عندما يصبح التطبيع أعمق من السياسة

بعد أيام قليلة من عار الإفطار الإماراتي في تل أبيب، الذي جمع مسؤولين إماراتيين مع قادة الاحتلال في وقت تباد فيه غزة بالتجويع والحصار، لم تكتفِ أبوظبي بهذا المشهد المخزي، بل انتقلت إلى مرحلة أعمق من التطبيع، باستضافة وفد من قادة المستوطنين الإسرائيليين الأكثر إجرما وتطرفا ودموية.

حيث كشفت وسائل إعلام عبرية عن زيارة وفد استيطاني رسمي إلى الإمارات، حيث التقوا بمسؤولين حكوميين كبار لمناقشة فرص التعاون الاقتصادي والأمني والدبلوماسي بين الطرفين، في خطوة تكرّس الدعم الإماراتي المباشر لمشاريع الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، وتشير بما لا يدع مجالا للشك إلى حجم تورط أبوظبي في تمويل وتسهيل المخططات الصهيونية على الأرض الفلسطينية.

من هم قادة المستوطنين الذين استقبلتهم الإمارات؟

ضم الوفد الإسرائيلي شخصيات بارزة في ملف الاستيطان والاعتداءات على الفلسطينيين في الضفة الغربية، منهم:

إسرائيل غانز: رئيس مجلس يشع، وهو أكبر تجمع للمجالس البلدية للمستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، والذي يعمل على توسيع المشاريع الاستيطانية وتشجيع البناء غير القانوني على الأراضي الفلسطينية.

Image

إليرام أزولاي: مستشار المجلس الإقليمي لمستوطنات تلال الخليل، وهو مسؤول عن إدارة المستوطنات الأكثر عنفًا في الضفة الغربية، حيث تنشط الميليشيات الاستيطانية المتطرفة التي تنفذ هجمات يومية ضد الفلسطينيين.

عمر رحيم: الرئيس التنفيذي لمجلس يشع، المسؤول عن تطوير العلاقات الدولية للمستوطنات وتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي على المستوى العالمي.

وبحسب التقارير والصورة المنشورة، التقى هؤلاء المستوطنون بمسؤولين إماراتيين بارزين، كان من بينهم علي النعيمي، الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات، في خطوة تعكس تغلغل المستوطنين الصهاينة داخل المؤسسات الإماراتية الأكاديمية والاقتصادية.

التعاون الاقتصادي.. الإمارات تمول الإبادة والاستيطان؟

ناقش وفد المستوطنين في الإمارات فرص التعاون الاقتصادي، الذي يُعد أخطر أشكال التطبيع، لأنه يوفر مصادر تمويل مباشرة للمستوطنات غير الشرعية.

المستوطنات في الضفة الغربية تُعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي، وهي من أبرز أدوات سرقة الأراضي الفلسطينية، ومع ذلك، يبحث المستوطنون عن شراكات استثمارية في الإمارات لدعم اقتصادهم الذي يقوم على الاستيلاء على الموارد الفلسطينية.

التطبيع الاقتصادي يعني أن الشركات والمستثمرين الإماراتيين يساهمون بشكل مباشر أو غير مباشر في تمويل المشاريع الاستيطانية بل وجرائم الإبادة في غزة، سواء عبر صفقات تجارية أو مشاريع مشتركة.

وهذا يعكس مدى الخطورة التي باتت تمثلها العلاقة الإماراتية-الإسرائيلية، حيث لم تعد مجرد علاقات سياسية، بل تحولت إلى دعم مالي لمخططات الاحتلال التوسعية.

التعاون الأمني.. تبادل الخبرات في الجرائم

إلى جانب الاقتصاد، ناقش المستوطنون مع مسؤولي الإمارات فرص التعاون الأمني، وهو الملف الأكثر حساسية في العلاقات بين الطرفين.

التقارير تؤكد أن الإمارات تسعى للاستفادة من التكنولوجيا الأمنية الإسرائيلية، بما في ذلك أنظمة المراقبة والتجسس التي تستخدمها إسرائيل ضد الفلسطينيين.

وهو ما يثير المخاوف من نقل خبرات إسرائيل في القمع والرقابة إلى النظام الإمارتي، حيث يسعى الأخير لتعزيز سيطرته الأمنية عبر تقنيات التجسس الصهيونية، ليستخدمه بنفسه في جرائمه المنتشرة في المنطقة العربية وحتى في أوروبا، وبالطبع لتعزيز قبضته على مواطنيه والمقيمين لديه في الداخل.

لماذا تستضيف الإمارات المستوطنين المتطرفين؟

اللافت في هذه الزيارة أن النظام الإماراتي لم يستقبل مسؤولين إسرائيليين رسميين فقط، بل فتح أبوابه لأكثر الفئات تطرفًا داخل إسرائيل، وهم المستوطنون، الذين يمارسون الإرهاب اليومي ضد الفلسطينيين.

فالمستوطنون هم رأس الحربة في تهويد الضفة الغربية، وهم المسؤولون عن تنفيذ الجرائم اليومية من قتل واعتداءات على الفلسطينيين، ومع ذلك، يتم استقبالهم في الإمارات كـ”شركاء استراتيجيين”.

هذا يعكس تخطي التطبيع الإماراتي لكل الخطوط الحمراء، فلم يعد الأمر مجرد علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، بل شمل دعمًا مباشرًا للمستوطنين، الذين يمثلون أبشع صور الاحتلال.

ما الذي يعنيه هذا اللقاء

هذه الزيارة ليست مجرد لقاء بروتوكولي، بل مؤشر خطير على أن الإمارات لم تعد مجرد طرف محايد في القضية الفلسطينية، بل أصبحت جزءًا من المشروع الصهيوني الاستيطاني، فأي استثمارات إماراتية في المستوطنات تعني مشاركة مباشرة في سرقة الأراضي الفلسطينية.

كما أن التعاون الأمني يعني أن التقنيات القمعية التي طورتها إسرائيل ضد الفلسطينيين سيتم استخدامها ضد المعارضين في الإمارات والدول العربية.

هذه الزيارة تمنح المستوطنين شرعية دولية عبر بوابة الإمارات، وتجعلهم جزءًا من منظومة اقتصادية لا تعترف بالقوانين الدولية التي تعتبر الاستيطان جريمة حرب.

الإمارات.. أكبر داعم للاستيطان في المنطقة؟

في الوقت الذي تواصل فيه الشعوب العربية رفض التطبيع، يبدو أن الإمارات تتصدر قائمة الدول التي توفر الدعم الاقتصادي والسياسي للمستوطنين الإسرائيليين.

من تمويل المشاريع في المستوطنات، إلى استقبال الإرهابيين الصهاينة في القصور والمؤسسات الأكاديمية، يبدو أن أبوظبي قررت أن تكون الحليف الأهم للصهاينة، ولو كان ذلك على حساب الفلسطينيين والعرب.

هذه الزيارة تكشف أن التطبيع الإماراتي لم يكن مجرد اتفاق سلام، بل مشروع استراتيجي لدعم الاحتلال على كل المستويات.

التطبيع يتجاوز كل الخطوط الحمراء

ما يحدث اليوم ليس مجرد علاقات دبلوماسية بين الإمارات وإسرائيل، بل هو تطبيع يتخطى كل الخطوط الحمراء، ليصل إلى دعم مباشر لأكثر الفئات تطرفًا داخل الكيان الصهيوني.

استقبال الإمارات لقادة المستوطنين يعني أنها لم تعد تتعامل فقط مع الحكومة الإسرائيلية، بل تدعم بشكل مباشر القوى التي تنفذ الإبادة والتهويد في فلسطين.

أي حديث عن “السلام” بعد هذا اللقاء هو مجرد كذبة، فما يحدث هو تمويل للاستيطان، وتبرير لجرائم الاحتلال، وتواطؤ في سرقة الأراضي الفلسطينية.

إن المستوطنين الذين قتلوا الفلسطينيين وهدموا بيوتهم بالأمس، يجلسون اليوم في مكاتب الإمارات كرجال أعمال محترمين، يبرمون صفقات جديدة لتعزيز احتلالهم، بينما يعاني الفلسطينيون من القمع والتهجير، وسط صمت عربي مخزٍ، وتواطؤ علني من بعض الأنظمة التي قررت أن تكون على الجانب الأسود من التاريخ.