بدأ بنك “الإمارات دبي الوطني” إجراءات الفحص النافي للجهالة تمهيدًا للاستحواذ على “بنك القاهرة“، بعد موافقة البنك المركزي المصري، في صفقة يُتوقع إتمامها خلال شهر ونصف، وبقيمة تزيد على مليار دولار. 

هذه الخطوة أعادت إلى الواجهة الجدل حول بيع الأصول المصرفية المصرية، خصوصًا وأن “بنك القاهرة” يعد ثالث أكبر البنوك الحكومية من حيث الانتشار والأصول، وله تاريخ طويل في القطاع المصرفي المصري منذ تأسيسه عام 1952.

المخاوف تتزايد بشأن هذه الصفقة، خصوصًا أنها تأتي بعد محاولتين سابقتين لبيع البنك، الأولى في 2008 بعهد حسني مبارك لكنها فشلت، والثانية في 2020 خلال حكم عبد الفتاح السيسي لكنها تعثرت بسبب جائحة كورونا. 

ومع إعلان الحكومة المصرية في 2023 نقل ملكية البنك إلى “بنك مصر” تمهيدًا لبيعه، تزايدت الانتقادات، خاصة أن البنك يمتلك محفظة أصول ضخمة وحقق أرباحًا تجاوزت 8.6 مليار جنيه في 2024، ما يجعله أحد الأصول الرابحة.

رفض سياسي واقتصادي واسع.. وصفقة تثير التساؤلات

أعرب سياسيون وخبراء اقتصاد عن رفضهم للصفقة، مشيرين إلى أن بيع “بنك القاهرة” للبنك الإماراتي ليس فقط تنازلًا عن أحد الأصول المصرفية القوية، بل يأتي ضمن سلسلة طويلة من عمليات استحواذ إماراتية على قطاعات حيوية في مصر، ما يثير تساؤلات عن مدى تأثير ذلك على السيادة الاقتصادية المصرية.

الكاتب الاقتصادي مصطفى عبد السلام وصف الصفقة بأنها “بيع بالأمر المباشر”، متسائلًا عن سبب تفضيل الحكومة المصرية للبنك الإماراتي على مؤسسة كويتية أبدت اهتمامًا بالاستحواذ. 

كما أشار خبراء إلى أن عرض 2008 من “البنك الأهلي اليوناني” بلغ 2.25 مليار دولار، وهو ضعف قيمة الصفقة الحالية، مما يثير الشكوك حول مدى عدالة التقييم الحالي للبنك.

المخاوف الأمنية كانت أيضًا محورًا رئيسيًا في رفض الصفقة، إذ يُعتقد أن البنك يمتلك محفظة أصول كبيرة في مناطق حساسة مثل سيناء، وهو ما دفع البعض للربط بين البيع وخطط تهجير أهالي غزة إلى سيناء، خصوصًا بعد تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بهذا الشأن.

بدائل مقترحة.. ومطالب بوقف الصفقة

مع تصاعد المعارضة، طرح خبراء عدة بدائل لبيع البنك، من بينها طرحه للاكتتاب العام، أو دخول مستثمرين محليين للحفاظ على ملكيته داخل مصر.

البرلماني السابق طلعت خليل شدد على ضرورة تقديم حلول عملية لوقف الصفقة، مشيرًا إلى أن الاستثمارات الإماراتية في مصر توسعت بشكل يهدد مفاصل الاقتصاد، من البنوك إلى الموانئ والمطارات وحتى المدن الجديدة مثل “رأس الحكمة” في مرسى مطروح.

من جانبه، اعتبر الاقتصادي علاء الدين سعفان أن الإمارات تمارس “تدخلًا سافرًا” في الاقتصاد المصري منذ 2013، مستغلة دعمها المالي للنظام الحاكم للحصول على مزيد من الأصول الاستراتيجية بأسعار بخسة. 

كما شكك في مدى جدية الفحص النافي للجهالة، معتبرًا أن منح الإماراتيين 45 يومًا فقط لهذا الإجراء يؤكد أن الصفقة محسومة مسبقًا، بغض النظر عن نتائج الفحص.

أما الخبير الاقتصادي مصطفى عادل، فقد حذر من أن استمرار البنك في يد الدولة قد يضر بالقطاع المصرفي، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن بيعه للإمارات ليس الحل الأمثل.

واقترح أن يكون المشتري صندوقًا استثماريًا أمريكيًا بدلًا من مستثمر خليجي، لضمان تدفق الدولار إلى الاقتصاد المصري والاستفادة من التكنولوجيا المصرفية المتقدمة.

في ظل هذه المعطيات، لا تزال الصفقة محل جدل واسع، فيما تتصاعد الدعوات إلى وقفها والبحث عن بدائل تحافظ على الأصول الوطنية وتحمي الاقتصاد المصري من مزيد من التبعية الخارجية.

اقرأ أيضًا : مذكرة تعاون بين دروز إسرائيل والإمارات.. هل يدعم نظام بن زايد التحرك الدرزي ضد سوريا الجديدة؟