تكتيك الاحتلال في الجنوب السوري

بعد أسابيع من التمركز العسكري الإسرائيلي في مناطق جنوب سوريا، انسحبت القوات الإسرائيلية من عدة مواقع في محافظة القنيطرة، شملت مبنى المحافظة ومبنى المحكمة في مدينة البعث، إضافة إلى انسحاب جزئي من محيط سد المنطرة وبلدة القحطانية.

يأتي هذا التطور بعد انهيار نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024 وفرار الرئيس المخلوع إلى خارج البلاد، وهو ما دفع إسرائيل إلى استغلال الفراغ الأمني لإحكام سيطرتها على المنطقة العازلة في الجولان. 

منذ اللحظات الأولى لسقوط النظام، أعلنت تل أبيب انهيار اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، مبررة تحركاتها بأنها إجراءات أمنية لمنع تهديدات محتملة من الداخل السوري، في خطوة اعتُبرت انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية.

 

استهداف الجيش السوري وتدمير مقدراته الدفاعية

لم يكن الوجود العسكري الإسرائيلي في القنيطرة مجرد تموضع مؤقت، بل جاء استكمالًا لسلسلة طويلة من الضربات التي نفذتها إسرائيل ضد منشآت عسكرية سورية على مدى السنوات الماضية.

فمنذ بداية الثورة السورية وتصاعد المواجهات الداخلية، كثفت إسرائيل من غاراتها الجوية على مستودعات الأسلحة ومراكز البحوث العسكرية السورية، مستهدفة بشكل رئيسي الأنظمة الدفاعية التي كان يمتلكها الجيش السوري.

شملت هذه الضربات مراكز تطوير الصواريخ في جمرايا، وقواعد الدفاع الجوي في ريف دمشق وحمص، ما أدى إلى تآكل القوة العسكرية للنظام السوري قبل سقوطه. وبعد انسحاب قوات النظام المنحل بشكل غير منظم من الجنوب السوري، وجدت إسرائيل الفرصة لتعزيز وجودها في المنطقة العازلة وهضبة الجولان، حيث أقامت نقاطًا عسكرية دائمة، من بينها مهبط للمروحيات على جبل الشيخ، في خطوة أثارت قلقًا دوليًا واسعًا.

 

ردود الفعل الدولية واحتمالات التصعيد

مع تزايد التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري، أصدرت الأمم المتحدة بيانًا رسميًا اعتبرت فيه سيطرة الجيش الإسرائيلي على المنطقة العازلة “انتهاكًا واضحًا” لاتفاق فض الاشتباك.

في المقابل، ورغم إدانة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع لهذه التحركات، فإن الوضع الداخلي في سوريا لا يسمح بمواجهة مباشرة مع إسرائيل، خاصة في ظل الأولويات التي تفرضها المرحلة الانتقالية. 

ورغم الإعلان الإسرائيلي عن الانسحاب الجزئي من القنيطرة، تبقى المخاوف قائمة حول نوايا تل أبيب الحقيقية، إذ سبق أن نفذت عمليات انسحاب شكلية في عدة مناطق قبل إعادة التموضع بأساليب أخرى. وبذلك، يبقى الجنوب السوري ساحة مفتوحة لتجاذبات إقليمية ودولية، وسط احتمالات استمرار الانتهاكات الإسرائيلية بذريعة “التطورات الأمنية” في الداخل السوري.