في خطوة تعكس ازدواجية المعايير الفاضحة في الإعلام الغربي، قامت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) بحذف الفيلم الوثائقي “غزة: كيف تنجو في منطقة حرب” من منصتها الإلكترونية، بعد تعرضها لضغوط مكثفة من جهات مؤيدة لإسرائيل، بسبب أن أحد الأطفال الثلاثة الذين ظهروا في الفيلم هو ابن نائب وزير الزراعة في حكومة غزة التابعة لحماس. هذا القرار يعكس التحيز الصارخ ضد الفلسطينيين، حيث تم التشكيك في معاناة طفل فقط بسبب هوية والده، وكأن الألم والدمار الذي يعيشه أطفال غزة يوميًا يجب أن يخضع لمراجعة سياسية قبل أن يُروى.
بحسب ما كشفته صحيفة الغارديان، فإن BBC لم تحذف الفيلم مباشرة، لكنها أزالت الوثائقي مؤقتًا بحجة “إجراء المزيد من التدقيق”، وهو تعبير مخفف عن خضوعها لضغوط جماعات الضغط الصهيونية التي ادّعت أن الفيلم لم يوضح الخلفية السياسية لوالد الطفل. قاد هذه الحملة الإعلامية داني كوهين، المدير السابق لقناة BBC One، الذي تساءل عما إذا كانت BBC قد دفعت أموالًا لـ”إرهابيين” مقابل التصوير، في تلميح واضح إلى أن كل فلسطيني، حتى لو كان طفلًا، يجب أن يكون مشبوهًا لمجرد كونه فلسطينيًا.
الهجوم على الوثائقي بدأ بعد أن كشف الصحفي الصهيوني ديفيد كولير أن الطفل الفلسطيني عبد الله، الذي كان الراوي الرئيسي للفيلم، هو ابن نائب وزير الزراعة في حكومة غزة، واصفًا إياه بأنه “طفل من العائلات الحاكمة في غزة”. هذا التصريح يثير تساؤلات جوهرية حول منطق الإعلام الغربي في التعامل مع القضية الفلسطينية، فهل يجب أن يُدان طفل أو تُنكر معاناته فقط بسبب هوية والده؟ وإذا كان والده يشغل منصبًا حكوميًا، فهل هذا ينفي عنه حقه في العيش، أو يعفي الاحتلال من جرائمه في قصف منزله وتشريده؟
ما حدث ليس مجرد جدل إعلامي حول فيلم وثائقي، بل هو انعكاس واضح لنفاق الإعلام الغربي الذي يسمح بتغطية معاناة الأطفال في مناطق النزاعات الأخرى، لكنه يتوقف فجأة عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين. لم نرَ أي محاولات لحذف أفلام وثائقية تناولت معاناة الأطفال الأوكرانيين رغم أن بعض ذويهم كانوا مقاتلين في الجيش الأوكراني أو في جماعات مسلحة، ولم نسمع عن حملات تطالب بسحب وثائقيات عن أطفال سوريين ظهروا في الإعلام رغم أن آباءهم كانوا ينتمون لفصائل عسكرية. لكن عندما يكون الضحية فلسطينيًا، تصبح المعايير مختلفة تمامًا، ويصبح الألم الفلسطيني مشروطًا بمدى ملاءمته للرواية الإسرائيلية.
قرار BBC بحذف الفيلم لا يتعلق بالمهنية أو الحياد، بل هو قرار سياسي يعكس مدى التواطؤ الإعلامي في إعادة إنتاج رواية الاحتلال الإسرائيلي وتبرير جرائمه من خلال التحكم في السرد الإعلامي وإسكات أي صوت يكشف حقيقة ما يحدث في غزة. هذا السلوك ليس جديدًا، بل يأتي ضمن سياق أوسع من محاولات طمس معاناة الفلسطينيين وتجريدهم من إنسانيتهم. في الوقت الذي يتحدث فيه الإعلام الغربي عن حرية الصحافة وحق الجمهور في معرفة الحقيقة، يكشف هذا الحذف أن تلك المبادئ لا تنطبق عندما تكون الضحية فلسطينية والجاني إسرائيليًا.
المأساة الفلسطينية لن تختفي بحذف الأفلام الوثائقية، ولن يُمحى الألم الفلسطيني لأن BBC قررت تكميم الأفواه. بل على العكس، فإن هذا الحذف كشف زيف الادعاءات الغربية عن حرية الصحافة، وفضح مدى الانحياز الإعلامي الذي يحاول تلميع صورة إسرائيل وتشويه أي صوت يعارضها.
اضف تعليقا