مع تصاعد مخاوف الطاقة العالمية ومع تركيز القوى العظمى على الحرب في أوكرانيا والتوترات بين الولايات المتحدة والصين، وجد محمد بن سلمان طريقه من أجل إعادة تأكيد دولته كأكبر مصدر للنفط في العالم، وبالتالي تغيير الخريطة الجيوسياسية العالمية التي طرأ عليها تغيرات في الآونة الأخيرة تسببت في إبعاد السعودية عن الواجهة بسبب انتهاكات وريث العرش والحاكم الفعلي للبلاد ضد حقوق الإنسان.
قبل نحو أسبوع، حضر محمد بن سلمان حفل افتتاح بطولة كأس العالم 2022 في قطر، إذ جلس في المقاعد الأمامية وبدا وكأنه معتادًا على الظهور في مثل هذه المحافل الدولية رغم فترة لا بأس بها من المقاطعة الضمنية التي فرضت عليه بسبب مواقف قادة العالم من انتهاكات نظامه.
انخفضت أسهم ولي العهد السعودي الدولية منذ اغتيال خاشقجي عام 2018، وتعهد جو بايدن شخصيًا بمحاسبته بسبب هذه الجريمة، لكن مع أزمة النفط العالمية عادت أسهمه في الارتفاع من جديد، حتى أن البيت الأبيض منحه -الأسبوع الماضي- الحصانة السيادية من المحاسبة في أي دعوى مدنية، وبالتالي فإن فرص الانتصاف لخاشقجي في الولايات المتحدة أصبحت منعدمة تقريبًا.
قبل أسابيع فقط، حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن من “العواقب” التي قد تتحملها السعودية بعد اتهام الأمير محمد بسوء النية بشأن محادثاتهما النفطية في يوليو/تموز – وهو الاجتماع الذي كان بحد ذاته تراجعًا للولايات المتحدة عن مواقفها بعد أن تعهد بايدن بجعل الزعيم السعودي الفعلي “منبوذاً”
في غضون ذلك، ظهر الأمير محمد هذا الشهر في قمة المناخ COP27 في القاهرة، وقمة مجموعة العشرين في بالي، وقمة APEC في بانكوك – كل ذلك قبل ظهوره في قطر، وهي الجارة التي فرض عليها حصار مشين عام 2017.
في يوليو/تموز 2022 أيضًا التقى محمد بن سلمان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس، وسيستضيف قريبًا الرئيس الصيني شي جين بينغ في الرياض.
الداخل السعودي يعاني من قمع واضطهاد النظام بقيادة ولي العهد، الذي بدوره يسعى جاهدًا لتلميع صورته بشتى الطرق للتغطية على هذه الجرائم، وفي سبيل ذلك افتتح دور سينما وسمح بالحفلات الغنائية في البلاد، لكن يرى محللون أن فوز المنتخب السعودي -غير المتوقع- على الأرجنتين قد يساهم في زيادة تلميع صورته.
رغم كل هذه المعطيات، يرى محللون أنه من السابق لأوانه القول إن محمد بن سلمان قد حصل على إعادة تأهيل سياسي في الغرب، مؤكدين أنه سيكون زائرًا غير مرحب به في الولايات المتحدة أو معظم دول أوروبا الغربية، بخاصة أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، صرح مؤخرًا بأن قرار الحصانة لا يعني مراجعة لعلاقة واشنطن بالسعودية، ومع ذلك المؤشرات الدولية تقول عكس ذلك وتشير إلى أن بن سلمان يعود وبقوة إلى الحظيرة الدولية، في تراجع من قادة الدول عن مواقفهم المناصرة لحقوق الإنسان مقابل بعض المصالح الاقتصادية.
حصانة
قال عبد العزيز الصقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث في جدة، إن الغضب الغربي من محمد بن سلمان بسبب مقتل خاشقجي يُنظر إليه بين المؤسسة الحاكمة في الرياض باعتباره وسيلة ذات دوافع سياسية للضغط على المملكة.
قُتل خاشقجي، الصحفي السعودي والناقد لمحمد بن سلمان الذي كان يحمل الإقامة الأمريكية وكتب لصحيفة واشنطن بوست، في القنصلية السعودية في إسطنبول، وقالت المخابرات الأمريكية إنها تعتقد أن محمد بن سلمان أمر بالعملية، لكن لم تُفرض أي عقوبات مباشرة عليه.
توتر العلاقات
رغم الخطوات الحديثة المتعلقة بإعادة دمج محمد بن سلمان في الحظيرة الدولية، يرى خبراء أن العلاقات السعودية مع الولايات المتحدة والغرب الأوسع لا تزال في أدنى مستوياتها التاريخية.
خلال طفرة النفط الصخري في العقد الماضي، مع تراجع الطلب على النفط السعودي، وجدت الولايات المتحدة أنه من الأسهل وضع بعض المسافة بينها وبين حليف تجد سياساته المحلية غير مريحة.
بالإضافة إلى ذلك فإن موقف الولايات المتحدة من الربيع العربي وسعيها لعقد اتفاق نووي مع إيران في تحد للمخاوف السعودية من التهديدات الإقليمية دفع الرياض إلى الاعتقاد بأن واشنطن تتخلى عن مظلة الخليج الأمنية.
عندما تولت المملكة العربية السعودية بالتالي مسؤولية الحفاظ على أمنها بالدخول في حرب في اليمن، كانت الانتقادات الغربية عبارة عن نفاق وازدواجية معايير في نظرها، ما تسبب في توتر العلاقات بصورة أكبر.
على الجانب الآخر في الغرب غالبًا ما كان يُنظر إلى مخاوف السعودية من إيران على أنها مبالغ فيها، واعتبرت حربها في اليمن بمثابة هجوم مبهج على جار فقير، وأصبح محمد بن سلمان في نظرهم شخص قمعي ومستبد بعد مقتل خاشقجي.
ولكن مع ظهور تنافس القوى العظمى وندرة الطاقة مرة أخرى لتحديد السياسة العالمية، فقد يجد قادة الدول الغربية أنه من المصلحة السياسية تنحية هذه الانتقادات جانبًا في الوقت الحالي من أجل الحصول على مصالح أخرى.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا