أحمد حسين

ليست حادثة الطيران الأولى في العالم، لكن تأثيراتها تجاوزت الحدود الجغرافية لتحطمها، وكان التفاعل السريع من قبل عشرات الدول بتعليق تحليقها أو وقف رحلاتها وإغلاق المجال الجوي أمامها، مثارا للجدل.

طائرة الركاب الإثيوبية من طراز “بوينج 737 ماكس”، التي تحطمت الأحد الماضي بعد 13 دقيقة من إقلاعها وتوفي جميع ركابها الـ157، تسببت بارتدادات كبيرة أساءت بشدة لعملاق الطيران المدني الأمريكي، ودفعت إلى التساؤل بشأن وسائل السلامة والمواصفات الفنية لهذا الطراز.

انعكاسات السقوط

تدريجيا في أعقاب الحادث، وصل عدد الدول التي علقت استخدام طراز الطائرة وأغلقت مجالها الجوي إلى 50 في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن غموض حول صفقات شراء نحو 5 آلاف طائرة من الطراز ذاته.

تلك الإجراءات الاحترازية لحين التأكد من صلاحية طراز الطائرة، قابلتها الشركة الأمريكية بإعلان “مراقبة التطورات عن كثب”، في حين تراجعت أسعار أسهم الشركة، حيث فقدت 13 % من قيمتها في أكبر انخفاض لها منذ عقدين تقريبا.

المخاوف العالمية من هذا النوع الذي كان يتمتع بموثوقية عالية نظرا لميزاته المختلفة، ربما يعززها أن الحادث ليس الأول من نوعه خلال فترة قصيرة لهذا النوع من طائرات بوينج

وكانت طائرة ركاب من الطراز نفسه تحطمت في إندونيسيا أكتوبر الماضي، بعد 6 دقائق فقط من إقلاعها، وتسبب الحادث في مقتل جميع ركابها الـ 189.

الطراز الأحدث

“بوينج 737 ماكس” هي سلسلة طائرات تجارية أمريكية الصنع، صمَّمتها وتنتجها شركة بوينغ للطائرات التجارية.

هذا الطراز هو الجيل الرابع من البوينج 737، وكان الطراز الذي سبقه هو بوينج (737 NG Next Generation)، بينما الجيل الأول كان يطلق عليه بوينج 737، والثاني بوينج 737 Classic.

تم الإعلان عن 737 ماكس في 30 أغسطس 2011، وكانت أول رحلة تقوم بها في 29 يناير 2016، يتراوح عدد مقاعد سلسلة طراز 737 ماكس بين 138 إلى 230 مقعدا، وحلت محل سلسلة طراز بوينغ  737 (700 و800 و900).

عام 2017 دخلت طائرة “بوينج 737 ماكس 8” نطاق العمل رسميا. ويعد هذا النموذج من أحدث طائرات الركاب في العالم، وأكثرها تطورا. وهناك 4 أنواع من ماكس في الأسطول، مرقمة بـ7،8،9 و10.

بحلول يناير 2019، وصلت الشركة الأمريكية طلبات من شركات الطيران حول العالم، لشراء 5011 طائرة، تم تسليم 350 منها بالفعل.

تم تصميم 737 ماكس بتقنيات تساعد خطوط الطيران على قطع مسافات أطول بتكلفة أقل في الوقود والصيانة، مقارنة بالطرازات السابقة.

الطائرة مزودة بتقنيات عالية، وممشى منفرد، وقدمت من خلالها بوينج تكنولوجيا وخصائص جديدة، بما في ذلك نظام الأمان التلقائي.

أين الخلل؟

ورغم ما تتمتع به طائرة بوينج من هذا الطراز من ميزات عديدة، إلا أن الحادث الأخير، فتح الباب أمام الحديث عن مواطن الخلل والعيوب الفنية بها.

محلل الطيران الإندونيسي “جيري سويجاتمان” قال بشأن عيوب الطائرة: “محركها يقع إلى الأمام قليلا، وأعلى قليلا، مقارنة بجناح الطائرة، والنسخة السابقة من الطائرة نفسها. وهذا يؤثر على توزانها”.

وبعد حادث إندونسيا 2018، أصدرت الهيئة الفيدرالية للطيران المدني في الولايات المتحدة، توجيهات بشأن سلامة الطيران، بسبب “مستشعر زاوية الهجوم”، إذ قالت الهيئة آنذاك: “مشكلة المستشعر، إن لم يتم معالجتها، يمكن أن تسبب صعوبة للطاقم في التحكم في الطائرة، ما يؤدي إلى انخفاض مقدمة الطائرة بشكل كبير، وفقدان الارتفاع بشكل كبير، وتصادم محتمل مع التضاريس الأرضية”، بحسب تقارير إعلامية.

وأشارت اللجنة الوطنية لسلامة النقل في إندونيسيا إلى أن الرحلة تعرضت لما أطلقت عليه “مدخلات خاطئة” من أجهزة الاستشعار، التي تقوم بتنبيه الطيارين، إذ يعمل المستشعر المذكور والبرمجيات المتصلة به بطريقة مختلفة، عن الطرز السابقة من الطائرة بوينج 737، لكن لم يتم إخبار الطيارين بذلك.

أجهزة الاستشعار (أيه أو أيه)، يقود أي عطل فيها الحواسيب إلى الاعتقاد أن الطائرة في وضعية الإقلاع، وبالتالي إطلاقها بالسرعة القصوى.

وقال المحققون الإندونيسيون إن الطيارين كافحوا مرارا لإبطال هذا النظام، قبل السقوط المميت للطائرة في أكتوبر الماضي، وأشار تقرير الحادث الأولي إلى أن حساسات متعطلة قادت النظام إلى دفع مقدمة الطائرة إلى الأسفل مرارا وتكرارا.

وذكر موقع فلايترادار 24 المتخصص بتتبع حركة الطيران المدني أن سرعة الطائرة الإثيوبية كانت غير مستقرة أثناء اقلاعها، مضيفا أنها ارتفعت الى ألف قدم تقريبا ثم انخفضت 450 قدما قبل تمكنها من الارتفاع 900 قدما. وبعد ذلك فقد اتصال القمر الاصطناعي بها.

وطلبت إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية، الشركة بالقيام بتعديلات قبل نهاية أبريل المقبل، في بعض البرمجيات، وفي برنامج التحكم المسمى “نظام تعزيز خصائص المناورة” (إم سي أيه إس) المصمم من أجل تفادي سقوط الطائرة.

خطوة بوينج “الغبية”!

“وول ستريت جورنال” الأمريكية نشرت تقريرا سابقا، قال إن شركة بوينج الأمريكية أخفت عن شركات الطيران معلومات حول المخاطر المرتبطة بميزة جديدة في نظام التحكم في طائرات بوينج من طراز 737 ماكس 8 وماكس 9 الجديدة، من شأنها أن تسبب كوارث جوية، بسبب وظيفة جديدة في نظام التحكم.

الصحيفة قالت إن الوظيفة الجديدة في نظام “منع الكبح الآلي” الذي يهدف إلى مساعدة الطيارين على تجنب رفع حاد لمقدمة الطائرة بصورة خطيرة، قد يكون أحد أسباب وقوع الطائرة.

ولكن اتضح فيما بعد، أنه يمكن للنظام أن يدفع مقدمة الطائرة إلى الأسفل بصورة خطيرة، لدرجة لن يكون بمقدور الطيارين إعادتها إلى الوضع الأفقي في نظام التحكم اليدوي.

وذكر خبراء السلامة المشاركون في تحقيقات الطائرة الإندونيسية أن بيونج لم تبلغ أحدا بالوظائف الجديدة ولم تنشر هذه المعلومات في تعليماتها للطيارين أو حتى في منشورات الأمان.

ووفقا لخبير سلامة الطيران مايك مايكلز فإن “الشركة قامت بخطوة غبية بعدم إبلاغ الطيارين الذين يقودون طائراتهم، حول الوظائف الجديدة”.