جلال إدريس

ما يزال “تركي آل الشيخ- رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة السعودية”- يصرّ على  إثارة الجدل في مصر؛ فمن محاولاته المستمرة للسيطرة على “الرياضة المصرية” وتدخلاته الكبيرة في الأندية، بدأ الرجل مرحلة جديدة يسعى من خلالها التوسع والسيطرة على وسائل الإعلام والفضائيات المصرية.

وخلال اليومين الماضيين ظهر الرجل وهو يجلس مع الإعلامي المصري القريب من السلطة “عمرو أديب”، وهو يوقّع معه عقدًا لصالح مجموعة “أم بي سي” بإشراف وحضور شخصي منه، ليقوم بعد توقيع العقد بالإعلان أن عمرو أديب بهذا التعاقد صار أغلى مذيع في الوطن العربي.

تركي آل الشيخ لم ينسَ في ختام الجلسة الثلاثية التي ضمته وعمرو أديب والمذيع بقناة “أم بي سي” بتال القوس، أن يهين عمرو أديب بطريقة مثيرة للجدل؛ حيث ضرب بقوة على كتفة وعلق قائلًا “يلا .. اللي بعده”.

فهل بدأت السعودية مرحلة جديدة من مراحل السيطرة على الإعلام المصري؟ أم أنّ الكفيل الخليجي مسيطر بالفعل على الإعلام المصري، وله نفوذ كبير داخل الفضائيات؟ وما قصة الفضائية الجديدة التي يتم إنشاؤها بالشراكة بين بن سلمان والسيسي؟ وما علاقة تركي آل الشيخ وعمرو أديب بذلك؟

أموال وسفريات مجانية وحج وعمرة

لا شكَّ أن النفوذ السعودي في الإعلام المصري هو نفوذ قديم ومتجذر، خصوصًا بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013، والذي حول الدولة إلى تابعة للكفيل الخليجي الذي أنفق الأموال على الانقلاب وقادته كي يحافظ عليه ويصنع منه دولة.

ووفقًا لتقرير صادر عن  الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان عام 2017، فإنَّ سيطرة المملكة العربية السعودية على الإعلام في مصر، قديم وممتد لوسائل إعلامية متنوعة، سواء كانت فضائيات أو صحف أو مواقع إخبارية.

وأًصدرت الشبكة “دراسة مفصلة” عن النفوذ السعودي في الإعلام المصري، حملت عنوان “إعلام الأمراء، كيف سيطر الإعلام السعودي؟” تضمنت  الدراسة رواية صحفيين مصريين ورؤساء تحرير عمّا شاهدوه بأنفسهم بعدها من تدخلات سعودية سافرة في شأن الإعلام المصري.

ولفتت الدراسة الصادرة في 70 صفحة، إلى وثائق ويكليكس التي تسربت في يونيو 2015، ما وصف بأنَّه ربما يكون تفاصيل عن طلبات تمويل مقدمة من السعودية لوسائل إعلام مصرية، كما كشفت الدراسة عن أنَّ وزارة الإعلام السعودية تستضيف للحج كل عام العشرات من رؤساء تحرير وكتاب ومقدمي برامج تلفزيونية استضافة كاملة، وتتضمن تذاكر السفر والإقامة والتنقلات، عبر دعوات يوجهها السفير السعودي في القاهرة للإعلاميين أصدقاء المملكة.

وبيّنت الدراسة أنّ أغلب المؤسسات الصحافية سواء القومية أو المستقلة تحصل على عدد من التأشيرات، وبعض الجرائد تُجري قرعة بين الزملاء والبعض الآخر يحتكر رؤساء التحرير وعائلاتهم رحلات الحج”.

كما أنَّ هناك وثيقة مُسرّبة بعنوان “فاتورة وكيل مؤسسة دار الهلال”. ووفقًا لويكليكس، فهي مذكرة من رئيس إدارة الشؤون الإعلامية في الخارجية السعودية إلى وكيل وزارة الثقافة والإعلام في المملكة، يطلب فيها صرف شيك بمبلغ 68 ألف دولار أمريكي لدار الهلال المصرية.

وجاء في الطلب الذي قدم في فبراير 2012، أن هذه الأموال لأنَّ دار الهلال نشرت حلقات أسبوعية خلال موسم حج 1432 هجرية عن الإنجازات التي حققتها المملكة العربية السعودية في مجال توسعة الحرمين الشريفين والمشاريع التي تم تدشينها مؤخرًا.

وأفادت برقية بعنوان “الاعتذار لصحيفة مصرية” موجهة من وزارة الثقافة والإعلام لسفارة المملكة في القاهرة، أنّه بعدما تلقّت وزارة الثقافة والإعلام خطابًا من رئيس مجلس الإدارة رئيس تحرير جريدة مصرية، مشفوع به نسخ من الجريدة وفاتورة بمبلغ (5000) ريال سعودي، لقاء نشر موضوع بمناسبة اليوم الوطني الحادي والثمانين، وطلبه صرف قيمتها.

السعودية تحجب مواقع مصرية

ووفقًا للدراسة فإن السعودية كانت وراء قرار حجب عدد كبير من المواقع الإخبارية المصرية”؛ حيث حجبت الجهات المعنية في المملكة العربية السعودية مواقع الإعلام القطرية على شبكة الإنترنت، بما في ذلك قنوات الجزيرة والمواقع الإلكترونية للصحف القطرية.

وجاء الحظر السعودي للمنافذ الإعلامية القطرية بسبب اختلاق تصريحات لأمير قطر واختراق وكالة الأنباء القطرية “قنا”، لنقل هذه الفبركات، وادعاء مواقف دعم الجماعات المتطرفة والتحريض على الأحداث في البحرين، وبرّروا الحظر في رسالة على الموقع تنص “عفوًا الموقع المطلوب مخالف لأنظمة وزارة الثقافة والإعلام”.

وأضافت الدراسة: “في السعودية تمّ حجب مئات آلاف المواقع لأسباب سياسية واجتماعية ودينية، وحجبت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية 600 ألف موقع على مدار العامين الماضيين كانت غير مدرجة تحت مخالفات الجرائم المعلوماتية.

وصرّحت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية، في إبريل 2017، بأنه تمّت معالجة أكثر من 900 ألف رابط مخالف عام 2016.

وبعد أيام من الحجب السعودي لتلك المواقع والصحف، سارعت مصر بالسير على خطاها، ليبدو الأمر وكأنه طلب سعودي سيادي وليس قرارًا مصريًا خالصًا.

شبكة جديدة لدعم السيسي وبن سلمان

ونظرًا لحرص نظام عبد الفتاح السيسي للسيطرة على كل المنافذ الإعلامية في مصر، وكذلك رغبة بن سلمان في السيطرة على المنافذ الإعلامية في الرياض، وربما في الوطن العربي ككل، فكرت مخابرات السيسي وبن سلمان في عمل إعلامي مشترك، يعمل على خدمة أهداف التوجهات الجديدة لنظامي السيسي وبن سلمان.

ووفقًا لتقرير سابق لموقع “العربي الجديد” فإنَّ المشروع الجديد يتم تصنيعه حاليًا “على نار هادئة”؛ حيث يتمثل هذا المشروع في شبكة تلفزيونية جديدة ستدشن قبل نهاية العام، وفق المصادر، بأموال سعودية وإدارة سعودية- مصرية مشتركة، وبتنسيق عالي المستوى بين الدائرة الخاصة للسيسي والمستشارين الإعلاميين لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.

ومن المرجَّح أن يترأسها المستشار الرياضي لبن سلمان ورئيس الهيئة العامة للرياضة في المملكة، تركي آل الشيخ، الذي قفز فجأة إلى المشهد المصري، كعرَّاب لاستثمارات سعودية واسعة النطاق في الرياضة المصرية، وتحديدًا في “النادي الأهلي”، أشهر أندية مصر وأكبرها جماهيرية وأكثرها حصدًا للبطولات المحلية والقارية.

ولن تكون الشبكة السعودية على شاكلة شبكة “إم بي سي” التي تخصص قناةً لمصر، كانت ولا تزال تبثّ برامج سياسية وترفيهية مصرية وتُنتج في مصر، بل ستكون الأولوية فيها للمحتوى المصري الموجّه للمصريين؛ إذ تمّ الاتفاق بالفعل مع عدد من كبار الإعلاميين الذين يقدمون البرامج السياسية العامة والرياضية على قناة “أون” المملوكة حاليًا لشركة “إعلام المصريين” التابعة لشركة “إيجل كابيتال” التي تديرها دائرة السيسي الخاصة مباشرة بأموال المخابرات العامة، وكذلك إذاعة “دي آر إن” المملوكة حاليًا لشركة “هوم ميديا” التابعة لشركة “فالكون” التي يديرها رجال أعمال بإشراف وزارة الداخلية.

ووفقًا للمصادر فإنّ عملية إنشاء الشبكة الجديدة جاءت في الأساس بطلب من بن سلمان وآل الشيخ، في إطار سعي السعودية لتوسيع استثماراتها الإعلامية والرياضية في مصر؛ إذ كان من المقرر في البداية أن تقتصر الشبكة على المحتوى الرياضي، وتم الاتفاق بالفعل مع عدد من نجوم الإعلام الرياضي المصري على الانتقال للشبكة الجديدة.

شراء إعلاميين مشهورين

السعودية لم تكتفِ ببسط النفوذ والسيطرة على الصحف والفضائيات، لكنها عملت على شراء إعلاميين مشهورين في مصر، عن طريق الإغداق عليهم بأموال طائلة، لتضمن ولاءهم في الفضائيات.

الإعلامي “عمرو أديب” كان آخر الإعلاميين العرب الذين اشترتهم السعودية عن طريق “تركي آل الشيخ” بعقد لمدة عامين مع قناة “ام بي سي السعودية” حيث بلغت قيمته 3 ملايين دولار.

ونشر آل الشيخ، مقطع فيديو عقب توقيع العقد مع أديب بحضور الإعلامي السعودي بتال القوس ممثلًا للشبكة، وكتب معلّقًا: “الآن أصبح عمرو أديب أغلى مذيع في الشرق الأوسط”. كان الإعلامي عمرو أديب قد أعلن منتصف مايو الماضي عزمه تركه فضائية ON E والتي يُقدّم عبرها برنامجه اليومي “كل يوم”، قبل أن تعلن شركة “إعلام المصريين” المالكة لشبكة قنوات ON أنه مستمر في تقديم برنامجه، وأن البرنامج سيتوقف طوال شهر رمضان والإجازة الصيفية ليعود في سبتمبر 2018.

مشهد “تركي آل الشيخ” وعمرو أديب أثار غضب واستياء نشطاء ومغردين وإعلاميين وسياسيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أن تصرف آل الشيخ يترجم بالفعل الوصف الذي وصفه به النشطاء وهو “شوال رز” يشتري من يشاء بأمواله سواء كانوا في الرياضة أو في الإعلام.

فيما أكد آخرون أن نظام “عبد الفتاح السيسي” هو من يتحمل تلك الإهانة؛ لأنه من سمح للكفيل الخليجي بالعبث في كل مقدرات الدولة، وفتح لهم الباب على مصرعيه، ليتحكم فيمن شاءوا بإموالهم.