العدسة – معتز أشرف

منذ ولادته المتعسرة في عام 2015، وبرلمان الديكتاتور المصري عبدالفتاح السيسي يعمل تحت الطلب، لا يتقدم ولا يتأخر خطوة إلا في الإطار المرسوم ضده، حتى صفعه وزير حكومي بالحقيقة المرة، وأكد في تصريحات صنعت أزمة كبيرة أنها توصيات النواب محلها عنده “صناديق القمامة” لتنفجر أزمة أسقطت ورقة التوت عن برلمان السيسي.

قمامة الوزير!

قيمة المجلس من قيمة نوابه، وهذا ما أثار الغضب داخل البرلمان المصري المحسوب على السيسي، حيث أطلق اللواء أبو بكر الجندي، وزير التنمية المحلية، تصريحات من العيار الثقيل قبل أيام في مواجهة البرلمان، حيث أكد أنه يلقي توصيات النواب في “الزبالة”، وهو ما أثار غضب أعضاء البرلمان وطالبوا بإقالته، ما دفع الدكتور علي عبدالعال رئيس المجلس، إلى أن يعلن أن كرامة المجلس والحفاظ عليها، لابد من استردادها، وتصاعدت الأزمة حتى وصلت إلى ما يشبه “جلسة صلح عرفي”، وفق البعض،  قادها المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، حيث جمع الوزير بالدكتور علي عبدالعال، رئيس المجلس، بحضور المستشار عمر مروان، وزير شؤون مجلس النواب، الذي أكد أنه تم احتواء أزمة البرلمان والحكومة بشأن اللواء أبوبكر الجندى وإلقاء طلبات النواب في القمامة، فيما التزم اللواء أبو بكر الجندي، وزير التنمية المحلية، الصمت عقب اللقاء، ورفض الوزير الإدلاء بأية تصريحات للمحررين البرلمانيين، أو الحديث عما دار بالاجتماع، في إشارة إلى عدم موافقته على الاعتذار، وفق ما يرى مراقبون، فالمجلس يُنظر إليه بازدراء واحتقار من دوائر السلطة.

عار صنافير!

ما ذهب إليه الوزير، يراه البعض ذا جدوى من زاوية أخرى، في ظل الأزمات التي تهدد البرلمان المحسوب كليًّا على السيسي، فالمجلس بحسب مراقبين كان دوره مساعدًا للديكتاتور المصري في ولايته الأولى، وشاركه في كثير من تفاصيل الأزمات التي فرضها السيسي على مصر، وفي مقدمتها موافقته، العام الماضي، على احتلال السعودية للأراضي المصرية عبر اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والمعروفة باسم «تيران وصنافير»، والمخالفة للأحكام القضائية وثوابت الحدود المصرية، وأعلن الدكتور علي عبدالعال الموافقة على الاتفاقية بأغلبية الحضور عن طريق الوقوف دون النداء بالاسم، بعد الاستماع لعدد من رؤساء الهيئات البرلمانية والنواب، رغم أن الجلسة شهدت مشادات كلامية بين نواب من ائتلاف «دعم مصر»، وتكتل 25-30، وهو الإجراء الذي رفضه “البرلمان المصري في الخارج، مؤكدًا أن “التنازل عن الجزيرتين المصريتين جريمة نكراء، وأنه ليس من حق أشخاصٍ أو مؤسساتٍ التفويض لأحد كائنًا من كان في التفريط في أي أرضٍ من أراضي مصر بالدستور وبالقانون وبالتاريخ والجغرافيا، لا لنواب مجلس غير شرعي، ولا لرئيس مغتصب للسلطة بانقلاب عسكري، ولا لوزراء، ولا لوزير دفاع عينتهم سلطة الانقلاب الدموي.

أزمة الشرعية!

في الخارج يقف على مسار مواز لمجلس نواب 2015، “البرلمان المصري في الخارج” برئاسة الدكتور جمال حشمت، والذي يعرف نفسه بأنه “البرلمان المصري الشرعي المنتخب، يستند للشرعية الدولية، كآخر برلمان يمثل جمهورية مصر العربية قبل الانقلاب العسكري، والشرعية الثورية، كبرلمان أنتجه ثورة يناير 2011، للقضاء على الفساد والاستبداد، ويحقق آمال وطموحات الثوار التي عصف بها الانقلاب العسكري في يوليو 2013، والشرعية الدستورية من نتاج الثورة ووافق عليه الشعب المصري، والشرعية التي منحها 32 مليون ناخب مصري لهذا البرلمان، وهو ما لم يحدث في تاريخ مصر على مدار الزمان، وهي شرعية لا يستهان بها”، رافضًا الاعتراف بالبرلمان الحالي وبإجراءاته، وكثيرًا ما يؤكد عدم اعترافه بالاتفاقيات التي يوافق عليها هذا البرلمان، فضلًا عن الزيارات الكثيرة التي يتحرك البرلمان المصري بالخارج من خلالها لعرض القضية المصرية، أو دعم القضايا العربية والإسلامية .

ولازال غياب الباحث الأكاديمي الدكتور عمرو الشوبكي عن مقعده في البرلمان، أحد أبرز الطعون على شرعية المجلس بعيدًا عن البعد السياسي المناهض للانقلاب، حيث لازال المجلس بحسب تصريحات رسمية في مرحلة إعداد تقرير نهائي والوصول لقرار فى إطار الدستور والقانون ولائحة المجلس، ولجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بشأن عضوية “الشوبكى”، الذي وصف محاميه ما يحدث بأنه إهدار صريح للأحكام القضائية ترتقي إلى حد الجرائم الدستورية.

أداء فاشل!

ومنذ اليوم الأول والأداء السيئ لأولى جلسات البرلمان يثير حالة من الاستهجان الشديد لدى الرأي العام والمعارضين والرافضين، وعبر الكثيرون عن استيائهم مما اعتبروها “فضائح” في وقائع الجلسة، خاصة بعد ما أصر النائب “مرتضى منصور” على حلف اليمن الدستورية دون الاعتراف بثورة 25 يناير، وبحسب مراقبين، فإن قلة الخبرة أو الممارسة البرلمانية تحكم البرلمان، حيث إن هناك ما لا يقل عن 65% من الأعضاء يدخلون البرلمان لأول مرة، وبالتالي؛ هناك عدم معرفة بالممارسات البرلمانية المتبعة في الأعراف والتقاليد البرلمانية المصرية على الأقل، وقد تجلت مظاهر قلة الخبرة في التجاوزات التي تمت من النواب ضد رئيس المجلس عند طلب الكلمة أو رفع اللائحة في بعض الأوقات دون داعٍ أو سبب لذلك، كما سقط رئيس المجلس لابتزاز البعض داخل القاعة، وواجه العديد من الانتقادات.

ومن أبرز الانتقادات الموجهة لعبدالعال، غياب الحنكة السياسية لديه في التعامل، وكذلك «الكاريزما» التي امتاز بها معظم رؤساء مجلس النواب المصري، مهما كان الاختلاف عليهم، إضافة إلى الأخطاء القانونية التي كان يتصيدها له النائب القاضي سري صيام، وافتقاده للقدرة على السيطرة على المجلس، وضبط اللغة العربية الفصحى، وقد رصد له لأكثر من مرة أخطاء لغوية ونحوية خلال خطاباته، منها على سبيل المثال 165 خطأً نحويًّا في خطاب الاحتفال بمناسبة مرور 150 عامًا على تأسيس البرلمان المصري، في 10 أكتوبرالماضي، بمعدل تسعة أخطاء في الدقيقة الواحدة، وبحضور 19 رئيس برلمان ومنظمة برلمانية دولية.

ووفق مراقبين، فإن افتقاد رئيس البرلمان للحنكة السياسية، وراء الفشل في إدارة جلسات مجلس النواب؛ ما أدى إلى مشهد فوضوي يتكرر في كل جلسة للبرلمان، كما أن فشل عبدالعال في السيطرة على نواب المجلس، يُعد «نتيجة طبيعية لافتقاره إلى مهارات الإدارة والخبرة السياسية اللازمة، للسيطرة على نواب المصالح ممن يفتعلون معارك شخصية ليس لها علاقة بالمصلحة الوطنية، وبحسب المركز الوطني للدراسات البرلمانية، فإن “حالة الفوضى المسيطرة على جلسات النواب، سابقة لم تحدث في تاريخ البرلمان من قبل، مرجعًا إياها إلى أن قاعة البرلمان أصبحت طاردة، وتعمد رئيس المجلس توبيخ الأعضاء، ورفضه إعطاء الكلمة لعدد كبير منهم، والتعامل معهم كأنهم طلاب يجلسون أمام أستاذهم في مدرجات الجامعة.

تحت الطلب!

وكثيرًا ما كان البرلمان الحالي تحت الطلب، بحسب مراقبين، وتصدرت قضية تعديل الدستور مداولات المجلس كثيرًا، بعد تمريرها من مستويات أعلى تحدثت عن التمديد للسيسي، وردد رئيس مجلس النواب، الدكتور علي عبد العال مرارًا عبارة: “دستور لا يرضي طموحات المصريين»، في العديد من المواقف، سواء كانت خارج المجلس أو أثناء الجلسات، وتمثلت آخر أحاديث رئيس البرلمان في هذا الأمر بالأمس، حيث قال إنه دستور توافقي، ولا يمكن أن يكون مفيدًا، لأنه وضع في ظروف استثنائية، لذلك لا يمكن استمراره للأمد البعيد، ويحتاج النظر في العديد من نصوصه.

وبحسب وكالةرويترز فإن تزكية برلمان السيسي لترشيحه دليل على سحقه للبرلمان، مؤكدة أن
مثل هذه الخطوة أكدت أن مصر ليس بها أية معارضة؛ نتيجة القمع الذي انتهجه السيسي ونظامه”، فيما اعتبرها النائب هيثم الحريري القيادي في تكتل (25-30) ليست الأفضل لمصر، مؤكدًا ان عدم توقيع تكتله على استمارات تزكية للسيسي كان بسبب أن التكتل لديه خلاف حقيقي مع السياسات، وليس مع الأشخاص، فالسياسات المتبعة حاليًا، سواء كانت سياسات اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية، ضد مصر.

وكان الدور الأبرز المرسوم للبرلمان، هو ملاحقة الإخوان وخصوم السيسي في الخارج، لكن فشلت محاولات وفود برلمان السيسي في مصر في هذا الدور، بحسب مراقبين، وشهد مؤتمر اتحاد البرلمانات الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، الذي عُقد في مالي، العام الماضي، وقعة بارزة في هذا الإطار، حيث فشل الوفد في  إدراج جماعة الإخوان المسلمين كمظمة إرهابية، ورفض الوفد البرلماني الجزائري بشدة، طلبًا من برلمان السيسي، طلبه الوفد المصري، فيما تجاهلت وفود برلمانات تركيا ولبنان والمغرب ونيجيريا وإيران، الطلب المصري.