العدسة – ياسين وجدي :

انطلق منتدى الاستثمار السعودي الذي كان يحلم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأن يكون “مغارة الكنوز ” وبداية لتدشين ملكه ، ولكن بعد اتهامه بقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي وما ترتب عليه من انسحابات بالجملة من المنتدى صار “سراب” بالصحراء يحسبه فريقه الظامئ لأي قفزة اقتصادية نجاحا وهو عين السراب.

“العدسة” بحث وراء مشهد السقوط الفاضح للمنتدى ، حول حال الاقتصادي السعودي نفسه ، وذهب للاجابة عن السؤال الأكثر الحاحا بين المراقبين : هل يتحمل اقتصادي الرياض مزيدا من بقاء الأمير القاتل ؟، وبدت الاجابة ذات صوت عال : لا وألف لا .

ضربة قاضية

رمزية السقوط والفشل الذريع الذي اصاب منتدي الاستثمار السعودي تمكن في التطلعات الكبرى التي عول عليها المسئولون السعوديون في مقدمتهم “بن سلمان” الذي يترأس المنتدي بعد أن جعله تحت رعاية أبيه ولكن اضطر مسئول سعودي كبير للاعترف بقوة الضربة على المملكة .

 

السعودية خسرت بحسب المراقبين كثيرا من الصفقات بالمقاطعة الكبرى للمؤتمر ، خاصة أنه كان يحتل موقعا بارزا في جدولها كبيرا وصل بحسب وصف الاعلام السعودي الرسمي إلى أنه يعتبره ” الحدث الأكبر في المملكة والشرق الأوسط، خلال هذه الفترة” وأنه أداة لـ”بناء شبكة تضم أهم الأطراف المؤثرين في الساحة العالمية، إضافة إلى تسليط الضوء على القطاعات الناشئة التي ستسهم في رسم مستقبل الاقتصاد العالمي خلال العقود المقبلة”.

ولكن يرى مراقبون دوليون أن قتل ” خاشقجي” أصحب أشبه بصندوق “باندورا”؛ الذي تعصف تبعاته بمبادرات وخطط السعودية التي كانت تستهدف فيها تغيير هيكل الاقتصاد، مؤكدين أن المبادرة التي كان من المفترض أن تروج لبرنامج ولي العهد ، شهدت الوأد قبل أن ترى النور بفضل ما جرى في القنصلية السعودية باسطنبول.

وبجانب الخسارة الاقتصادية ، فإن المقاطعة الكبرى للمنتدى ، باتت كتصويت غربى علي رفض رئاسة ولي العهد السعودي وتوسده الملك بعد أبيه ، وهو ما لفتت الانتباه إليه تسريبات شبكة “سي.إن.إن” الامريكية نقلا عن “مصدر مطلع” كشف أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أبلغ ولي العهد السعودي خلال لقائهما الثلاثاء الماضي بأن “مستقبله كملك على المحك”، وهو ما رد عليه “بن سلمان” قائلا:” الرسالة وصلت”.

 

المنصات السعودية الرسمية كشفت في هذا السياق عن توجه لمحاولة تخفيف وقع الصدمة على “بن سلمان”، وهو ما برز في التغطيات بحسب تحليل مضمون مبدئي أجراه العدسة علي بعض المنصات السعودية ، حيث أبرزت مدحا زائدا زعمت فيه أن السعودية باتت ” قِبلة المستثمرين” ، وأن ” مفاتيح النجاح في يد ولي العهد محمد بن سلمان تُحوّل الرمال ذهبًا” دون أن توضح كيف رغم الانسحابات .

رمزية سقوط المنتدي كذلك لاحقت موقع عقد المؤتمر في فندق ريتز كارلتون بالرياض، الذي شهد احتجاز عشرات من الأمراء ورجال الأعمال والمسؤولين في حملة على الفساد بعد أيام فقط من اختتام مؤتمر العام الماضي.

المقاطعة ضربت سجن رجال الاعمال السابق في مقتل خاصة أن مسؤولين زعموا أن الحملة جمعت أكثر من 100 مليار دولار من مشتبه بهم من خلال تسويات مالية، لكن ذلك الرقم لم يتم التحقق منه ولم تعلن أبدا تفاصيل الجرائم المزعومة، وهو ما غذى مخاوف المستثمرين بشأن الشفافية القانونية .

 

وزير الطاقة السعودي خالد الفالح لخص صدمة المقاطعة في كلمته في بداية المنتدى مؤكدا أن المملكة “تمر بأزمة” و”أيام صعبة ” بسبب قتل ” خاشقجي” مضيفا أن مقتله “مقيت ومؤسف ولا يمكن لأحد في المملكة أن يبرّره”بحسب زعمه.

مخاطر اقتصادية

ووفق مراقبين اقتصاديين فإن المخاطر الاقتصادية، التي تتعرض لها السعودية، بعد التورط في قتل “خاشقجي ” أكثر إرباكا للمشهد في البلد الخليجي الغني بالنفط، وأكبر مصدر للخام في العالم، ولم تعد هذه المخاطر تقتصر على الشركات والمؤسسات المحلية العاملة في هذا البلد، وإنما امتدت إلى شركائه في الخارج أيضاً، خاصة بعدما صار الفشل هو العنوان الأبرز لمنتدي الاستثمار السعودي.

 

 

فمنذ تصاعد الأزمة تراجع الريال السعودي، إلى أدنى مستوياته منذ يونيو 2017، وزادت كلفة التأمين على ديون المملكة لأعلى مستوى في 11 شهراً، واعلنت السعودية مهادنة الإدارة الأميركية، بالإعلان عن استعدادها لزيادة إنتاج النفط، متراجعة عن نبرتها التصعيدية .

كما ارتفعت عقود مقايضة مخاطر الائتمان لخمس سنوات، إلى 100 نقطة أساس، بعدما أغلقت عند 89 نقطة أساس يوم الجمعة الماضية، كما اتسعت دائرة المخاطر لتطاول شراء استثماريين للسعودية، وتراجعت أسعار أسهم المجموعة اليابانية العملاقة للاتصالات “سوفت بنك غروب” بحوالي 7% في بورصة طوكيو بسبب مخاوف مرتبطة بعلاقاتها المالية مع السعودية.

وبلغ صافي مبيعات الأجانب في الأسهم السعودية 4.01 مليار ريال (1.07 مليار دولار) في الأسبوع المنتهي في 18 أكتوبر  في أكبر موجات البيع منذ فتح السوق أمام الشراء الأجنبي المباشر في منتصف 2015.

 

وبلغ حجم الاستثمارات التي هربت وستُهرّب من السعودية وفق تقرير حديث لمصرف “جي بي مورغان” أكبر المصارف الأميركية، إلى 60 مليار دولار، ويرجح مراقبون اقتصاديون أنه بعد جريمة قتل خاشقجي، فإن قيمة أموال الأثرياء النازحين الذين سيهرّبونها من السعودية سترتفع ربما إلى أكثر من 100 مليار دولار حسب تقديرات غير رسمية.

رؤية فاشلة

وحسب محللين، فإن رؤية ولي العهد محمد بن سلمان للإصلاح الاقتصادي والسياسي، التي أطلق عليها “رؤية 2030″،ويأتي المنتدي في اطارها ، حولت السعودية إلى دولة شبه فاشلة اقتصادياً، إذ يواصل الاقتصاد الانكماش منذ مجيء بن سلمان لولاية العهد، وهو ما يعزز المخاوف المستمرة على المملكة في ظل بقاء الأمير بن سلمان في سدة القرار.

الأرقام المرصودة تتحدث بوضوح عن أزمة زاحفة لن تتوقف ، حيث انكمش النمو الاقتصادي في السعودية خلال العام الماضي بنحو 0.7%، كما ارتفعت نسبة البطالة إلى أكثر من 12% ولكنها وسط الشباب أكبر بكثير من هذا الرقم، وذلك وفقاً للإحصاءات الرسمية السعودية التي كشفت كذلك وصول الدين العام للمملكة إلى مستويات تاريخية، بعد أن قفزت بنحو 1200% في غضون أربع سنوات، كما تحولت المملكة الغنية بالنفط من الفائض المالي إلى العجز رغم الاقتراض غير المسبوق.

وجاء تزايد الديون إلى مستويات غير مسبوقة ليزيد من الشكوك حول رؤية بن سلمان، حيث كشفت بيانات صادرة عن وزارة المالية السعودية  أن الدين العام للمملكة، قفز بنحو 1200%، في غضون أربع سنوات، ليصل وفق تقديرات الوزارة بنهاية 2018، إلى 576 مليار ريال (153.6 مليار دولار)، مقابل 11.8 مليار دولار نهاية 2014.

كما ارتفعت الديون السيادية الخارجية والداخلية، مع تزايد معدل الإنفاق على حرب اليمن التي تكلف الاقتصاد السعودي مبالغ تتراوح ما بين 6 إلى 8 مليارات دولار، وذلك وفقاً لتقديرات صحيفة “فاينانشيال تايمز”.

 

هذه الارقام مؤشر تابع لما أظهرته العديد من التقارير الدولية بحسب وكالة بلومبيرغ الأميركية ، عن فشل 5 مشروعات وخطط ضخمة من ذات المشروع”  2030″ الذي يقام منتدي الاستثمار تحت لافتته ، وعلى رأسها إلغاء طرح حصة من شركة أرامكو عملاق النفط السعودي في أسواق المال العالمية، ما أدى إلى توجيه ضربة قاسية لرؤية بن سلمان، كما يحيط الغموض بمشروع ضخم للطاقة الشمسية بنحو 200 مليار دولار رغم التصريحات السعودية باستمراره، وتسببت خطة عشوائية لسعودة الوظائف بشكل موسع في أضرار للقطاع الخاص وانحسار الاستثمارات المحلية والأجنبية، فيما أدى التراجع عن خصخصة الكثير من المشروعات إلى تعزيز شكوك المستثمرين في قدرة بن سلمان على الوفاء بوعوده لتنويع الاقتصاد، وهو ما يحيل المشهد الاقتصادي الصعب إلى ورقة ضغط للاطاحة بالأمير محمد بن سلمان أو على الأقل تقويض سطوته.