يواصل وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر خططه لزيارة بروكسل، متجاهلاً الشكوى القانونية المقدمة ضده من مؤسسة “هند رجب”، والتي تتهم الاحتلال بارتكاب جرائم حرب في غزة والضفة الغربية. 

وتعتبر هذه الشكوى خطوة ضمن تحركات حقوقية تهدف إلى ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين دوليًا، خاصة مع تزايد الانتهاكات التي تضرب بعرض الحائط كافة المواثيق الدولية. 

ورغم تصاعد الضغوط، تلتزم الحكومة الإسرائيلية بموقفها المعتاد، مستمرة في تجاهل الانتقادات والملاحقات القانونية، فيما تكتفي السلطة الفلسطينية بموقفها التقليدي المتمثل في المناورات السياسية غير المؤثرة.

هند رجب.. أيقونة فلسطينية

في التاسع والعشرين من ديسمبر 2023، كانت الطفلة هند رجب، البالغة من العمر ست سنوات، واحدة من آلاف المدنيين الذين حوصروا في قطاع غزة وسط القصف الإسرائيلي العنيف. 

لم تكن هند مقاتلة، ولم تحمل سلاحاً، لكنها واجهت مصيرها المحتوم وهي مختبئة داخل منزلها مع عائلتها، آملة في نجاة لم تأتِ. 

في أحد نداءات الاستغاثة التي بثتها عائلتها عبر مكالمات عاجلة للصليب الأحمر، كان الصوت الخائف للطفلة يملأ الأثير، لكنه لم يجد صدى لدى العالم الذي اعتاد الصمت أمام مجازر الاحتلال.

بعد ساعات من الانتظار، وصلت القوات الإسرائيلية إلى المكان، وأطلقت النار بلا تمييز. لم يبقَ أحد من العائلة، باستثناء هند، التي عثر عليها الفلسطينيون لاحقًا وقد فارقت الحياة وسط دمار منزلها، في مشهد يلخص وحشية الاحتلال وغياب أي رادع له. 

موت هند لم يكن مجرد رقم جديد يُضاف إلى إحصائيات الضحايا، بل كان شرارة دفعت ناشطين فلسطينيين إلى تأسيس مؤسسة “هند رجب”، والتي باتت اليوم رأس حربة في ملاحقة القادة الإسرائيليين المتورطين في جرائم الحرب، متخذةً من المرافعات القانونية والملاحقات الحقوقية سلاحًا لكشف الوجه الحقيقي للاحتلال.

بين السلطة الفلسطينية و”هند رجب”.. من يواجه الاحتلال فعلاً؟

فيما تواصل مؤسسة “هند رجب” نشاطها في المحافل الدولية، يرى كثير من الفلسطينيين أن هذا الدور كان يجب أن تؤديه السلطة الفلسطينية وحركة فتح، لكن الأخيرة اختارت نهج الدبلوماسية الناعمة، معللة ذلك بأنها تضغط سياسيًا على إسرائيل في المؤسسات الدولية. 

غير أن هذا الادعاء يتناقض مع الواقع، إذ لم تتمكن السلطة من تحقيق أي نتائج ملموسة، بل إنها تحولت في نظر الكثيرين إلى مجرد وسيط غير مباشر لإدارة الاحتلال في الضفة الغربية.

على الجانب الآخر، يروج أنصار الرئيس الفلسطيني محمود عباس لفكرة أنه يتبنى سياسة محنكة في الأمم المتحدة، جعلت إسرائيل في موقف حرج عالميًا. 

لكن في ظل استمرار القصف، وهدم المنازل، وغياب أي أفق سياسي حقيقي، لم يعد الفلسطينيون يثقون بهذه السردية، وأصبحوا أكثر اقتناعًا بأن السلطة تقدم لهم وهم التحرر السياسي، بينما تسعى إسرائيل إلى ترسيخ واقع الاحتلال.

زيارة ساعر لبروكسل رغم الشكوى المقدمة ضده هي دليل آخر على أن الاحتلال لا يخشى المحاسبة الدولية، لكنه قد يجد نفسه قريبًا أمام واقع جديد، حيث تبدأ المبادرات المستقلة مثل مؤسسة “هند رجب” في شغل الفراغ الذي تركته السلطة الفلسطينية، لتضع قادة الاحتلال أمام مسؤوليتهم القانونية وتكشف زيف الخطاب الدولي حول العدالة وحقوق الإنسان.

اقرأ أيضًا : الاحتلال يحكم على طفل مقدسي بالسجن 18 عامًا: جريمة متجددة بحق الأطفال الفلسطينيين