم يشاهد مسؤولو الجمارك سوى أكوام من أحجار الليمون الأصفر في حاوية شحن السفينة، أما الشحنة فكانت مخبأة تحت الحجارة، حيث كانت في عشرات الصناديق الخشبية مليئة بالقنابل اليدوية.

لم يتطرق بيان قدمته السفارة المصرية في واشنطن إلى الصحيفة عام 2017 مباشرة إلى انتهاكات العقوبات المزعومة، ولكنه أشار إلى تعاون القاهرة مع مسؤولي الأمم المتحدة في العثور على المواد المهربة وتدميرها.

وقال البيان “ستواصل مصر الالتزام بجميع قرارات مجلس الأمن وستظل دائما متوافقة مع هذه القرارات لأنها تقيد المشتريات العسكرية من كوريا الشمالية”.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا