مؤخراً، صدرت عدة تقارير كشفت عن دور الولايات المتحدة في توفير التدريب العسكري واللوجستي لعدد من فرق الاغتيال العالمية التي تقف وراء اثنتين من أكثر الاغتيالات شهرة في العقد الماضي: مقتل الصحفي السعودي والمعارض السياسي جمال خاشقجي، ومقتل الرئيس الهايتي جوفينيل مويس.

هذه الاكتشافات، التي أوردتها النيويورك تايمز وواشنطن بوست، ألقت ضوءً قاسياً على برامج التعاون الأمني ​​الأمريكي والشركات الخاصة العاملة بموافقة وزارة الخارجية التي تدرب الآلاف من الأفراد العسكريين الأجانب كل عام، وبكل أسف، بدون أخذ ضمانات أقوى على مشروع التدريب العسكري الأمريكي الأجنبي، من المحتم أن تستمر الولايات المتحدة في صقل مهارات أولئك الذين أصبحوا قتلة أجانب وقادة انقلابيين ومنتهكي حقوق الإنسان حول العالم.

في السنة المالية 2018، التي انتهت قبل يومين فقط من اغتيال خاشقجي الوحشي، قدمت وزارة الخارجية الأمريكية، إلى جانب وزارة الدفاع، تدريبات عسكرية لما يقرب من 62700 من أفراد الأمن الأجانب من 155 دولة، وبالطبع يستثني هذا الرقم العديد ممن تلقوا تدريبات عسكرية في صفقات مرخصة تجارياً من قبل وزارة الخارجية لكنهم تفاوضوا مباشرة بين العملاء الأجانب ومقاولي الدفاع الأمريكيين.

بغض النظر عن الآلية، فإن التدريب العسكري الأمريكي الأجنبي يظل يعاني من مجموعة من العيوب التي تورط بوضوح حكومة الولايات المتحدة في ممارسات أجهزة الأمن الأجنبية الوحشية في كثير من الحالات، وعليه، يجب أن تخضع هذه البرامج والمسارات التي ستستخدم فيها إلى مراجعة جديدة وأكثر شمولاً لجميع برامج التدريب العسكري الأمريكي في جميع أنحاء العالم، مع إصلاحات تمنع بشكل أكثر فعالية أعضاء الوحدات العسكرية التي لديها سجل من انتهاكات حقوق الإنسان من ارتكاب المزيد من هذه الجرائم.

لطالما نظرت الولايات المتحدة إلى التدريب العسكري الأجنبي على أنه أداة حاسمة في فن الحكم الأمريكي، حيث تساعد في تزويد الشركاء الأجانب بالخبرة اللازمة لمواجهة التهديدات الأمنية المشتركة، وأيضاً كوسيلة لتعميق وتوسيع شبكة التحالفات الأمريكية.

يُنظر إلى التدريب على وجه الخصوص، على عكس مبيعات الأسلحة أو برامج التعاون الأمني ​​الأخرى، على أنه فعال بشكل خاص في تعزيز النفوذ الأمريكي بين النخبة الأمنية للشركاء الأجانب، مما يساعد في تنمية العلاقات الشخصية والثقافية بالإضافة إلى الروح العسكرية المشتركة التي تهدف إلى توفير عوائد دائمة للمصالح الأمنية الأمريكية، فيما أشار آخرون إلى أهمية التدريب العسكري الأمريكي في تحسين الاحتراف والامتثال لحقوق الإنسان والشؤون المدنية والعسكرية للشركاء الأجانب.

على الرغم من هذه النوايا الحسنة، فإن هذه البرامج غالباً ما تنحرف عن مسارها، كما في حالة الدور المزعوم للعملاء الذين دربتهم الولايات المتحدة في اغتيال خاشقجي ومويز.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الانهيار الأخير لقوات الأمن الأفغانية في مواجهة هجوم طالبان المنسق على الرغم من وجود أكثر من 88 مليار دولار من التدريب المكثف والتجهيز وبناء المؤسسات الدفاعية الأمريكية على مدى السنوات العشرين الماضية يثير تساؤلات جدية حول فعالية برامج التدريب العسكري الأمريكية.

في حين أنه من المفترض أن تؤثر الوكالات الحكومية الأمريكية المختلفة في القرارات المتعلقة بالتدريب العسكري الأجنبي، فإن إجراءات التدقيق الحالية بعيدة عن الكمال: عمليات التحقق من الخلفية للطلاب الأجانب ليست دقيقة، كما كان الحال بالنسبة لمتدرب عسكري سعودي فتح النار على قاعدة بينساكولا البحرية في عام 2019، مما أسفر عن مقتل ثلاثة بحارة أمريكيين، وبعد مراجعة لاحقة وفحص أكثر صرامة تم طرد 21 طالبًا عسكرياً سعودياً إضافياً.

بينما يتم الموافقة على المتقدمين لأول مرة من قبل بلدانهم الأصلية قبل أن يخضعوا لعملية فحص بقيادة الولايات المتحدة، فمن غير الواضح مدى دقة مراجعة الحكومة الأمريكية لتاريخ المتقدمين وخلفياتهم وأدوارهم السياسية قبل الموافقة عليهم لبرامج التدريب.

زعمت مصادر أمريكية وسعودية تحدثت إلى صحيفة واشنطن بوست أن بعض العملاء الذين يقفون وراء مقتل خاشقجي والذين تلقوا تدريبات في الولايات المتحدة كانوا جزءً من مجموعة التدخل السريع السعودية، وهي أداة رئيسية في حملة المراقبة والاختطاف والاحتجاز والتعذيب التي يتعرض لها المعارضون السعوديون على يد السلطات.

في حين أنه لا يوجد دليل على أن المسؤولين الأمريكيين الذين وافقوا على التدريب أو الشركة التي زودتها بالبرامج كانوا على علم بتورط المتدربين في حملة القمع في المملكة العربية السعودية، فمن المهم طرح سؤالين: إذا كان المسؤولون الأمريكيون لا يعرفون، فهل السبب يعود إلى أنهم لم يقوموا بإجراء فحصاً شاملاً لخلفية المتدربين؟ وإذا كانت المخابرات الأمريكية على علم بهذه المجموعة، فهل شاركت أي معلومات مع وزارة الخارجية؟

بالإضافة إلى ذلك، يتم التحايل بسهولة على حواجز الحماية لضمان عدم توفير التدريب لمنتهكي حقوق الإنسان: كثيراً ما يُستبعد المسؤولون المنوطين بحماية حقوق الإنسان من عمليات صنع القرار المتعلقة بالمساعدة الأمنية، كذلك لا يتم تطبيق قانون ليهي- وهو إجراء أمان رئيسي يهدف إلى منع تقديم المساعدة الأمريكية للوحدات العسكرية التي تشارك في انتهاكات حقوق الإنسان- على مجموعة متنوعة من الأنشطة – بما في ذلك التدريب الذي يتم شراؤه على أساس تجاري – في الصفقات مع الشركات الخاصة المرخصة من قبل وزارة الخارجية، كما كان الحال مع القتلة السعوديين الأربعة المزعومين.

علاوة على ذلك، تعالج وزارة الخارجية آلاف التراخيص لنقل الأسلحة والخدمات، بما في ذلك التدريب، كل عام، مما يخلق تحديات بيروقراطية في ضمان إجراء تقييمات شاملة.

بينما يُفترض أن يلعب الكونغرس دوراً رقابياً رئيسياً عندما يتعلق الأمر بالتدريب العسكري الأجنبي، غالباً ما تقع مثل هذه الأنشطة تحت الرادار.

في محادثاتنا مع موظفي الكونغرس، علمنا أن المشرعين غالباً ما يكونون غير مدركين لحجم مؤسسة التدريب أو العديد من البرامج التي يتم من خلالها إدارة التدريبات، والأسوأ من ذلك، لا يتم إخطار أعضاء الكونغرس عندما يأذن الفرع التنفيذي ببيع التدريب الذي يقل عن عتبات ملايين الدولارات، مما يعني أن هذه البرامج غالباً ما تستمر دون أي فرصة حقيقية للمشرعين للتوسط.

يفتقر النظام إلى الشفافية، وهناك حاجة ماسة إلى إصلاحات لإبقاء المشرعين والمنظمين في السلطة التنفيذية على علم بكل ما يجري، والسماح لهم بفرض تدابير المساءلة، واشتراط المساعدة في معايير حقوق الإنسان على نطاق أوسع.

إن أحدث المعلومات التي تم الكشف عنها ليست سوى بعض الأمثلة الأكثر وضوحا في تاريخ طويل ومثير للقلق للقوات الأمريكية التي تقدم المساعدة والتدريب ووسائل العنف للفاعلين الذين يكونون بعد ذلك في وضع يمكنهم من استخدام مواردهم المكتشفة حديثاً للاعتداء على المدنيين أو توسيع سلطتهم في البيئات السياسية الهشة.

في مالي، على سبيل المثال، تلقى قادة انقلابين عسكريين منفصلين في العقد الماضي تدريبات عسكرية أمريكية، وفي كولومبيا، تعتبر قوات الكوماندوز التي دربتها الولايات المتحدة أبرز الجنود المؤهلين للتعاقد العسكري الدولي الخاص، حيث تم نشرهم كمرتزقة في مسارح بعيدة مثل اليمن والعراق.

وفي أمريكا اللاتينية، قدمت الولايات المتحدة تدريباً قتالياً حاسماً للأفراد الذين شاركوا على مدى عقود عديدة في الانقلابات والأنشطة شبه العسكرية وفرق الاغتيال، وعلى الأخص من خلال مدرسة الأمريكتين التي أعيدت تسميتها الآن.

إلى أي مدى قامت الولايات المتحدة بتتبع الأنشطة أو تقييمها مسبقاً لمخاطر تدريب الآلاف من أفراد الأمن الكولومبيين؟ خاصة وأن العديد منهم انتقلوا إلى التعاقد العسكري الخاص- لماذا سمحت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بهذا الأمر في المقام الأول، بالنظر إلى العواقب غير المقصودة التي يمكن أن تعرقل في بعض الحالات المصالح الأمريكية؟

في السنوات القليلة الماضية وحدها، مولت الولايات المتحدة أو باعت التدريب للعديد من البلدان التي يُزعم أنها متورطة في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، مثل مصر والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل ونيجيريا وإندونيسيا والفلبين والكاميرون وأذربيجان، من بين عدة آخرين.

كما نشأت علاقات وطيدة بين كبار الضباط في الولايات المتحدة وشركاء دوليين تهدف إلى تعزيز “القرابة” من خلال تبادل الخبرات المشتركة. لكن هذه الشراكات بين واشنطن وقوات الأمن في البلدان المستفيدة تلزم الولايات المتحدة أيضاً باستخدام أو إساءة استخدام المهارات القتالية المنقولة ورفع مستوى نخب عسكرية معينة في بيئات سياسية غير مستقرة للغاية.

 

ومع منح عشرات الآلاف من أفراد الأمن الأجانب تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة كل عام، يجب طرح السؤال: كم عدد القتلة المستقبليين أو قادة الانقلاب أو منتهكي حقوق الإنسان الذين يستفيدون من هذه البرامج التدريبية؟

تعهد الرئيس جو بايدن بوضع حقوق الإنسان على رأس السياسة الخارجية الأمريكية، بدون إصلاح عاجل لمشروع التدريب العسكري الأمريكي الأجنبي، سيبقى هذا الوعد مجرد حديث واهي.

في الحالة السعودية، رفض متحدث باسم وزارة الخارجية تأكيد ما إذا كانت قد منحت الرخصة التي وفرت التدريب للسعوديين، وذكر أن “هذه الإدارة تصر على الاستخدام المسؤول للمعدات الدفاعية الأمريكية من قبل حلفائنا وشركائنا، وتنظر في الردود المناسبة في حالة حدوث انتهاكات. السعودية تواجه تهديدات كبيرة على أراضيها ونحن ملتزمون بالعمل معا لمساعدة الرياض على تعزيز دفاعاتها”.

وعلى الرغم من الدور المزعوم لأفراد كولومبيين دربتهم الولايات المتحدة في اغتيال رئيس هايتي، نفى المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي وجود أي شيء من التدريب الذي تلقوه يمكن أن يكون مرتبطًا بالاغتيال. مضيفاً ” بعد ما حدث في هايتي، لا أعرف أي خطط في الوقت نتبناها لإعادة النظر أو تغيير هذا التدريب القيادي القيم والأخلاقي الذي نواصل تقديمه”.

كما أخبر العقيد بالجيش الأمريكي جون دي سوجز إذاعة صوت أمريكا في أبريل/نيسان، “سنقوم فقط بتدريب الأشخاص الذين لديهم نفس قيم حقوق الإنسان التي لدينا، والذين لديهم نفس القيم الديمقراطية التي لدينا.”

إذا كان الرئيس بايدن يرغب في تحويل وعوده بالأفعال، فعليه أن يبدأ بتحسين إجراءات تدقيق أكثر صرامة، وتطبيق إجراءات قانون ليهي على مبيعات الأسلحة، والالتزام بالشفافية العامة بشأن التدريب العسكري الذي تشاركه الولايات المتحدة مع شركائها الدوليين.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا