في الخامس والعشرين من مارس 2015، أعلنت المملكة العربية السعودية بدء عملية عسكرية لاستعادة الشرعية في اليمن، بعد أن سيطرت ميليشيات الحوثي على عدة مدن يمنية، وأصبحت على مشارف عدن. شنت المملكة الحرب بمشاركة العديد من الدول الخليجية، وبمساعدة لوجستية من الولايات المتحدة الأمريكية، وأطلقت عليها اسم عاصفة الحزم.
وما بدا حينذاك من النظام السعودي، سواء على ألسنة المسؤولين هناك أو الرسائل التي يوجهها إعلامه، أن المملكة كانت ترى أنها تستطيع حسم الحرب ودحر الحوثي، ثم تثبيت الشرعية، في غضون أسابيع معدودة. لكن من الواضح أن حسابات النظام السعودي كانت خاطئة. فلا تم تثبيت الشرعية في اليمن، ولا انتهت الحرب في غضون أسابيع، وحتى التحالف نفسه لم يحافظ على تماسكه ووحدة أهدافه.
اليمن .. أكبر كارثة إنسانية في العالم..
وذلك بعد أن اتجهت الإمارات إلى محاربة مؤيدي الشرعية أنفسهم، وذلك بهدف السيطرة على الجنوب اليمني وعلى أهم الموانئ اليمنية هناك. حيث بدأت أبو ظبي في دعم ما يعرف بـ” المجلس الانتقالي الجنوبي” في اليمن، وساعدته بمخابراتها، وسلاحها الجوي والبري، وفتحت السجون السرية لتخفي فيها كل معارض لتقسيم الدولة اليمنية.
طال أمد الحرب، واتسعت هوة الخلاف، وعانى الشعب اليمني من الحرب وقلة الغذاء، في كارثة وصفتها الأمم المتحدة أنها بأنها “أكبر كارثة إنسانية في العالم”. لكن مع وصول الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إلى البيت الأبيض بدأ كثيرون في التفاؤل بشأن فرص إنهاء الحرب في اليمن.
فكما هو معروف، فإن الرئيس الأمريكي الجديد يملك رؤية مختلفة عن سلفه دونالد ترامب، فيما يخص ملف حقوق الإنسان، والعلاقات مع السعودية. وخلال حملته الانتخابية ذكر جو بايدن صراحة في غير مرة أنه سيعمل على وضع حد للحرب في اليمن.
تحركات إيجابية نحو إنهاء الحرب..
ويبدو أن الدول المنخرطة في التحالف العربي فهمت هذه الحقيقة، وهي أن بايدن مختلف عن ترامب -ولو قليلًا- في سياساته تجاه الشرق الأوسط، والحرب اليمنية أحد أهم الملفات في المنطقة. لذا عملت السعودية والإمارات على توحيد جهود دول التحالف، وذلك عبر إنجاز تشكيل حكومة يمنية جديدة، يتحد فيها ممثلي الشرعية في اليمن مع ما يُدعى بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” التابع للإمارات. وكان ذلك قبيل تسلم بايدن السلطة رسميًا.
وبعد استلامه السلطة، ظهر جليًا أن لدى بايدن رغبة جدية في وقف الحرب اليمنية، وأن الأمر لم يكن مجرد تصريحات لأهداف انتخابية. ففي الرابع من فبراير الجاري أعلنت الإدارة الأمريكية الجديدة أن الولايات المتحدة ستوقف دعمها للعمليات العسكرية في اليمن، ويشمل هذا حظر تصدير الأسلحة إلى المشاركين في الحرب، بالإضافة إلى وقف مشاركة المعلومات الاستخبارية مع التحالف العربي فيما يخص المجريات على الساحة اليمنية.
تبع القرار الأمريكي مباشرة تفاعل آخر من الإمارات، أحد أهم أطراف الحرب في اليمن. حيث صرح حينها وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش أن بلاده “أنهت تدخلها العسكري في اليمن في أكتوبر من العام الماضي، حرصًا منها على إنهاء الحرب”. مضيفًا أن بلاده دعمت جهود الأمم المتحدة ومبادرات السلام المتعددة، وأنها واحدة من أكبر مقدمي المساعدات الإنسانية للشعب اليمني.
كذلك قررت إدارة بايدن تسمية “تيم ليندركينغ” مبعوثًا خاصًا للولايات المتحدة إلى اليمن. وحينها قال المكتب الصحفي لمكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأميركية إن المبعوث الخاص ليندركينغ بدأ تواصله مع الكونغرس لمناقشة التزام الولايات المتحدة بدعم الجهود لإيجاد حل سياسي في الحرب باليمن.
سياسة بايدن تجاه طهران والحوثي..
هذه التحركات المبكرة للقيادة الأمريكية الجديدة ربما تعطي أملًا أن الحرب في طريقها للتوقف. لكن في المقابل هناك بعض النقاط التي قد تلعب دورًا مغايرًا يقود إلى استمرار الحرب واستمرار معاناة الشعب اليمني معها. من ذلك أن بايدن نفسه لديه سياسة يمكن أن توصف أنها “أكثر هدوءًا” تجاه إيران -الداعم الأكبر لجماعة الحوثي- من سياسة ترامب، التي اتسمت بممارسة أقصى ضغط ممكن على طهران.
كما أن بايدن – حسب تصريحات رسمية- لا يفضل أن يمارس ضغوطًا كبيرة على الحوثيين، حتى لا تمنع جماعة الحوثي دخول المساعدات الدولية إلى المحتاجين، وبالتالي يتأثر الوضع الإنساني في اليمن سلبًا. ومن ذلك، إبلاغ وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، مؤخرًا للكونغرس الأمريكي أنه ينوي التراجع عن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، حتى لا يتدهور الوضع الإنساني في اليمن.
كما أن هناك سؤالًا جوهريًا يطرح نفسه، وهو إن سلمنا برغبة بايدن الحقيقة في إنهاء النزاع في اليمن، فإلى أي مدى هو قادر على تحقيق تلك الرغبة، وما هي أوراق الضغط التي يستطيع من خلالها إنفاذ رؤيته؟
مستقبل الحرب..
وحسب محللين، فإن مجرد إعلان بايدن وقف دعم بلاده لأطراف الصراع اليمني، لن يتسبب في وقف الحرب الدائرة منذ 2015، على الرغم من المركزية التي يحوزها الدور الأمريكي في الحرب اليمنية. وذلك لأن السعودية وإن كانت لا تستطيع الاستمرار في الحرب بمفردها وقد تذعن للقرار الأمريكي ولو مرحليًا، إلا أن أوراق الضغط التي يملكها بايدن على الحوثيين ليست قوية بالقدر الذي يجعل الحوثي يوقف الحرب، وخصوصًا إن كان هذا الوقف يأتي وفقًا للرؤية السعودية.
بينما يتخوف آخرون أن يتسبب إنهاء الدعم العسكري الأمريكي للسعودية في دفع الحوثيين إلى تعزيز سلطتهم، لا سيما مع استمرار سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء، واستيلائهم على مزيد من الأراضي. وبالتالي، لن يكون لدى الحوثيين حافز كبير للتفاوض من أجل السلام، ما دام استمرار القتال لفترة أطول يعزّز من أوراقهم التفاوضية في أي محادثات مستقبلية.
وعلى هذا، يمكن القول إن حلًا نهائيًا للأزمة اليمنية لن يكون في المدى القريب، وربما تستطيع إدارة بايدن بالتعاون مع الفاعلين في الحرب بلورة حل، يرضي جميع الأطراف نسبيًا، كي تتوقف العمليات العسكرية، ويتنفس الشعب اليمني الصعداء. لكن الوصول لهذه النقطة سيتطلب وقتًا، كما تشير مجريات الأمور على الأرض.
اقرأ المزيد : العلاقات التركية الخليجية..ما الجديد؟
اضف تعليقا