حالة جنون غير مسبوقة أصابت كيان الاحتلال أمام الصمود اللافت -المسبوق عادة والمعتاد كثيرا من المقدسيين- والتي انعكست في سلسلة إجراءات انتقامية للمؤسسة الإسرائيلية التي قدمت نيابتها العامة لائحة اتهام ضد القيادي الإسلامي الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية “المحظورة إسرائيليا”، بذريعة “التحريض على العنف ودعم الإرهاب”، ضمن النتائج المباشرة للانتفاضة الشعبية التي شهدتها بلدات الداخل الفلسطيني تصديا لاعتداءات المستوطنين من اليهود الحريدم على سكان مناطق اللد ويافا، وتنديدا بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، وانتصارا للقدس والأقصى وأهالي حي الشيخ جراح.

 

وتطالب النيابة العامة الإسرائيلية بالإبقاء على الشيخ كمال الخطيب الذي اعتقل الجمعة الماضي من منزله في بلدة كفر كنا، رهن الاعتقال حتى الانتهاء من الإجراءات القانونية الظالمة، وذلك بتهم هلامية مثل “التحريض على العنف”، و”التحريض على الإرهاب”، و”التماهي مع الإرهاب”، وذلك استنادا إلى عدة منشورات وتغريدات وتصريحات سابقة للشيخ الخطيب على شبكات التواصل الاجتماعي تتعلق بالانتفاضات التي شهدها الداخل الفلسطيني، والاعتداءات الإسرائيلية على مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك.

 

محاكمة الشيخ كمال الخطيب تأتي ضمن سلسلة اعتقالات جماعية بصفوف الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل استهدف بها الاحتلال نشطاء وقيادات القوى الوطنية والقومية والإسلامية من فلسطينيي 48، ولكن استهداف الخطيب تحديدا جاء لدوره البارز في قيادة الاحتجاجات والدعوة لها وذلك بتصريحات شهيرة كان أبرزها تصريحه لموقع الجزيرة إن “ما يحصل ببلدات الداخل الفلسطيني من اعتداءات لقطاعات المستوطنين وقمع غير مسبوق للشرطة وأذرع الأمن لفلسطينيي 48، سببه وأساسه السياسة الإسرائيلية وعدوانها تجاه القدس والأقصى”، ويعتقد الخطيب أن هذا التلاحم والحضور اليومي لعشرات الآلاف من الشبان والعائلات من فلسطينيي 48 بالقدس، رغم قمع قوات الاحتلال واعتداءات المستوطنين، شكّلا انتكاسة معنوية للمؤسسة الإسرائيلية عنوانها “أهل الداخل”، الذين احتجوا وانتفضوا وكانوا الجوهر الأساس بالاحتجاجات والفعاليات النضالية بالقدس والشيخ جراح”.

ويقول الخطيب في تصريحاته إنه “لا شك أن إسرائيل التي دفعت بعصابات المستوطنين للاعتداء على العرب ومهاجمة البلدات الفلسطينية بالداخل، تعيش حالة غضب وتوتر حيال الدور النضالي لفلسطينيي 48 الذي تواصل وتصاعد بظل حالة الطوارئ، بسبب العدوان العسكري على قطاع غزة، ولعل الحدث الأبرز كان في اللد، حين استشهد موسى حسونة برصاص المستوطنين الذين نفذوا اعتداءات على العرب بحراسة الشرطة الإسرائيلية”.

 

ويعتقد الخطيب الذي يشغل منصب رئيس لجنة الحريات في لجنة المتابعة العليا لشؤون الفلسطينيين بالداخل، أن انتكاسات المؤسسة الإسرائيلية بالقدس والأقصى والشيخ جراح تلزم إعادة ترتيب الأوراق والأدوات الفلسطينية للنضال، حيث ظن الاحتلال أنه نجح في التفريق بين أبناء الشعب الواحد، لكن أتاه الجواب من النشء الفلسطيني في الأحداث المتصاعدة منذ شهر رمضان، وهو ما يوحي بدور كبير قادم بالمرحلة المقبلة يؤسس لإعادة كتابة تاريخ المنطقة من جديد.

ولا يستهدف الاحتلال الشيخ كمال الخطيب وحده، بل تمتد الملاحقات لتأتي على الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني أيضا الذي تلاحقه المؤسسة الإسرائيلية منذ العام 1981، حيث اعتقل وفرضت عليه الإقامة الجبرية بذريعة الانتماء إلى منظمة “أسرة الجهاد”، ثم أعيد اعتقاله مرات عديدة كان آخرها قبل أشهر بتهمة التسبب في انتكاسات المؤسسة الإسرائيلية على أعتاب القدس والأقصى، بعام 2017 حين أحبط الشيخ رائد ومن خلفه المقدسيين عبر النضال الشعبي والاعتصام قبالة أسوار القدس، مخطط البوابات الإلكترونية، وأُجبرت الحكومة الإسرائيلية على إزالة البوابات الإلكترونية من ساحة الأسباط، كما عاد وشارك عام 2019 -قبل صدور الحكم النهائي بحسبه انفراديا- انتصارا جديدا بافتتاح مصلى باب الرحمة الذي كان مغلقا من قبل سلطات الاحتلال على مدار 16 عاما، قبل أن يتسلم منه الشيخ كمال الخطيب الراية بمشهد الانتصار عام 2021 في هبة باب العامود، وتحصين أهالي حي الشيخ جراح.

 

وحول اعتقال الشيخ رائد، سبق وصرح الشيخ كمال الخطيب بأن حظر الحركة الإسلامية عام 2015 وملاحقة قيادتها وسجن رئيسها الشيخ رائد صلاح الذي يقضي عقوبة السجن انفراديا لمدة 17 شهرا، بعد إدانته بالتحريض على الحراك الشعبي عند باب الأسباط الذي أفشل البوابات الإلكترونية على أبواب الأقصى، يأتي محاولة لردع الفلسطينيين بالداخل وترويعهم، وقطع تواصلهم مع القدس والأقصى، لكن ثقافة الرباط باتت هي السائدة والتي ظهرت جلية في حراك شعبي عفوي تجاوز كافة القيادات والأحزاب، حين خرج أهالي الداخل الفلسطيني إلى الشوارع في احتجاجات ضد سياسات ونهج المؤسسة الإسرائيلية وفعاليات نضالية لمواجهة عصابات المستوطنين في معركة وجودية تخطت قضايا الحقوق والخدمات.

 

وبشكل عام، شكل عام 1996 منعطفا تصعيديا من قبل المخابرات الإسرائيلية التي أطلقت حملتها ضد الحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح حينما حسمت الحركة الموقف ورفضت المشاركة في انتخابات الكنيست آنذاك، كما رفضت أن تكون جزءا من الدائرة السياسية التي سعت المؤسسة الإسرائيلية لرسمها وتحديدها لفلسطينيي 48، ليجد المشروع الإسلامي في الداخل المحتل -ومعه القوى الوطنية المتمسكة بالثوابت- نفسه عرضة للملاحقة والتحقيقات وسجن للقيادات تحت مسميات “التحريض على العنف”، و”دعم الإرهاب”، و”التماهي مع منظمات إرهابية”، وذلك سعيا لترويع وإرهاب الجماهير العربية في الداخل وعزلها عن القضية الفلسطينية وإبعادها عن القدس والأقصى، والتي كان آخرها محاولة الانتقام الإسرائيلي ورد الاعتبار المزعوم لنفسه عبر الاعتقالات الجماعية في الداخل الفلسطيني ومحاكمة الشيخ الخطيب ومن قبله الشيخ رائد صلاح.