غراس غزوان

تقف المنظمات الحقوقية الدولية أمام سجون الإمارات تنظر من أمام القضبان الحديدية الانتهاكات الصادمة بحق النساء.

هذه الانتهاكات تخطت حدود الاعتقال والمعاملة الآدمية للمسجونين وأظهرت شهادات النساء المعتقلات صدمة في الوسط الحقوقي لما يعانينه من إخفاء قسري وتعذيب وتحرش جنسي وضرب ومعاملة مهينة وإهمال طبي متعمد.. وفي النهاية محاكمات تعسفية.

لا تنفك كل هذه الاتهامات منذ وقت طويل عن النظام الإماراتي؛ حيث تشير الإحصائيات إلى إساءة معاملة النساء في سجون الإمارات العربية المتحدة ما دعا الكثير من القانونيين والحقوقيين إلى المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم التي اعتبروها ترقى إلى “جريمة” ضد الإنسانية.

هانا فيليبس، الباحثة بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا قالت: إن دولة الإمارات العربية المتحدة تنتهج سياسة تنتهك الحقوق الأساسية في احتجاز النشطاء، ويشمل ذلك الحق في المحاكمة العادلة، والحق في الاستعانة بمحام، والحق في حرية الرأي والتعبير، وأشارت إلى أن هذه الانتهاكات يتبعها تعذيب ممنهج داخل السجون ومن بينها سجن الوثبة.

وخلال مؤتمر صحفي بالعاصمة البريطانية لندن تحت عنوان “النساء المعذبات في سجون أبو ظبي” أوضحت “فيليبس” أن السجون الإماراتية تتسم بالاكتظاظ الشديد، والتهوية السيئة، وأن السجناء معرضون للإيذاء النفسي والجسدي، كما أشارت الى أن تعدد حالات انتهاك حقوق الإنسان في سجون أبو ظبي دفعت العديد من المعتقلين إلى الإضراب عن الطعام، والأسوأ من ذلك أن البعض أقدم على الانتحار.

واستشهدت “هانا” على عمليات تعذيب النساء، بحالة المعتقلة “أمينة محمد أحمد سعيد العبدولي” البالغة من العمر 36 عامًا والمحتجزة حتى الآن في الحبس الانفرادي بسجن الوثبة بإمارة أبو ظبي؛ حيث أظهر تسجيل مسرب للمعتقلة ظروف الاحتجاز السيئة التي جعلتها في النهاية تدخل في إضراب عن الطعام لمدة ثلاثة أسابيع.

التسريب الصوتي لأمينة أظهر أيضًا تعرضها للإغراق بالماء وإجبارها على الوقوف مقيدة اليدين والقدمين ومعصوبة العينين لساعات متتالية ومنع الزيارات العائلية عنها، وتعدى الأمر حدود سجن الوثبة لتصدر السلطات الإماراتية أوامر بمنع عائلة أمينة من السفر حتى إن عمها أجبر على توقيع أوراق تفيد بأنه غير مسؤول عنهم مما أدَّى إلى تدهور الحالة الصحية لأمينة التي شارفت على فقد البصر في إحدى عينيها نتيجة الإهمال الطبي المتعمد ورفض السلطات توفير الأدوية والعلاج اللازم لها.

شهادات أخرى عرضتها “هانا” خلال مؤتمر لندن لأفراد تم سجنهم في سجن الوثبة أظهرت جانبا آخر من أساليب التعذيب في سجون أبو ظبي.

تقول الباحثة بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، إن التعذيب داخل سجون الإمارات يعتمد أيضًا على مقدار ما يملك المعتقل من مال والمبلغ المستعد لدفعه لإدارة مقر الاحتجاز لتخفيف التعذيب والتحرش، وبالنسبة للأفراد الذين لا يملكون المال أو النفوذ فإن المعتقلات يخضعن للتعذيب النفسي والجسدي.

وقالت هانا: “إن المعتقلات يتعرضن للتحرش الجنسي من قبل الحراس، بالإضافة إلى أن الغرف المصممة لثمانية أشخاص يقطنها بطريقة لا إنسانية عشرون شخصًا، ويحرمون من الماء ومواد الغذاء الأساسية، والأكثر من ذلك هو أن الأفراد الذين يعانون من حالات طبية خطيرة كالسرطان، لا يتم تقديم الإشراف اللازم لهم بما في ذلك الدواء، بالإضافة إلى انتشار الحشرات وانعدام النظافة، ما يسهم في تفاقم الظروف السيئة.

أما جو أوديل، المسؤول الإعلامي في “الحملة الدولية للحريات” فتحدث خلال المؤتمر عن السياق الذي تنطوي تحته عمليات تعذيب النساء في الإمارات، حيث أشار إلى أنّ “هناك ازديادًا في عدد السجناء من الإماراتيين وغيرهم والذين تم اعتقالهم تعسفيًا وإخفاؤهم قسرًا منذ الربيع العربي، وقد أدَّى ذلك إلى حدوث زيادة في نطاق القمع الذي تستخدمه الإمارات العربية المتحدة، ليصير الرد المطلوب من المملكة المتحدة أكثر أهمية في ظل هذه الظروف.

ومن خلال عمله مع الحملة الدولية للحريات في الإمارات العربية المتحدة، أشار أوديل إلى أن الوضع في الإمارات تدهور إلى حد أن الظروف في بعض سجون الإمارات- ولا سيما سجن الرزين- الذي أطلق عليه اسم “خليج جوانتانامو”- يقدم السجناء فيه على الانتحار أو إلحاق الأذى بأنفسهم.

وأشار الى أنّ الظروف الرهيبة التي يعيشها السجناء تدفعهم إلى الإقدام على الانتحار، وفي هذا السياق، أدّت حملة القمع في دولة الإمارات والظروف الخاصة بالسجناء إلى عدم تحدث الأفراد ضد مثل هذه الأعمال الإجرامية؛ لأنهم يخافون من تداعيات ذلك.

وأشار جو إلى أن مسألة التواجد في المملكة المتحدة تزيد القدرة على إحداث فارق من خلال التأثير على الحكومة البريطانية؛ حيث إن الطريقة الرئيسية التي يمكن بها المساعدة في تخفيف محنة المحتجزين في الإمارات هي ممارسة الضغط على حكومة المملكة المتحدة لوقف التبادل التجاري مع الإمارات العربية المتحدة.

وتحدثت المحامية سو ويلمان عن الأمور المختلفة التي يمكن القيام بها من أجل المساعدة في فرض التغيير في دولة الإمارات العربية المتحدة، في إطار نظرية مسؤولية القيادة، حيث يمكن القول بأن القادة هم مسؤولون عن جرائم الحرب التي يرتكبها أفراد تابعون للسلطات الأمنية وتشير إلى أن “هؤلاء القادة هم الذين يجب ملاحقتهم، وأضافت أن هذه السياسة يمكن أن تؤدي إلى اعتقال مرتكبي الجرائم في المملكة المتحدة، وقد استُخدمت مثل هذه الإجراءات بالفعل لإصدار مذكرات توقيف بحق سياسيين مثل تسيبي ليفني وإيهود باراك.

وأشارت سو ويلمان إلى أنه يجب العثور على شهود يسجلون قيام دولة الإمارات العربية المتحدة بالتعذيب، ويجب أن يكون الوزير أو المشرف المسؤول عن العنف متواجدًا داخل المملكة المتحدة من أجل تحريك دعاوى جنائية ضدهم.

كما تحدثت هايدي ديجكستال المحامية والمتخصصة في القانون الجنائي الدولي عن الآلية القانونية المتاحة للمجتمع الدولي لمواجهة حالات التعذيب في الإمارات العربية المتحدة، حيث افتتحت بمناقشة شرعية السجون، وحقيقة أنّ العديد من السجون في الإمارات العربية المتحدة لا توفر الظروف الملائمة من أجل استيعاب النساء، والأكثر من ذلك، أن السجون تقع في مناطق بعيدة بشكل عام، مما يعني أن الزيارات صعبة كما يصعب على المحامين زيارة من يمثلوهم من السجناء، وبالتالي فإنَّ نظام السجون هو نظام غير قانوني.

وأضافت ديجيكستال أنه على الرغم من أنّ دولة الإمارات ليست من الدول الموقعة على اتفاقيات دولية بشأن استخدام التعذيب، إلا أنها ملتزمة بالمعايير الدولية للحبس التي تقع على عاتق دولة الإمارات العربية المتحدة كعضو في الأمم المتحدة.