أضرمت قوات الدعم السريع، المدعومة من الإمارات، النيران في مناطق واسعة من مخيم زمزم للنازحين، أحد أكبر المخيمات في السودان، وسط عمليات إطلاق نار عشوائية على المدنيين العزل، ما أدى إلى مقتل 7 أشخاص على الأقل وإصابة 40 آخرين، وفقًا لمنظمة أطباء بلا حدود التي تدير آخر المرافق الصحية المتبقية في المخيم.
وتأتي هذه الجريمة في وقت تتفاقم فيه معاناة سكان المخيم، حيث أدى الهجوم الوحشي إلى شلل كامل للخدمات الطبية، مما جعل إجراء العمليات الجراحية أمرًا مستحيلًا، خصوصًا مع استهداف قوات الدعم السريع للمستشفى السعودي في الفاشر، والذي كان الملاذ الأخير للجرحى والمرضى.
منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، يتعرض المخيم لهجمات متكررة من قبل مليشيا حميدتي، التي تسيطر حاليًا على أربع ولايات من ولايات دارفور الخمس، فيما لا يزال الجيش السوداني يحتفظ بالسيطرة على أجزاء من ولاية شمال دارفور، بينها عاصمتها الفاشر.
الهجوم الوحشي على زمزم لم يكن الأول، لكنه يأتي في سياق تصعيد دموي وانتقامي من قبل الدعم السريع، الذي يحاول فرض سيطرته على شمال دارفور بأي ثمن.
جرائم حرب.. وحصار ممنهج لمخيمات النازحين
الهجوم على مخيم زمزم يرقى إلى مستوى جرائم حرب، حيث قامت قوات الدعم السريع بإضرام النيران في مساكن النازحين، وإطلاق النار بشكل عشوائي، ما تسبب في وقوع مجزرة مروعة بحق المدنيين الأبرياء الذين لجأوا إلى المخيم هربًا من جحيم الصراع في دارفور.
وأظهرت شهادات الناجين أن مقاتلي حميدتي أقدموا على إحراق خيام النازحين، ومنعوا وصول أي مساعدات طبية أو إنسانية إليهم، مما يجعل الوضع داخل المخيم كارثيًا.
ووفقًا لتقارير أممية، فإن الهجمات المتكررة على مخيم زمزم تأتي ضمن استراتيجية الدعم السريع الهادفة إلى تهجير السكان الأصليين من دارفور، لإحكام قبضتهم على الإقليم وإحداث تغيير ديموغرافي يخدم أجنداتهم.
وفي هذا السياق، صرّح إدمور توندلانا، نائب مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان، أن الوضع في البلاد يزداد سوءًا، موضحًا أن السودان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يحتاج نحو 30 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية، في ظل استمرار القتال الوحشي.
الدعم السريع والانتقام الإماراتي بعد رفض البرهان هدنة مشبوهة
تأتي هذه المجازر بعد رفض رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لهدنة اقترحتها الإمارات، والتي كانت تهدف إلى تعطيل انتصارات الجيش السوداني على مليشيا حميدتي، وليس إنهاء الحرب.
رفض الخرطوم للخطة الإماراتية أغضب أبوظبي، التي ضاعفت دعمها العسكري والمالي لقوات الدعم السريع، وهو ما انعكس في زيادة وتيرة الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها المليشيات في السودان، وعلى رأسها المجازر بحق النازحين.
وبحسب مصادر دبلوماسية، فقد كانت الإمارات تسعى إلى فرض تهدئة مؤقتة لإنقاذ قوات الدعم السريع من الانهيار بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدتها مؤخرًا، لكن البرهان أدرك أن الهدف من هذه الهدنة هو إعادة ترتيب صفوف الدعم السريع، وليس إنهاء الحرب، وهو ما دفعه لرفض المبادرة، الأمر الذي دفع حميدتي للانتقام عبر تصعيد غير مسبوق ضد المدنيين في دارفور.
وقد كشف مسؤول أميركي كبير سابق لشبكة CNN أن واشنطن حاولت الضغط على قوات الدعم السريع لوقف الهجمات على مخيم زمزم، لكن قادة المليشيا تجاهلوا هذه الضغوط، مدركين أن الإدارة الأميركية الجديدة لا تولي اهتمامًا كبيرًا للصراع في السودان. هذا التجاهل الدولي منح حميدتي والإمارات الضوء الأخضر لتنفيذ مخططاتهما في السودان دون أي مساءلة.
الإمارات.. وقود الحرب في السودان
لم تكن هذه المجازر لتحدث لولا الدور المشبوه الذي تلعبه الإمارات في تأجيج الحرب في السودان، عبر إمداد مليشيا الدعم السريع بالأسلحة والتمويل، بهدف تحويل السودان إلى ساحة نفوذ تخدم أجندات أبوظبي.
التقارير الاستخباراتية تؤكد أن الإمارات نقلت كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر إلى قوات حميدتي عبر قواعدها العسكرية في ليبيا وإريتريا، كما عملت على تمويل المليشيا عبر عمليات تهريب الذهب السوداني، وهو ما مكّنها من الصمود في وجه الجيش السوداني لفترة أطول مما كان متوقعًا.
ولم تكتفِ الإمارات بتسليح الدعم السريع، بل عملت على الترويج لحملات تضليل إعلامي تصور حميدتي كقائد سياسي يسعى للسلام، بينما في الواقع هو مجرد أداة لتنفيذ أجندات أبوظبي في السودان.
السودان بين نار الدعم السريع وأطماع الإمارات
ما يحدث في السودان اليوم هو نتيجة مباشرة للدور الإماراتي التخريبي في المنطقة، حيث لا تزال أبوظبي تدعم مليشيات مسلحة لتقسيم الدول وإضعاف الجيوش الوطنية. وإذا استمرت هذه السياسات دون رادع، فإن السودان مهدد بمزيد من الفوضى والتدمير، وهو ما يتطلب تحركًا دوليًا جادًا لوقف الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع، ومحاكمة المتورطين في هذه الجرائم ضد الإنسانية.
فهل يكون الصمت الدولي على ما يجري في السودان مقدمة لإبادة جماعية أخرى في دارفور؟ أم أن المجتمع الدولي سيتحرك لوقف نزيف الدم وإنقاذ السودان من المخططات التي تسعى إلى تحويله إلى دولة فاشلة غارقة في الحرب والفوضى؟
اقرأ أيضًا : ضربة قاسمة للإمارات.. السودان يطالب باستعادة موقعه بالاتحاد الأفريقي بعد انتصارات متتالية على الدعم السريع
اضف تعليقا