أثارت دعوة رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي لاستخدام المساجد في العملية التعليمية، بذريعة تعويض نقص المدارس والفصول، جدلًا واسعًا ومخاوف متصاعدة في الشارع المصري.
جاءت تصريحات السيسي خلال حفل تخرج دفعة جديدة من أئمة وزارة الأوقاف بالأكاديمية العسكرية، حيث أشار إلى أن “عدد المساجد يفوق عدد المدارس”، متسائلًا: “هل يمكن استخدام المساجد للعبادة والتعليم معًا؟”، في إشارة إلى رغبته في تحويل المساجد إلى مراكز تعليمية جزئية، مستندًا إلى ما وصفه باستخدام المسجد في شؤون الحياة زمن النبوة.
وأضاف السيسي: “المساجد تُفتح عشر دقائق لكل صلاة فقط، فلماذا لا نستفيد منها أكثر؟”، مقترحًا دمج بناء المسجد والمدرسة في منشأة واحدة بدلًا من إنشاء كل منهما بشكل منفصل.
تصريحات السيسي قوبلت برفض واسع من جانب معارضين مصريين، الذين اعتبروا الطرح محاولة جديدة للسيطرة على المساجد، وتقليص دورها الديني، تحت غطاء التعليم، وليس إحياءً لدورها التاريخي كما زعم.
وحذروا من أن هذا التوجه قد يؤدي إلى تفريغ المساجد من رسالتها الدينية وتحويلها إلى أداة في يد السلطة.
من جانبهم، اعتبر مراقبون أن الطرح يعكس توجهًا ماديًا بحتًا، يهدف إلى تخفيف عبء الدولة في بناء المدارس، وتحميل المجتمع المدني ورجال الأعمال مسؤولية إنشاء فصول دراسية جديدة، تمامًا كما يتحملون عبء بناء المساجد.
يأتي ذلك في وقت تبلغ فيه مخصصات التعليم نحو 998.1 مليار جنيه بموازنة العام المالي 2024/2025، منها 565 مليارًا للتعليم قبل الجامعي، مع خطة لإنشاء 16 ألف فصل جديد وإحلال وتجديد 13 ألف فصل آخر.
وعلق الدكتور محمد أحمد عزب، الأكاديمي الأزهري، بقوله: “تلقيت كغيري اقتراح تحويل المساجد إلى مراكز مساعدة للعملية التعليمية بدهشة بالغة”، معتبرًا أن هذا الاقتراح نوع من “البحث عن قشور فارغة لنزين بها المشهد التعليمي المتهالك”.
وأكد عزب أن “المساجد بالكاد تستطيع الوفاء بدورها الديني، فكيف لها أن تضطلع بمسؤولية إضافية؟”، مضيفًا أن المشروع المطروح يهدد بتحويل المساجد إلى مؤسسات خدمية تُنتزع منها قدسيتها وسلطتها الدينية.
يأتي ذلك في سياق أوسع من محاولات السيسي لإعادة تشكيل الخطاب الديني منذ يناير 2015، وسط مقاومة من بعض مشايخ الأزهر لبعض هذه السياسات، بينما تسمح السلطات لوسائل الإعلام الموالية بتوجيه انتقادات علنية للثوابت الإسلامية ورموز التاريخ الإسلامي.
كما أثارت برامج تدريب الأئمة بوزارة الأوقاف داخل الأكاديمية العسكرية مخاوف عميقة لدى المعارضين الإسلاميين، الذين حذروا من محاولات إعادة صياغة الفكر الديني الرسمي بما يتماشى مع توجهات النظام السياسي، على حساب الالتزام بأصول الشريعة الإسلامية.
اضف تعليقا