نشرت صحيفة الغارديان تحليلًا للكاتب الإسرائيلي يائير والاش، أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة SOAS  لندن، تناول فيه الأثر العميق الذي أحدثه دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لخطة تهجير الفلسطينيين من غزة، معتبرًا أن مجرد طرح الفكرة علنًا قد غيّر المشهد السياسي في إسرائيل، حتى وإن لم يتم تنفيذها فعليًا.

وفقًا لما أورده والاش، فإن تصريحات ترامب حول “امتلاك غزة” وتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” لم تكن مجرد مناورة سياسية، بل وضعت سابقة خطيرة، حيث إنها المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي تتبنى فيها الولايات المتحدة رسميًا فكرة التهجير الجماعي كسلاح جيوسياسي. ويشير إلى أن هذه الخطوة أضعفت الأعراف القانونية الدولية التي طالما صنفت الإبادة الجماعية والتطهير العرقي كجرائم حرب بموجب اتفاقيات جنيف.

وأشار الكاتب إلى أن رد الفعل الإسرائيلي على تهديد ترامب بـ “فتح أبواب الجحيم” على غزة في حال عدم الإفراج عن جميع الرهائن بحلول 15 فبراير/شباط، كشف الانقسام العميق داخل المجتمع الإسرائيلي، ففي حين شعرت عائلات الرهائن بالرعب من انهيار وقف إطلاق النار، كان أعضاء اليمين المتطرف، مثل وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، يطالبون بتجاهل الاتفاق والمضي قدمًا في استعادة السيطرة الكاملة على غزة عبر التدمير والتهجير.

 ترامب يطلق العنان لفكرة التهجير القسري وتحقيق “حلم اليمين الإسرائيلي”

يرى والاش أن مجرد دعم ترامب العلني لهذه الفكرة منحها شرعية لم تكن موجودة من قبل. وذكّر في تحليله بأن فكرة الترحيل القسري لم تكن دائمًا ضمن الأجندة الرئيسية للحركة الصهيونية، حيث رفض القادة الصهاينة الأوائل تنفيذها على نطاق واسع حتى جاء دعم القوى الاستعمارية الكبرى. واستشهد بما كتبه ديفيد بن غوريون في مذكراته عام 1937، عندما دعمت بريطانيا خطة لترحيل 200,000 فلسطيني من الجليل، حيث قال: “لم نكن نحلم بذلك حتى في أكثر تخيلاتنا جرأة”، ولكن بعد ذلك، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، أصبح التهجير الجماعي مبررًا عالميًا، مما مهد الطريق لنكبة 1948 التي شهدت اقتلاع أكثر من ثلثي الفلسطينيين من ديارهم.

واليوم، يعيد ترامب نفس السيناريو، إذ منح خطابه المتطرف الضوء الأخضر لليمين الإسرائيلي المتطرف للمطالبة بترحيل الفلسطينيين دون تحفظات. وقبل سنوات فقط، كانت فكرة الطرد الجماعي تعتبر خطًا أحمر في السياسة الإسرائيلية، حتى أن استطلاعات الرأي لم تكن تطرحها كسؤال على الجمهور الإسرائيلي. لكن بعد زيارة نتنياهو لواشنطن، بات المشهد مختلفًا؛ حيث أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بما إسماه “الرؤية الثورية” لترامب، مؤكدًا أن حكومته والبيت الأبيض متفقان على جميع أهداف الحرب.

 استطلاعات الرأي: دعم شعبي غير مسبوق للترحيل الجماعي 

بحسب تحليل والاش، فقد كشفت أحدث استطلاعات الرأي أن 82% من الإسرائيليين اليهود يدعمون مبدئيًا خطة تهجير الفلسطينيين من غزة، بينما يعتقد 52% أنها قابلة للتنفيذ. الأمر الأكثر إثارة للقلق أن فقط 3% من اليهود الإسرائيليين يرون أن هذه الخطة “غير أخلاقية وغير مقبولة”، مما يعكس التحول الكبير الذي أحدثته سياسات ترامب في الرأي العام الإسرائيلي.

حتى الأحزاب الإسرائيلية الوسطية التي كانت تُعرف بمواقفها الأقل تطرفًا، مثل حزب بني غانتس، رحّبت بالخطة، حيث وصف غانتس تفكير ترامب بأنه “مبدع، أصيل، ومثير للاهتمام”، وهو ما يعكس تآكل أي مقاومة سياسية داخل إسرائيل لهذه الأفكار المتطرفة التي كانت مرفوضة أخلاقيًا في الماضي.

 التحفظات على الخطة: بين التعب والإبادة الجماعية 

ورغم أن اليمين الإسرائيلي يدفع باتجاه تنفيذ الخطة، إلا أن والاش يشير إلى أن هناك عدم ترحيب عام للعودة إلى حرب شاملة، فبعد 16 شهرًا من الدمار في غزة، هناك حالة إرهاق في المجتمع الإسرائيلي، خصوصًا بعد عودة بعض الرهائن بحالة صحية سيئة.  وأظهر استطلاع رأي أن ثلثي الإسرائيليين يريدون الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار، مع إعطاء الأولوية لعودة جميع الرهائن.

لكن الكاتب يحذر من أنه حتى لو لم يتم تنفيذ التهجير الجماعي فورًا، فإن مجرد ترسيخه كفكرة سياسية قابلة للنقاش في إسرائيل يمهد الطريق لعمليات قتل جماعية وإبادة أوسع، قد تؤدي إلى انهيار كامل للسلام الإقليمي، وسقوط اتفاقيات إسرائيل مع مصر والأردن.

 شحنات القنابل الأمريكية تضع الخطة على سكة التنفيذ 

ما يجعل الوضع أكثر خطورة، وفقًا لوالاش، هو أن السياسة الأمريكية تدعم عمليًا هذا التوجه. فخلال نفس الأسبوع الذي شهد حديث ترامب ونتنياهو عن التهجير الجماعي، وصلت شحنة ضخمة من القنابل الأمريكية الثقيلة إلى إسرائيل، والتي كانت معلقة من قبل إدارة بايدن بسبب المخاوف من استخدامها ضد المدنيين الفلسطينيين. ومع تولي ترامب منصبه، تم رفع الحظر فورًا، مما أتاح لإسرائيل استلام 1800 قنبلة من طراز MK-84، كل واحدة منها تزن طُنًّا، لتُستخدم في إبادة المناطق السكنية في غزة وتسريع تنفيذ خطة التهجير.

ويشير الكاتب إلى أن المساعدات العسكرية الأمريكية في ظل إدارة ترامب ليست مجرد دعم عسكري عادي، بل هي جزء أساسي من تنفيذ المشروع السياسي لاقتلاع الفلسطينيين بالقوة.

 ترامب فتح الباب على مصراعيه، والنتائج قد تكون كارثية 

يختتم والاش تحليله بالتحذير من أن ترامب لم يطلق فقط خطابًا متطرفًا، بل شرعن لأول مرة فكرة التهجير الجماعي في العلن. وبغض النظر عما إذا كانت خطته ستنفذ أم لا، فإن الضرر قد وقع بالفعل، حيث أصبحت إسرائيل تقترب أكثر من أن تكون “دولة ثيوقراطية تقوم على الاحتلال الدائم والتوسع العدواني”، بدلًا من أي تصور لحل سياسي.

ويحذر من أن استمرار هذا المسار لن يؤدي فقط إلى إبادة الفلسطينيين، بل سيدمر إسرائيل نفسها، حيث سيدخلها في دوامة حروب مستمرة وصراع دائم لن ينتهي، مما سيؤدي في النهاية إلى تآكل مكانتها الدولية وحتى شرعيتها الداخلية.

في النهاية، يرى والاش أن إسرائيل قد تكون في طريقها إلى تدمير نفسها بأيديها، وسط أوهام قادتها بأن الحل يكمن في القضاء على الآخر، بدلًا من البحث عن تسوية سياسية حقيقية.