في خطوة تعكس تنامي الغضب الشعبي والنخبوي داخل المغرب ضد مظاهر التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وجه عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المغربية الأسبق، انتقادات لاذعة إلى الحكومة، مطالبًا العاهل المغربي الملك محمد السادس بالتدخل الفوري لمنع رسو أي سفينة يُشتبه في دعمها للآلة العسكرية الإسرائيلية، معتبراً أن السماح بذلك يتنافى مع القيم الدينية والوطنية، ويمثل مشاركة غير مباشرة في قتل الفلسطينيين.
وتأتي تصريحات بنكيران في وقت تشهد فيه المدن المغربية حراكًا شعبيًا متزايدًا رافضًا للتطبيع، وسط تقارير عن رسو سفينة مرتبطة بإسرائيل في ميناء الدار البيضاء، ما فجّر موجة غضب جديدة وأعاد الجدل حول علاقة الرباط بتل أبيب، التي تعززت خلال السنوات الأخيرة برعاية أمريكية.
بنكيران يندد ويحمّل الملك مسؤولية أخلاقية ودينية
في كلمته أمام اجتماع الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، لم يتوانَ بنكيران عن التعبير عن استيائه العميق من صمت الدولة المغربية إزاء المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في قطاع غزة، قائلاً: “ما يحدث اليوم في فلسطين يمثل عاراً للأمة الإسلامية وشعوبها وحكامها”.
وأعلن بنكيران رفضه المطلق لأي تعاون مع الاحتلال، خاصة في ظل المعلومات التي تشير إلى أن السفن المتجهة لإسرائيل تمر عبر موانئ مغربية، وتحمل مواد ومعدات عسكرية تستخدم في العدوان على الشعب الفلسطيني. وقال: “لا يمكننا، تحت أي مبرر، أن نكون جسراً لإمداد آلة القتل الصهيونية”.
ووجّه بنكيران نداءً مباشراً إلى الملك محمد السادس، بصفته رئيس لجنة القدس، للتدخل العاجل لوقف هذه الانتهاكات المستترة تحت مظلة التجارة والاقتصاد. وحذر: “إذا استمر صمتنا، فإنهم سيأخذون المسجد الأقصى”، مشيراً إلى التهديدات المتصاعدة التي يتعرض لها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
غضب شعبي ونقابي ضد رسو سفينة متجهة إلى إسرائيل
في موازاة المواقف السياسية، كشفت بيانات ملاحية، الأحد الماضي، عن رسو سفينة تحمل اسم “ميكسو ميرسك”، ورقم التسجيل 9220885، في ميناء الدار البيضاء، بعد أن بقيت لأيام في محيط الميناء تتريث قبل الدخول، وسط ضغوط شعبية ونقابية لعرقلة دخولها.
وتتبع السفينة لشركة ميرسك الدنماركية، وترفع علم هونغ كونغ، وقد أثارت الشكوك حول محتوى حمولتها، إذ تشير تقارير إلى أنها كانت تنقل معدات عسكرية، بينها قطع غيار لطائرات إف-35، وأسلحة أمريكية الصنع تُستخدم في المجازر الجارية في قطاع غزة.
وفي بيانها، دعت النقابة الوطنية لعمال الموانئ كافة العاملين في ميناء الدار البيضاء إلى مقاطعة السفينة وعدم تفريغها أو التعامل معها بأي شكل من الأشكال، في موقف حازم يعكس تمسك العاملين بمبادئ الشعب المغربي وتضامنهم مع فلسطين.
كما أصدرت حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) بياناً على منصة “إكس”، أكدت فيه أن السفينة تعد جزءًا من سلسلة دعم لوجستي للإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل بدعم أمريكي في غزة، معتبرة أن عرقلة دخول السفينة شكّلت نصرًا أخلاقيًا يجب البناء عليه.
تناقضات السلطة المغربية.. تطبيع فوق إرادة الشعب
في ظل هذا التصعيد الشعبي والسياسي، تتزايد التساؤلات حول مدى توافق سياسات الدولة المغربية مع المزاج الشعبي العام، الذي يتمسك بدعمه لفلسطين ويرفض أي شكل من أشكال التطبيع، مقابل اندفاع رسمي متزايد نحو تعميق العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي.
فمنذ توقيع اتفاقيات “أبراهام” برعاية إدارة ترامب في ديسمبر 2020، سعت الحكومة المغربية إلى توسيع التعاون مع تل أبيب في مجالات متعددة، بما في ذلك التعاون العسكري والأمني. وقد أثار ذلك انتقادات واسعة، خاصة مع تواتر التقارير التي تكشف عن دعم مغربي غير مباشر لصناعات إسرائيلية، أو تسهيلات لوجستية لسفن مرتبطة بالمجهود الحربي الإسرائيلي.
ومع استمرار العدوان الإسرائيلي الذي خلّف أكثر من 168 ألف شهيد وجريح في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، فإن صمت الحكومة المغربية، بل وتورطها المحتمل في تسهيل تحركات السفن ذات العلاقة بالاحتلال، بات يطرح أسئلة أخلاقية ودستورية وسياسية.
وفي هذا السياق، اعتبر بنكيران أن تطبيع العلاقات لا يجب أن يتحول إلى تبرير لانتهاك المبادئ، محذرًا من أن غضب الشعوب العربية والإسلامية قد يتحول إلى بركان إذا استمر الحكام في التنصل من مسؤولياتهم التاريخية تجاه فلسطين، وأضاف: “لا يحق لأحد أن يصمت على قتل الأطفال وتجويعهم وحرقهم، فحتى لو لم يكونوا عرباً أو مسلمين، فهم بشر يستحقون الحياة”.
بين صوت الشعب وتطبيع القصر.. المغرب أمام مفترق طرق
يعكس تصريح بنكيران موقفًا شعبيًا متجذرًا في الوجدان المغربي، لطالما رفض الاحتلال الإسرائيلي واعتبر القضية الفلسطينية جزءًا من قضايا الهوية والعدالة. لكن ما يحدث في الواقع السياسي يشي بانفصام بين إرادة الشعب وممارسات الدولة.
إن رسو سفن مرتبطة بإسرائيل في موانئ المغرب، في ظل مجازر متواصلة في غزة، ليس مجرد خطأ تقني أو عارض لوجستي، بل مؤشر على انزلاق خطير نحو المشاركة في جريمة العصر. فهل يستجيب القصر لدعوة بنكيران ويوقف هذا الانحدار؟ أم يستمر في تعميق التطبيع على حساب القيم التي طالما افتخر بها الشعب المغربي؟ الزمن وحده سيجيب، لكن الشعوب لا تنسى، وفلسطين ستبقى المعيار الأخلاقي الأهم.
اقرأ أيضًا : غارات تحصد أرواح العشرات بغزة..والاحتلال يفرض التهجير بالقوة!
اضف تعليقا