تروج الدولة المصرية لأن الحدث الذي نُظم في غرفة التجارة الأمريكية بمصر كان ناجحًا، لكن الحقيقة أن ملامح اليأس والإحباط التي بدت على وجوه رجال الأعمال المصريين تنقل عكس ذلك، لم يستطع هؤلاء المستثمرين المحللين إخفاء صدمتهم من واقع الاقتصاد المصري الذي ينهار بسرعة كبيرة وبلا توقف.

بداية الانحدار كانت قبل حوالي 10 سنوات، حين تغيرت السلطة الحاكمة، وسيطر السيسي على زمام الأمور، وانتهج سياسة الاقتراض والانفاق على التسليح ومشاريع جديدة غير مخطط لها جيدًا. يقول خبراء إن الأزمة لا تتوقف عند حد الانفاق على أشياء لا تستحق، لكن “ما زاد الطين بلة” سعي الجيش المصري لتوسيع نطاق اختصاصاته بعيدًا عن المجال العسكري، والانخراط في جميع مجالات الاقتصاد مما أدى إلى خنق القطاع الخاص وتثبيط الاستثمار الأجنبي المباشر.

منذ انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيسًا للجمهورية عام 2014، تضاعف الدين الخارجي للدولة أكثر من ثلاثة أضعاف إلى ما يقرب من 160 مليار دولار فضلًا عن أنه هذا العام، ستخصص 45 في المائة من ميزانية مصر لخدمة الدين القومي.

في الوقت نفسه، من المرجح أن يصل التضخم إلى 30 في المائة مع موجة ارتفاع خانقة في أسعار المواد الغذائية بنسبة تزيد عن 60٪ مقارنة بالعام الماضي.

كما وقع السيسي في ديسمبر/ كانون الأول مع مصر في برنامج آخر لصندوق النقد الدولي، ووعد بتسليم 3 مليارات دولار نقدًا واحتمال 14 مليار دولار إضافية في الاستثمار والتمويل الإقليمي والدولي مقابل التزام مصر بتعويم العملة وتقليص دور الجيش في الاقتصاد. فيما يتعلق بالشق الأول، تم تعويم الجنيه المصري بالفعل وانخفضت قيمته بنسبة 50 في المائة حتى الآن، لكن لم ينفذ السيسي تعهده بتقليص سيطرة الجيش على ما يقدر بحوالي 30-40٪ من الاقتصاد.

الأموال الخليجية كانت نقطة حاسمة في موقف الاقتصاد المصري في عهد السيسي، العام الماضي قدمت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة 22 مليار دولار من الاستثمارات وودائع البنك المركزي لتغطية عجز الدولة المتكرر، لكنها لم تحل الأزمة، كما لم تكن هذه الأموال بلا مقابل، بشكل أو بآخر حصل هؤلاء الممولين على امتيازات خاصة داخل مصر.

لضمان الحصول على أموال الخليج، كان على السيسي سحب الاستثمارات العسكرية من الاقتصاد، ولهذه الغاية، نشرت الحكومة في فبراير/شباط قائمة تضم 32 شركة مملوكة للجيش للبيع، وبالطبع سيحصل الممولين السعوديين والإماراتيين على جزء من هذه الشركات، والجزء الآخر سيتم خصخصته.

إن تحفظ السيسي على إجراء هذا الإصلاح أمر مفهوم، إنه ضابط سابق، ويعتمد نظامه بشكل كبير على الدعم المستمر للجيش، لكن السيسي لديه خيارات قليلة حين يتعلق الأمر بالاقتصاد، في يناير/كانون الثاني الماضي على سبيل المثال، أوضحت المملكة العربية السعودية – الممول الأكبر للقاهرة – أن زمن المنح غير المشروط والودائع الهائلة الخالية من القيود في البنك المركزي المصري قد ولى، ومن الآن فصاعدًا، لن تتدفق رؤوس الأموال الخليجية إلى مصر إلا إذا كان هناك عائد على الاستثمار.

تدين مصر بالفعل بـ 23 مليار دولار لصندوق النقد الدولي، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الدولة ستفي في النهاية بالتزاماتها المرهقة تجاه الصندوق.

ليس هناك ما يشير في أي حال من الأحوال إلى أن القاهرة تغير نهجها في الإنفاق، أو أنها ستتمكن من سداد الديون، وللعلم، أعلنت مصر في فبراير/شباط عن 1.5 مليار دولار فيما يسمى بأدوات مالية “صكوك”، وهي سندات بفائدة 11٪. تهدف إلى تمكين الدولة من سداد ديونها عبر سندات اليوروبوندز، التي كان سعر الفائدة فيها 5.57٪ فقط. لذا، حتى في الوقت الذي تقترض فيه مصر من صندوق النقد الدولي، فإنها تراكم المزيد من الديون، وتقترض المزيد من الأموال بأسعار فائدة أعلى لسداد الالتزامات المستحقة.

في ظل هذه الأزمة الاقتصادية التي غرقت بها الحكومة، يعاني المواطنون من مستوى معيشي منخفض، وحسب الإحصاءات يواجه ما يقرب من ثلث السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر – يكسبون أقل من 3.80 دولارًا في اليوم – صعوبة أكبر في تغطية نفقاتهم.

كما تضررت الطبقة الوسطى بشدة، إذ أنه منذ أن تولى السيسي السلطة، فقد الجنيه المصري ما يقرب من 80 بالمائة من قيمته – 50 بالمائة كانت خلال العام الماضي وحده- مما التهم مدخرات المواطنين التي أصبح لا قيمة لها.

تعتبر المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز والأرز واللحوم الأغلى ثمنًا، وقد أدت الضغوط على احتياطيات العملات الأجنبية إلى ارتفاع في التكلفة ومحدودية توافر بعض الأدوية، وفي الوقت نفسه، فإن الطبقات المقتدرة ماديًا في مصر ينتقلون بشكل متزايد إلى الطبقات الأقل.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا