بعد تصويت غالبية أعضاء الكونغرس الأمريكي الشهر الماضي ضد استمرار تقديم الدعم للتدخل السعودي الكارثي في اليمن، والذي فشل في تحقيق أهدافه المزعومة بينما ساهم في إنتاج أفظع كارثة إنسانية في العالم، قام الرئيس الأمريكي ترامب باستخدام حق الفيتو ضد ذلك القرار مؤكداً على استمرار إدارته في تقديم دعماً غير مشروطاً للسعودية.

“فيتو” ترامب تبعه قرارات أخرى أكدت على هذا المعنى، حيث قامت الخارجية الأمريكية الجمعة الماضية بمراسلة الكونغرس شارحة لقرار ترامب بشأن تمرير 22 صفقة أسلحة جديدة مع السعودية وعدد من الدول الأخرى، واستندت في ذلك إلى مبدأ “حالة الطوارئ” والذي يتيح للرئاسة عقد اتفاقيات أسلحة دون الحاجة إلى الرجوع إلى الكونغرس أو انتظار موافقته، لتقوم بتزويد النظام السعودي بمزيد من الذخائر المستخدمة في قتل المدنيين في اليمن.

لا يمكن وصف الإجراء الأخير الذي قام به ترامب إلا بأنه خرقاً للقواعد الأساسية إن لم يكن للقانون بشكل عام، فضلاً عن أن الإخطار الذي أرسلته الإدارة للكونغرس لم يوضح ماهية “حالة الطوارئ” التي جعلته يستخدم ثغرة في قانون مراقبة تصدير الأسلحة، والذي يمنح الكونغرس سلطة مراجعة مبيعات الأسلحة.

على صعيد آخر، وعلى الرغم من إشارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى حاجة الدول العربية “للدفاع عن نفسها” ضد إيران وردع تهديداتها، فإن بعض الأسلحة المشمولة في الصفقات لن يتم توفيرها قبل سنوات، ما يعني أنه لا صلة لها بالحرب الأهلية في اليمن أو بالتوترات المتزايدة في المنطقة، وما يثير التساؤلات أيضاً هو إرسال بعض مبيعات الأسلحة إلى الأردن، وهي ليست طرفاً في حرب اليمن ولا في أي حروب أخرى.

القرار يحمل العديد من الدلالات، فمن جهة يعد مناورة جديدة من ترامب يتحدى بها سلطات الكونغرس، ويحاول بها تقليص دور الكونغرس القانوني في تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة، خاصة وأن أعضاء مجلسي الكونغرس قاموا بتعليق عدد من صفقات الأسلحة مع السعودية بسبب استخدامها بصورة مستمرة ومتعمدة ضد المدنيين في اليمن، ولرفضها مساءلة كبار المسؤولين عن جرائم حقوق الإنسان المتورطين فيها، كجريمة اغتيال الصحفي بالواشنطن بوست جمال خاشقجي.

من جهة أخرى، فإن تجاهل ترامب لسلطات الكونغرس على حساب محاباة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، صاحب الدور الأكبر للتحالف السعودي في اليمن، والذي -وفقاً لوكالة الاستخبارات الأمريكية- هو من أمر بقتل خاشقجي، تلك الجريمة التي لم يستطع ترامب تلبية مطالب لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ حول تقديم تقريراً عن مسؤولية ولي العهد السعودي في جريمة القتل، يُعد سابقة جديدة وخطيرة في التاريخ، تُمكن الرؤساء من بيع الأسلحة في أي مكان من العالم دون مراجعة الكونغرس ببساطة وبمجرد الزعم بوجود حالة طوارئ غير محددة.

القرار لم يلق ترحيباً حتى من مؤيدي ترامب أنفسهم، والذين يؤيدون فكرة عقد صفقات أسلحة مع المملكة العربية السعودية، أبرزهم السناتور  جيمس ريش (آر- إيداهو)، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، والذي صرح بأنه حتي الآن “يراجع ويحلل المبررات القانونية لهذا الإجراء والآثار المترتبة عليه”.

من ناحية أخرى قام السيد/ريش بتقديم حل وسط، حيث عرض طرح تصويت في لجنته بإيقاف المبيعات للسعودية حتى يوقف النظام السعودي هجماته في اليمن، وينفذ بقية المطالب الأخرى، بما فيها الإفراج عن نشطاء حقوق المرأة، وشدد على ضرورة اتخاذ الكونغرس الإجراءات اللازمة للدفاع عن صلاحياتها في تشكيل السياسة الخارجية، لكبح جماح ترامب في تأييده لولي العهد السعودي.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا