في مشهد دبلوماسي غير بريء استقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، اليوم الثلاثاء، العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في مطار البطين التنفيذي بأبوظبي، في زيارة “أخوية” تأتي بعد أيام فقط من زيارة بن زايد إلى القاهرة، التي حملت في طياتها عرضًا أمريكيًا غير معلن بشأن ملف تهجير الفلسطينيين من غزة.

ورغم أن البيانات الرسمية تحدثت عن تعزيز العلاقات الثنائية ومناقشة قضايا إقليمية، فإن هذه الجولة الخليجية-المصرية التي يقوم بها بن زايد لا يمكن قراءتها بمعزل عن التحركات السرية لإعادة إحياء بعض بنود “صفقة القرن” التي سبق أن طرحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، خاصة تلك المتعلقة بـ”توطين الفلسطينيين خارج غزة”، أو ما يعرف  حاليا على لسان المسؤولين الإسرائيليين بـ”التهجير الآمن”.

من القاهرة إلى عمّان.. المهمة مستمرة

بحسب مصادر دبلوماسية متقاطعة، فإن بن زايد يقوم بدور الوسيط الإقليمي لتنفيذ تصوّر أمريكي جديد بشأن غزة ما بعد الحرب، يقوم على أساس تهجير سكان غزة إلى أراضٍ خارج القطاع، وعلى رأسها سيناء والأردن كما صرح ترامب مرارا.

النظام الإماراتي تعهد كذراع مالية وسياسية بتنفيذ المشروع وإقناع الدول العربية المعنية، والضغط على مصر والأردن بوعود استثمارية وتهديدات ضمنية بفقدان الدعم الأمريكي في حال الرفض.

الخطوة الأولى كانت في مصر، حيث حمل بن زايد عرضًا أمريكيًا يشمل دعمًا ماليًا سخيًا مقابل قبول مصر استقبال جزء من الفلسطينيين في سيناء، وهو ما قوبل برفض معلن من القاهرة. لكن الرسائل لم تتوقف، بل اتخذت شكلًا أكثر ليونة وضغطًا خلف الكواليس، من خلال ربط الاستثمارات الإماراتية في مصر باستعداد الأخيرة للتجاوب مع الطرح الأمريكي.

والآن، تبدأ المحطة التالية، الأردن، الذي لطالما رُوّج له – إلى جانب مصر – كأحد الخيارات “الآمنة” لتوطين الفلسطينيين، خاصة مع وجود عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين في المملكة أصلًا، وشبكة علاقات أمنية وثيقة بين عمان وواشنطن وتل أبيب.

ولهذا فإن زيارة الملك عبد الله إلى أبوظبي، بعد يومين من زيارة بن زايد إلى القاهرة، ليست صدفة. بل تأتي في توقيت حساس، مع استئناف القصف الإسرائيلي على غزة، واستمرار الجمود في ملف “ما بعد الحرب”.

وبينما يحاول النظام في الأردن – ظاهريًا – عن إبقاء بلاده بعيدة عن أي طرح لتهجير الفلسطينيين، فإن الواقع السياسي الداخلي والدولي يفرض معادلات أخرى، فالأردن يعتمد بشكل كبير على الدعم الخليجي، وخاصة الإماراتي، في مشاريع البنية التحتية والسياحة.

وهناك رغبة أمريكية متجددة في “تحريك” ملف غزة، حتى لو عبر مداخل غير رسمية، وهو الدور الذي تنفذه الإمارات إذ تحاول استخدام شبكة علاقاتها لتهيئة غطاء عربي لأي اتفاق مستقبلي مع إسرائيل بشأن غزة.

بعبارة أخرى، فإن بن زايد لا يزور القاهرة وعمّان للتهنئة أو المجاملات، بل يحمل في جعبته مشروعًا سياسيًا واقتصاديًا مشتركًا مع واشنطن، هدفه إعادة هندسة الجغرافيا السكانية في غزة، من خلال إقناع أو الضغط على الدول المجاورة لقبول المهجرين مقابل المال والنفوذ.

رغم إعلان إدارة ترامب فشل صفقة القرن بعد سقوطها شعبيًا ورفضها فلسطينيًا، فإن بعض بنود الصفقة لا تزال حيّة وتتحرك عبر وكلاء إقليميين، تتقدمهم الإمارات.

ومن هذه البنود تهجير سكان غزة وجزء من سكان الضفة، وتقويض المشروع الوطني الفلسطيني بتحويل أزمة غزة إلى ملف اقتصادي وإنساني، ثم استغلال الضغط العسكري لفرض قيادة فلسطينية بديلة تحت إشراف أمريكي إسرائيلي.

الإمارات.. شريك إسرائيل الأول

هذه الجولة الجديدة تأتي في أعقاب زيارة رسمية لقادة المستوطنات الإسرائيلية إلى أبوظبي، واستقبالهم من قبل مسؤولين حكوميين في الإمارات، على رأسهم علي راشد النعيمي. هذه الزيارة التي صُوّرت كمؤشر على “مرحلة جديدة من العلاقات”، تعني في حقيقتها أن الإمارات تتعامل مع أكثر مكونات المشروع الصهيوني تطرفًا، وتمنحهم غطاءً عربيًا ودعمًا علنيًا.

من الإفطار الرمضاني في تل أبيب، إلى استقبال قادة الاستيطان، وصولًا إلى جولة بن زايد لترويج مشاريع التهجير.. يبدو واضحًا أن النظام الإماراتي لا يكتفي بدور المتفرج، بل يلعب بفاعلية في مشروع إعادة تشكيل القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل.

مصر والأردن.. بين الرفض العلني والضغط الخفي

رغم تمسك مصر والأردن بمواقفهما الرسمية الرافضة لفكرة التهجير، فإن استمرار الضغوط الخليجية والأمريكية يهدد هذا التماسك، إذ تُستخدم أدوات الاستثمار، والدعم السياسي، وحتى الأمني، كسلاح ضغط ناعم لإعادة إحياء الطرح الإسرائيلي-الأمريكي.

والسؤال الآن: هل تصمد هذه الدول في وجه الضغوط؟ أم نشهد خلال الأسابيع القادمة خطوات ناعمة، تُسوّق على أنها “حلول إنسانية”، بينما هي في الحقيقة تمهيد لطرد الفلسطينيين من أرضهم بحجة الحرب؟