في ديسمبر/كانون الأول 2021، أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن خططه لـ “جدة المركزية”، وهو مشروع تنموي بقيمة 20 مليار دولار في ثاني أكبر مدينة في المملكة العربية السعودية.

في حين أنه ليس من المستغرب أن يُقام هذا المشروع، وهو أحدث عنصر في المخطط الاقتصادي لرؤية محمد بن سلمان، على حساب العائلات التي تعيش في أحياء جدة، إلا أن المقاومة المحلية لهذا المشروع كانت غير متوقعة وغير عادية.

يمثل هدم المنازل والمساجد وأحياء بأكملها في جدة، المدينة التي يسكنها ما يقرب من 4.5 مليون شخص، مرحلة جديدة في استغلال السعوديين من الطبقة المتوسطة والعاملة الذين يعانون بالفعل بسبب سياسات محمد بن سلمان الاقتصادية، مثل إجراءات التقشف وفرض زيادة على الضرائب بنسبة 15٪.

مشروع جدة وعدم الاستقرار الذي يسببه هو مثال نموذجي لتجسيد أسلوب حكم محمد بن سلمان: تنفيذ مشروع طموح بتهور مع تجاهل تام للتكلفة البشرية.

بعد الإعلان عن المشروع، أعلن السكان المحليون بسرعة رفضهم له، وأدانوا خطط محمد بن سلمان على منصة تويتر، مستخدمين وسم #هدد_جدة للاعتراض على تدمير أحيائهم وتشريدهم.

في بلد يمكن أن تؤدي فيه تغريدة واحدة إلى اختفائك لسنوات، ساد الوسم تويتر لعدة أيام، وفي عرض نادر للمقاومة، شهدت أحياء وسط جدة عروض عامة للكتابات على الجدران ترفض رواية الحكومة لتبرير إقامة المشروع، وتدعو إلى العدالة.

في الأسابيع الأخيرة، تحدثت مع سعوديين في هذه الأحياء المتضررة، والذين لم يتم إعطاء بعضهم إشعار إخلاء في غضون 24 ساعة للتخلي عن منازلهم وأعمالهم والانتقال لمكان آخر -دون مسؤولية من الدولة.

قالوا جميعاً إن الدولة لم تستشيرهم في هذا الأمر مطلقاً أثناء التخطيط وقبل بدء التنفيذ، ولم يتم منحهم تأكيدات بتعويض عادل أو سكن بديل، بل في بعض الحالات، قطعت السلطات السعودية الكهرباء دون سابق إنذار لتسريع عمليات الإخلاء القسري.

استخدمت السلطات السعودية نفس الأساليب ضد دور العبادة، حيث قيل لمديري مسجد ابن محفوظ – الذي يعمل أيضًا كمؤسسة خيرية – أن صلاة الجمعة التي وافقت يوم 21 يناير/كانون الثاني 2022، ستكون آخر صلاة جمعة لهم، ولم يتم تزويد المديرين بأي توجيهات حول كيفية ضمان حصول الفقراء والمحرومين من المستفيدين من التبرعات على السكن الملائم.

التهجير القسري لمجتمعات بأكملها ينتهك القانون الدولي، الذي يطالب الحكومة السعودية باستنفاد البدائل المناسبة، واتباع الإجراءات القانونية، وتقديم تعويضات فورية وكافية وفعالة.

طبقاً لأكثر من ثلاث عائلات محلية تحدثت إليها، فإن الحكومة السعودية لم تمتثل لهذه المتطلبات.

هذا المشروع ينتهك القانون السعودي نفسه الخاص بنزع ملكية العقارات الذي تم سنه عام 2003، والذي يقضي بأن تثبت الحكومة عدم وجود بديل لمصادرة هذه الأراضي، وأن الحكومة استنفدت أولاً إمكانية استخدام أراضي الدولة لإنجاز هذه المشاريع قبل التفكير في الأراضي ذات الملكية الخاصة.

يتطلب القانون أيضًا من المسؤولين السعوديين إكمال تقييم محدد للممتلكات لمنح تعويض بعد 60 يومًا من موافقة الحكومة على المشروع، إذ يجب أن يتلقى المواطنون السعوديون إشعارًا لمدة 60 يومًا، وفي حالة حدوث مصادرة، يجب أن يكون التعويض الحكومي عادلاً، وهو ما فشلت الحكومة أيضاً في الالتزام به.

يستحضر هدم الأحياء في جدة مشروع مدينة نيوم الضخم “المفضل” لدى محمد بن سلمان، والذي أدى إلى إجبار القبائل القاطنة هناك على النزوح، ووفقًا لأحد المحامين الذين تحدثت معهم، أدى إلى اعتقال أكثر من 70 مواطناً من أبناء قبيلة الحويطات.

وأدى هذا النزوح أيضاً إلى مقتل عبد الرحيم الحويطي في 13 أبريل / نيسان 2021، لأنه رفض ترك منزل عائلته.

الفرق بين جدة ونيوم، أن عمليات الهدم في جدة مختلفة من حيث الحجم والمكان، جدة مدينة كبيرة جدًا، ويبلغ عدد السكان المتضررين قرابة 1.5 مليون وفقًا لخريطة المشروع التي نشرتها الحكومة.

شرعت الدولة الآن في هدم مجموعة واسعة من المناطق، ومعايير أو أسباب الهدم اعتباطية، حيث اعتبرت الدولة نحو 63 حيًا من “العشوائيات”، في حين يُطلق على أحياء مشابهة أخرى “مناطق محلية قديمة”.

في مايو/أيار 2021، أخبر محمد بن سلمان صحيفة وول ستريت جورنال أنه يريد “بناء أهراماته” الخاصة في شبه الجزيرة العربية، الآن، يبدو أن محمد بن سلمان يريد أن يخطو خطوة أخرى إلى الأمام ويكرر النموذج الفرعوني نفسه، ويبني أهراماته على حساب الشعب السعودي، وينفق كل موارد الدولة لإكمال هذا الضريح لنفسه.

تظهر المقاومة في جدة أن الشعب السعودي غير راغب في التزام الصمت حتى في ظل المخاطر الحقيقية التي يواجهها، السؤال الآن: ما إذا كانت هذه المقاومة ستؤدي إلى اضطرابات مدنية وكيف سترد الحكومات الأجنبية على مثل هذه النتيجة؟ الإجابة غير معروفة حتى الآن.

الأمثلة الحديثة ليست ملهمة، حيث تستمر الدول الغربية في اختيار الأرباح على الأرواح، من خلال بيع أسلحة لمحمد بن سلمان بمئات الملايين.

في المقابل، يواصل محمد بن سلمان التهرب من المساءلة عن قراراته المتهورة وأفعاله الإجرامية، من خلال التلاعب بأسعار النفط العالمية وتقديم المليارات من الأموال السعودية والاستثمارات الواعدة لقادة العالم.

على الرغم من الصعاب الكبيرة، ثار المصريون القدماء في النهاية ضد الفراعنة وأظهرت العديد من الأهرامات المتناثرة على النيل وفي جميع أنحاء الصحراء أنه لا يوجد طاغية يحكم إلى الأبد، ومع ذلك، لا ينبغي للشعب السعودي أن ينتظر طويلاً ليعيش دون خوف من فرعونهم الطموح.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا